أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
قال الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23].
صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد/ حسن نصر الله، ورفيق دربه السَّيِّد/ هاشم صفي الدين، ورفاقهم الشهداء من حزب الله، نتقدَّم من جديد بالعزاء إلى كل أُمَّتنا الإسلامية، وإلى إخوتنا في حزب الله والمقاومة اللبنانية، والشعب اللبناني.
عامٌ مرَّ على استشهادهم " رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم"، لكنهم حاضرون بقوَّة، وسماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، هو:
- حاضرٌ في وجدان الأحرار من كل العالم.
- وحاضرٌ بنهجه الراسخ الذي أرساه في الجهاد والمقاومة.
- وحاضرٌ بقضيته العادلة، وبموقفه الحق.
- وحاضرٌ بالثمرة العظيمة لجهوده، التي بنت جيلاً مجاهداً، ووسَّعت دائرة الوعي والشعور بالمسؤولية على نطاقٍ واسعٍ في أُمَّتنا الإسلامية، وعلى المستوى العالمي.
- وحاضرٌ بالنتائج الكبرى والعظيمة والمهمة، التي حقَّقها الله على يديه، وبجهاده، وأصبحت راسخةً باستشهاده، وقوية البنيان.
السَّيِّد حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، شهيد الإسلام والإنسانية، من القادة التاريخيين النادرين، فيما وهبه الله من مؤهِّلاتٍ لدورٍ عظيم، وما حقَّقه الله على يديه، وهذا الجيل عايشه، وعاصره، وتعرَّف عليه، وعَرَفَ ما يتمتع به هذا القائد العظيم من مزايا عظيمة، وصفاتٍ راقية، وما قام به من دورٍ عظيمٍ ومميزٍ في مواجهة العدو الإسرائيلي.
كان صمَّام أمانٍ للمنطقة، ووقف كالجبل الشامخ في مواجهة مشروع [الشرق الأوسط الجديد]، الذي أطلقه المجرم (بوش) في عام 2002م، وشَرَع في تنفيذه بعد غزو العراق واحتلالها، وكانت لبنان نقطةً محوريةً في ذلك المشروع، ومثَّلت حرب 2006م على لبنان، خطوة فارقة في ذلك المشروع.
في عام 2006، وخلال الأيام الأولى من العدوان على لبنان، خرجت آنذاك (كوندوليزا رايس) بتصريحٍ يوضِّح الأهداف الأمريكية الكبرى من العدوان الإسرائيلي على لبنان، العدوان الذي كان بأمرٍ ودعمٍ أمريكي، فوضَّحت الأهداف الكبرى من ذلك العدوان، ومفهوم [الشرق الأوسط الجديد]، بالقول: [ليس لديَّ أيُّ استعدادٍ للقيام بعمليةٍ دبلوماسية، ما نراه الآن هو آلام المخاض لشرق أوسطٍ جديد، ومهما كنا فاعلين، فإنَّه يتعين علينا التأكُّد من أننا نتَّجه إلى الشرق الأوسط الجديد]، ولكن بعد النصر الكبير الذي تحقَّق للبنان وللأُمَّة، سقط المشروع وتهاوى تحت أقدام المجاهدين في لبنان، ولو وعى العرب ذلك، وأسندوه، وتركوا التآمر عليه؛ لتغيَّرت الأمور لصالح الأُمَّة، ولكانت النتائج على مستوى الأُمَّة بكلها أكبر وأهم.
السَّيِّد الشهيد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، كان ولا يزال رعباً وكابوساً حقيقياً للصهاينة، لأكثر من أربعة عقود، وغرس في الوعي الصهيوني مفهوم الهزيمة، بعد عقودٍ من الهزائم السهلة للعرب، صرخته الشهيرة: ((إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت))، فرضت نفسها على الذاكرة اليهودية الصهيونية، وتحوَّلت إلى هاجسٍ أمنيٍ لم يستطع الصهاينة وكبار قادتهم التَّخَلُّص من ذلك الهاجس، الذي يثبت حالة الضعف البنيوي الثابت المستمر للكيان المجرم الظالم.
وكان موقع السَّيِّد الشهيد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ" استثنائياً في واقع الأُمَّة، فقد أعاد الأمل للأُمَّة، بعد أن كادت تصل إلى مرحلة اليأس، بعد سلسلة الانكسارات، والخيانات، والهزائم، التي كوت وعي الأُمَّة، وحطَّمت الكثير نفسياً تجاه العدو الإسرائيلي.
وكان له دورٌ رائدٌ ومتقدِّم في:
- تصحيح المفاهيم.
- وكسر السَّردية اليهودية.
- وإفشال محاولات الصهاينة الهادفة إلى ترسيخ حالة الانهزامية والضعف والوهن في الأُمَّة، وجعلها مستسلمةً كلياً.
والمسألة ليست فقط بكلماته النيِّرة، وخطاباته الحماسية؛ وإنما كان صوته صوتاً وصدًى لعملٍ عظيم، وجهودٍ كبيرة، وفعلٍ حقيقي، وإنجازٍ كبير، لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلاً، وعجزت جيوشٌ مجتمعة أن تفعل معشار ما صنعه حزب الله.
والسَّيِّد الشهيد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، غنيٌ عن التعريف كمجاهدٍ عظيم، وقائدٍ سياسيٍّ محنَّك، وعالمٍ ربَّاني، قضى جُلَّ عمره الكريم في مواجهة العدو الإسرائيلي، لحماية لبنان والأمة، وصدّ العدوان الإسرائيلي، وكذلك عمل على تجهيز المقاومة؛ لتكون في المستوى الذي يصل إلى مرحلة التحرير، وهزيمة العدو الإسرائيلي.
من أهمِّ رسائله ووصاياه، وكلماته النيِّرة، التي تبقى خالدةً مع الأجيال، قوله: ((نحن لا نهزم، عندما ننتصر؛ ننتصر، وعندما نستشهد؛ ننتصر، نحن على مشارف انتصارٍ كبير، لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائدٍ عظيمٍ من قادتنا، بل يجب أن نحمل دمه، ورايته، وأهدافه، ونمضي إلى الأمام، بعزمٍ راسخٍ، وعشقٍ للقاء الله))، وهذه الكلمة كافية، تضمَّنت الخلاصة التي يجب أن نعيها جميعاً، كل أحرار هذا العالم، وكل أحرار الأُمَّة الإسلامية، قدَّمت ما ينبغي استيعابه بشكلٍ كبير، تجاه ما حدث، وما قد تحقَّق، وما ينبغي العمل عليه بشكلٍ مستمر بناءً على ذلك.
ما حقَّقه السَّيِّد الشهيد "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، ورفاقه الشهداء، وحزب الله، والمقاومة في لبنان، والحاضنة المجاهدة للمقاومة في لبنان، ما تحقَّق بجهودهم، وجهادهم، وتضحياتهم، وأعمالهم، وصبرهم، للبنان وللمنطقة بشكلٍ عام، هو شيءٌ عظيم، وشيءٌ ثابتٌ وواضح، فنحن عندما نتأمل ما تحقَّق على مستوى التحرير:
• سواءً في تحرير العام 2000:
الذي تحقَّق بفضل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكان نصراً عظيماً تاريخياً، لم يحصل مثله بالنسبة للعرب، لم يتحقَّق مثل ذلك النصر، وكان بعد هزائم متتالية للحكومات العربية، والأنظمة العربية، وتمَّ بذلك النصر الطرد للعدو الإسرائيلي من المساحة الأكبر التي كان يحتلها في لبنان، لم يبقَ إلَّا مناطق محدودة، كـ: (مزارع شبعا)، وبعض المناطق المحدودة.
ذلك النصر التاريخي العظيم كان له صداه العالمي، وتأثيره الكبير جداً، وتأثيره على مستوى ترسيخ المفاهيم الصحيحة بالنسبة لأُمَّتنا الإسلامية بشكلٍ عام، والتي ينبغي أن تبقى حاضرةً في وعي الأُمَّة، وفي وجدانها، وما تحقَّق من نتائج فعلية على أرض الواقع، في إنقاذ لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، والسيطرة الإسرائيلية.
• ما تحقَّق أيضاً في العام 2006:
انتصار عظيم، وكبير، ومهم، وواضح، وكان له أثره الكبير جداً في تحقيق ردعٍ عظيمٍ ومستمرٍ للبنان، قدَّم الحماية والاستقرار للشعب اللبناني على مدى أكثر من ثمانية عشر عاماً، وهي من أهمِّ فترات الاستقرار للبنان، والحماية له من العدو الإسرائيلي.
ما حصل أحياناً في بعض الحالات، خلال تلك المدَّة الزمنية الطويلة، من مشاكل اقتصادية، أو محاولات لإثارة الفوضى، أو زعزعة الاستقرار في لبنان، كان من أطرافٍ أخرى، أطراف مرتبطة بالأمريكي، بالسفارة الأمريكية، بالمخططات الأمريكية، التي كانت تشن حرباً مكثَّفةً مستمرَّة على المستوى الإعلامي، وعلى المستوى الاقتصادي؛ لاستهداف الحاضنة الشعبية لحزب الله والمقاومة في لبنان، وبهدف التأثير على الوضع اللبناني إجمالاً.
لكن ما حقَّقه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لحزب الله، وللمقاومة اللبنانية، ولكل الحاضنة التي كانت تحضن المقاومة وتؤيِّدها، هو إنجازاتٌ كبرى، ثابتة، واضحة، لا يمكن التنكُّر لها، والجحود لها، ومحاولة تضييع هذه الحقائق، التي هي حقائق ثابتة، حتى لو حاول البعض ذلك، من خلال حملاتهم الزائفة، الهادفة إلى تزييف الوعي، والهادفة إلى ترسيخ حالة الهزيمة.
• ما حقَّقه للأُمَّة بشكلٍ عام:
الانتصار الذي حقَّقه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لحزب الله، وللمقاومة اللبنانية، كان له أهمية كبيرة على مستوى حماية المنطقة بكلها، في مواجهة الخطر الإسرائيلي، وقد ثبت الآن وتجلَّى بوضوح، أنَّ العدو الإسرائيلي فعلاً يستهدف كل هذه الأُمَّة، كل بلدانها، كل شعوبها، وأنَّ عنوان [الشرق الأوسط]، الذي رفعه آنذاك (بوش)، واستمر الأمريكي يسعى له، وهو كذلك مشروعٌ مشترك، ومخططٌ مشترك ما بين الأمريكي والإسرائيلي، هو استهدافٌ لهذه الأُمَّة بكلها، لشعوب وبلدان هذه المنطقة بدون استثناء.
المسؤولية الآن مستمرة، والحفاظ على ذلك الإنجاز العظيم، هو بعهدة أُمَّةٍ مجاهدة، وحاضنةٍ وفية، حزب الله يحمل الراية بقيادته ومجاهديه، مستمرٌ في إطار عنوانٍ صادق: (إنَّا على العهد)، وفعلاً هذه الأُمَّة المجاهدة ليست أيضاً لوحدها في الساحة، هي جزءٌ من أُمَّةٍ مجاهدةٍ، ثابتةٍ، صامدة، وجبهاتٍ مستمرَّة، بكل ثبات، بكل إيمان، بكل وعي، وهذا شيءٌ واضح؛ ولذلك حزب الله ليس وحيداً، ولن يُتْرَك وحيداً، هو جزءٌ من محور، جزءٌ من أُمَّة، هو أيضاً رائدٌ في هذه الجبهات، التي تتحرك وترفع الراية، في مواجهة أخطر مخططٍ إجراميٍ عدوانيٍ يستهدف الإنسانية بكلها، ويستهدف أُمَّتنا الإسلامية في المقدِّمة.
الواقع بكل ما فيه من أحداث ومستجدات، وبالهمجية الإسرائيلية، التي باتت جليَّةً أمام كل العالم، يثبت صِحَّة خيار الجهاد والمقاومة، أنَّه خيارٌ حتمي، خيارٌ حكيم، خيارٌ صحيح؛ لأنه لم يعد من بديلٍ عنه إلَّا خيار الاستسلام.
الأمة الإسلامية، والمجتمع البشري بشكلٍ عام، في مقابل المخطط الصهيوني:
- إمَّا أن يتحرك ضد هذا المخطط.
- أو أن يستسلم.
لأنه مخططٌ يتحرَّك المجرمون فيه بشكلٍ عدوانيٍ وعملي، لا يتركون حتى من تركهم، حتى من أراد أن يسالمهم من أبناء هذه الأُمَّة، بل حتى من أراد أن يطبِّع معهم، ليس بمنأى عن هذا الخطر، الذي يستهدف الجميع.
ولذلك يجب أن يكون خيار الجهاد في سبيل الله، والمقاومة، والمواجهة للمخطط الصهيوني، خياراً حاسماً، وأن يقبل به الجميع، وأن يدعمه الكل، وفي نفس الوقت أن يكون حافزاً على البناء، حافزاً على تصحيح وضعية هذه الأُمَّة، ومعالجة كل مشاكلها التي يستثمر فيها العدو، ويستغلها؛ بهدف تحقيق مخططاته ومؤامراته، وأن يكون حافزاً أيضاً للسعي لكلِّ عناصر القوَّة في داخل هذه الأُمَّة:
- على مستوى التعاون.
- على مستوى تظافر الجهود.
- على مستوى إدراك أننا بحاجة إلى كل ما يزيدنا قوَّةً لدرء ذلك الخطر، الذي هو خطرٌ على الجميع.
عندما يأتي البعض ليرفع عنوان: [نزع سلاح المقاومة في لبنان وفي فلسطين]، بل أصبح الآن يُطْرَح حتى فيما يتعلَّق بإيران، والصواريخ الإيرانية، هذا هو مطلبٌ أمريكيٌ إسرائيلي، ومن الطبيعي بالنسبة لهم كأعداء حاقدين، يسعون إلى تحقيق أهدافهم الشيطانية، ومخططاتهم الإجرامية، الرامية إلى الاحتلال والسيطرة على هذه الأُمَّة، أن يطلبوا إزاحة أي عائق يمثِّل عائقاً أمام سيطرتهم، وأمام تحقيق أهدافهم.
نحن الأُمَّة- كأُمَّة إسلامية، وكشعوب عربية وإسلامية- نحن الأحوج في هذا العالم إلى أن نمتلك كل أصناف السلاح، والعتاد الحربي اللازم لمواجهة ذلك الخطر الذي يستهدفنا، نحن أُمَّةٌ مستهدفة، ليست المشكلة في أن نمتلك السلاح، أو أيّاً من عناصر القوَّة، المشكلة حينما لا نمتلك السلاح الذي يردع العدو، الذي يوقفه عن عدوانه، هذا ما يمثِّل مشكلةً علينا.
أمَّا أن يكون السلاح الذي يمتلكه حزب الله مشكلةً على الإسرائيلي، عائقاً له عن احتلال لبنان، عن السيطرة على المنطقة، وأن يكون السلاح الذي بأيدي الإخوة المجاهدين في كتائب القسَّام، والفصائل المجاهدة في قطاع غزَّة، أن يكون عائقاً للعدو الإسرائيلي عن إكمال سيطرته بسهولة على فلسطين، فهذه مسألة لا ينبغي أن تكون إشكالية لدى الأُمَّة نفسها، حتى تنبري أنظمة عربية لتبنِّي الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، أن يكون مشكلة أمام الإسرائيلي، هذا هو المطلوب، أن يكون عائقاً يعيق العدو الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه المدمِّرة، أهدافه الشيطانية، أهدافه العدوانية، هذا هو المطلوب.
ولذلك نحن عندما ننظر إلى واقع البلدان في كل العالم، على مستوى العام 24، اتَّجهت معظم القوى والدول الأخرى في العالم، إلى رفع مستوى شراء السلاح، وتصنيع السلاح، وإعداد الميزانيات الضخمة والكبيرة من أجل السلاح، الدول الكبرى في الغرب فعلت ذلك، التحالفات الدولية فعلت ذلك، سعت أغلب الدول في العالم إلى رفع إنفاقها العسكري، مستشعرةً الأخطار التي تواجه تلك الدول، كلاً من منطلق أمنه القومي.
الإنفاق العسكري العالمي وفق بعض الإحصائيات هو الأعلى منذ ما اصْطُلِحَ عليه بـ [الحرب الباردة]:
- في أوروبا: ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 17%.
- في روسيا: رفعت كذلك من إنفاقها العسكري بنسبة تصل إلى 38%.
- كذلك الأمريكي" هو صاحب الإنفاق العسكري الأكبر في العالم، ما يقارب (تريليون دولار) في إنفاقه العسكري.
- في شرق آسيا، التي لا توجد فيها حروب حالياً: اليابان رفعت من إنفاقها العسكري بنسبة 21%.
- حلف الناتو كذلك اتَّفق على رفع الإنفاق العسكري.
وهكذا مختلف البلدان.
ونحن الأُمَّة التي أوطانها محتلَّة، وهي أُمَّةٌ مستهدفة، ويستهدفها العدو الإسرائيلي، أسوأ عدو في الدنيا، أحقد عدو في الدنيا، أكثر عدو إجراماً وانفلاتاً من كل القيم والضوابط في الدنيا، بأطماعه الكبيرة، وحقده الكبير، وبالدعم الهائل الذي يتلقاه من أمريكا، من شحنات الأسلحة التي لا تتوقف، بمليارات الدولارات، وبانتقاء أكثر الأسلحة فتكاً، وتدميراً، وإبادةً، يقتل بها الأطفال، يقتل بها النساء؛ في مقابل ذلك يأتي من يقول: [يجب أن تبقى هذه الشعوب، هذه الأُمَّة، هذه البلدان، بدون سلاحٍ يحميها]!
ولهـذا نسمع هذه الأصوات التي تتبنَّى نفس المطلب الأمريكي والإسرائيلي، في المطالبة بنزع سلاح حزب الله في لبنان؛ لسببٍ وحيد، هو: أنَّه العائق الأساس عن الاحتلال للبنان، والكل يعرف أنَّ وضعية الجيش اللبناني ليست في مستوى أن يدافع عن لبنان، وأن يمنع الاحتلال الإسرائيلي للبنان، الكل يعرف أنَّ العدو الإسرائيلي اجتاح لبنان حتى وصل إلى بيروت، خرج بفعل المقاومة، بفعل السلاح، بفعل الجهاد في سبيل الله، سلاح بأيدي رجالٍ مجاهدين، تحرَّكوا بوعيٍ، وبصيرةٍ، وتضحيةٍ، ودافعٍ إيمانيٍ عظيم، وتحرَّكوا بروح المسؤولية، على مستوى عظيم من الثبات، والتضحية، والعمل الدؤوب، والتخطيط المحكم، والجهاد المستمر، والإنجازات المتراكمة، حتى حقَّقوا للبنان النتائج الكبيرة؛ ولـذلك فالحقيقة جليَّة.
على ماذا يمكن أن يراهن العرب والمسلمون؟
الأمم المتَّحدة في دورتها الـ 80 ، ألقيت فيها الكلمات، الكلمات فيها اعتراف بالحق الفلسطيني، المظلومية الفلسطينية، والهمجية الإسرائيلية، والعدوان الإسرائيلي، والجرائم الإسرائيلية، والإبادة الجماعية، كل الكلمات كانت عبارة عن شكاوى، وليس هناك أمل حتى فيما يتعلَّق بمخرجات هذه الدورة في أن تتضمن مواقف عملية، وإجراءات عملية فعلية تمنع العدوان الإسرائيلي، تمنع الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، تحمي لبنان، أو تحمي سوريا، أو تحمي أيًّا من بلدان هذه الأُمَّة، ليس هناك ما يمكن أن يحقَّق هذه النتيجة المطلوبة؛ هناك توصيفات، هناك إقرار، إقرار بالطغيان الإسرائيلي، بالإجرام الإسرائيلي، بالحق الفلسطيني، بمظلومية هذه الشعوب، وهذه الأُمَّة، هذا مفيدٌ إلى حدٍ ما، لكنه لن يدفع عن الأُمَّة ذلك الخطر، تلك الجرائم، تلك الإبادة، لابدَّ من مواقف عملية.
يذهب المجرم (نتنياهو) إلى الأمم المتَّحدة، ومن العار على الأمم المتَّحدة أنها قَبِلت منذ البدء بإسرائيل عضواً فيها، ومن العار عليها أن تفتح المجال ليذهب المجرم (نتنياهو) ويدخل إلى قاعتها، ويلقي كلمةً فيها، وهو مجرم بالإجماع عالمياً، الإجماع البشري على أنَّ (نتنياهو) مجرم، كل البلدان والدول تُجْمِع على ذلك؛ ما عدا الأمريكي الذي هو شريكٌ في الجرائم الإسرائيلية؛ أمَّا البقية فهم يعرفون بأنه مطلوب أيضاً للمحاكم الدولية، بصفته مجرماً، ظالماً، معتدياً، غشوماً، منتهكاً لكل القوانين والمواثيق والأعراف.
في كلمته تلك تباهى بجرائمه، تبجَّح بأبشع وأفظع الجرائم، وبالعدوان على شعوب هذه الأُمَّة، وبلدان هذه الأُمَّة، وتنكَّر للحقائق الواضحة، الجليَّة، الثابتة، وأصبحت معلومةً بالضرورة عالمياً، يشاهدها العالم في مختلف أقطار الدنيا بشكلٍ يومي:
- جرائم الإبادة الجماعية.
- القتل للأطفال والنساء.
- التجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.
- التعطيش.
- التدمير الشامل.
- الاستهداف الكامل بأفتك أنواع السلاح (الأمريكي، والبريطاني، والألماني)، الذي يستهدف به كل الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.
مظلومية واضحة تماماً، يعرفها كل الناس، وهو يحاول أن يتنكَّر لتلك الحقائق، أن يمجِّد الإجرام الإسرائيلي الرهيب، الفظيع، المخزي للعالم، وأن يحاول أن يقدِّم موقفه أنَّه هو الموقف الصحيح.
إصرار واضح في كلمته على مواصلة الإجرام، وتباهٍ بما قد قام به؛ ولـذلك من الواضح ضرورة التَّحَرُّك الواسع، لابدَّ من المواقف العملية، لابدَّ- بالدرجة الأولى المسؤولية الكبرى على المسلمين، وكذلك على غيرهم- من المواقف العملية، مع التوصيفات، لابدَّ من المقاطعة الاقتصادية، المقاطعة الدبلوماسية، المقاطعة السياسية، في الحد الأدنى، في الحد الأدنى أن تكون هناك مقاطعة فعلية حتى على المستوى الاقتصادي، والعلاقات الاقتصادية، وفرض عزلة كبيرة فعلية على العدو الإسرائيلي، هذا شيءٌ مهم، واحتضان ودعم للجبهات، التي تتصدَّى للطغيان الإسرائيلي، في مقدِّمتها: غزَّة، والشعب الفلسطيني، والمجاهدين في فلسطين من فصائل المقاومة، يجب أن تحظى تلك الجبهة بالدعم من كلِّ الأُمَّة، بالمساندة الإعلامية، والسياسية، والدعم المادي... وكل أشكال المساندة، وكذلك المساندة والدعم لحزب الله في لبنان، بدلاً من التآمر، بدلاً من الطعن في الظهر، بدلاً من تبنِّي الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، التي هي عدوانية، وبهدف تسهيل مهمة الاحتلال للبنان، والسيطرة على لبنان، يجب أن يكون هناك تبنٍ ودعم من أبناء هذه الأُمَّة بمختلف أطيافها وبلدانها، للخيار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح، وللجبهات القائمة في التَّصَدِّي للعدوان الإسرائيلي.
فيما يتعلَّق بالعدو الإسرائيلي وجبهة اليمن:
العدو الإسرائيلي نفَّذ عدواناً إجرامياً في يوم الخميس الماضي، واستهدف به إصلاحية تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، جريمة مضافة إلى سجلِّه الإجرامي في الاستهداف لليمن، وسجلِّه الإجرامي على مستوى المنطقة، وعلى مستوى البلدان الأخرى، هي خطوة فاشلة، هو استمرارٌ في الإجرام، لكنه لن يؤثِّر على موقف شعبنا العزيز، الذي خرج بالأمس بالملايين في يوم الجمعة، مؤكِّداً على ثبات موقفه، وعلى استمراره في جهاده.
ولـذلك فنحن مستمرون في هذا الخيار: خيار الجهاد، التَّصَدِّي للطغيان الإسرائيلي، التَّصَدِّي للهجمة الصهيونية على أُمَّتنا، وعلى منطقتنا، التَّصَدِّي للعدو الاسرائيلي والمواجهة له وهو يرتكب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
نحن ثابتون، مستمرون، مواصلون، موقفنا مستمرٌ وفي تصاعدٍ بإذن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في نصرة الشعب الفلسطيني، في الوقوف مع كل أحرار أُمَّتنا، في محور الجهاد والقدس والمقاومة، ومع كل الأحرار من أبناء أُمَّتنا، مع الأحرار على المستوى العالمي، الذين يقفون في مواجهة الطغيان، والإبادة الجماعية، والإجرام الصهيوني، الذي يشكِّل خطورة على كلِّ الإنسانية.
نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَأَنْ يَجْزِيَ شَهِيدَ الْإِسْلَامِ وَالْإِنْسَانِيَّة السَّيِّد/ حَسَن نَصْرُ الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، وَرِفَاقَهُ الشُّهَدَاء عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِكُلِّهَا خَيْرَ الجَزَاء.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛