والإنفاق من المال عبادة من أهم العبادات، وكثيراً ما قُرن بالصلاة في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ}(إبراهيم:31) وتكرر الأمر بالإنفاق في القرآن الكريم كثيرًا، أمر من الله مؤكد وفي موارد متعددة وفي مواضيع متعددة، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المنافقون:9-11).
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركة ينهى الإنسان المؤمن عن أن يكون ماله وأولاده ملهاة له، هي كل شغله في الحياة، تأخذ كل اهتمامه، كل توجهاته، الإنسان في واقع تعامله مع المال إما أن يكون المال له، وإما أن يكون هو للمال.
عندما يكون المال لك بيدك تحت تصرفك فأنت تتحرك فيه بما يفيدك، بما يفيدك في مستوى الحياة، بما ينفعك عند الله سبحانه وتعالى، تصونه عن الحرام فلا تخلطه بالحرام، لا تعتمد على أسباب أو وسائل محرمة للحصول على المال ولتنمية المال، لا تميل إلى باطل من أجل الحصول على المزيد من المكاسب المادية، وفي نفس الوقت تؤدي حقوقه، تخرج منه حقوقه، وتقوم فيه بمسؤولياتك، تدرك أن الله أستخلفك فيه وإلا فأنت ومالك والأرض وما فيها لله سبحانه وتعالى.
فالسلامة من الخطر الكبير الناتج عن البخل والجشع والحرص هي بإخراج الحقوق من المال وبالإنفاق منه حيث أمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول: {وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} فما بيدك، ما رزقك الله، ما أعطاك الله هو من فضله ويقترن به مسؤولية، كل عطاء من الله سبحانه وتعالى يقترن به مسؤولية.
عندما يعطيك الله المال ويوسع عليك رزقك فهنا أنت تتحمل مسؤوليات في هذا المال، طبعاً أكثر من الفقير والمعدم، من يمنحه الله الذكاء أو الشجاعة أو أي مقومات في الحياة لها أهميتها فهو عطاء يقترن به مسؤولية؛ لأن عطاء الله ليس عبثاً، ليس عبثاً.
فالله سبحانه وتعالى يحثنا ويأمرنا أن نبادر ونغتنم الفرصة فننفق ونخرج من مالنا الذي أعطانا الله، مَنَ به علينا من رزقنا الذي رزقنا الله إياه نخرج منه حقوقه، ننفق منه، وإلا فستكون حسرة الإنسان كبيرة جداً، لو أضاع عمره ينمي المال ويدَّخِره ويكنزه ثم يأتيه الموت فجأة، والموت يأتي بغتة لا يستأذن، لا يأتي للإنسان إشعار مسبق متى سيحل أجله فيرى نفسه أنه سيفارق كل ما قد حازه من الدنيا، وكلما أصبح لديه من إمكانيات مادية سيفارقها ويتركها ويرحل عنها، لكن ستبقى التبعة، وستبقى المحاسبة، وسيبقى السؤال، فيحس الإنسان بالحسرة والندم الشديد، ويطلب من الله سبحانه وتعالى لو أخره، لو أخر أجله ولو قليلاً حتى يبادر ويخرج مما قد جمعه من المال، ما عليه من حقوق، ثم أيضاً يحرص على أن يبذل ويقدم لنفسه عند الله ما يعتق به رقبته من عذاب الله، ما يدفع به عن نفسه سخط الله {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} وحينها لن أكون بخيلاً، أدركت أهمية العطاء والبذل وإنما أقدمه أقدمه لنفسي، أدخره لمستقبلي الدائم، {وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا } إذا جاء أجل الإنسان لا يعطى فرصة جديدة ولا يمنحه الله تأخيراً لأجله، ليكون له فرصة من جديد فيستأنف من جديد ويتدارك ما قصر فيه، لا، إنما الإنسان يجب أن يستغل ما هو فيه من فرصة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
بعنوان: الإنفاق
بتاريخ: 14 رمضان 1433هـ.