هناك أيضاً في هذا الجانب: التعطيل للمسؤوليات؛ لأن هناك: إمَّا ما يساعد على ارتكاب مظالم، أو يبنى عليه مظالم ومفاسد معينة، وإمَّا ما يعطل مسؤولية الأمة على النحو الذي يمكِّن فيها الظالمين والجائرين والمجرمين، فيصبحون هم المتحكِّمين في الساحة، ويصبح الواقع مهيأً لهم، يتمكنون فيرتكبون أبشع الجرائم، ويتمكنون فيلحقون بالأمة أبلغ الضرر في كل مجالات حياتها.
فريضة الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى- هي فريضة من أهم ثمراتها دفع الظلم عن الناس، فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي فريضة من أهم ثمراتها دفع الظلم عن الناس، فريضة التواصي بالحق والتواصي بالصبر هي فريضة من ثمارها دفع الظلم عن الناس، المسؤولية في إقامة العدل؛ لأن هناك منهجاً لله -سبحانه وتعالى- يطبَّق؛ ليتحقق من خلال تطيبقه إقامة العدل، أيضاً هذه المسؤولية شطبت من قائمة الاهتمامات في واقع المسلمين، ومن قائمة الفرائض في واقع المسلمين، ولم يعد أكثر المسلمين يستشعر أنَّ عليه مسؤولية في هذا الجانب، بل أصبح الكثير منهم مقتنعاً أنَّ هذا لا يعنيه، لا يعنيه شيئاً، وأنه ليس عليه أن يسهم في هذا المجال بأي إسهام، ولم يعد في بال الكثير من المنتمين للإسلام أنَّ هذا جزءٌ أساسيٌ من الإسلام في برنامجه، في فرائضه، في تشريعاته، في تعليماته، ويقوم به الإسلام على نحوٍ صحيح، ويكتمل به الإسلام؛ ولذلك ترى الكثير تجاه الكثير من الأمور هذه لا يبالون أبداً، ولا يستشعرون المسؤولية فيها أبداً، وكأنَّ الله -سبحانه وتعالى- لم يقل تلك الآيات التي قرأنا بعضاً منها، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء: من الآية 135]، كأنَّ هذه الآية لم تنزل في كتاب الله، ولم يأتِ بها القرآن أبداً، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، هذه مسؤولية من أهم مسؤولياتنا الدينية التي علينا أن نتعاون عليها، وأن تجتمع كلمتنا عليها، وأن نتحرك فيها، ويندرج تحتها الكثير من التفاصيل العملية، التي تحقق لنا أن نكون من الـ{قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}، في آيةٍ أخرى: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: من الآية 8].
مسؤولية إقامة القسط هي مسؤولية جماعية، وهي من المسؤوليات الرئيسية في الرسالة الإلهية، الله نزَّل الكتاب: والذي هو كُتُبه، اسم عام لكل كتبه، ومن الغاية الرئيسية لهذا الإنزال للكتب وللرسالة الإلهية هي: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: من الآية 25]، من أهم الغايات لرسالة الله -سبحانه وتعالى-: العمل على إقامة القسط، كلما اتجهت الأمة وسعت لإقامة القسط للقيام بالعدل، كلما تحرك الذين آمنوا ليكونوا قوَّامين بالقسط، تلقائياً ينكمش الظلم، وتلقائياً يزاح الظلم عن واقع الحياة، وتلقائياً تصلح حياة الناس بهذا العدل الذي يتحقق في الواقع؛ لأن العدل لا يمكن أن يقوم من ذات نفسه، لا بدَّ من إقامته، فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية لإقامته؟ الذين آمنوا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، هذا المجتمع المسلم الذي عليه أن يتعاون، أن تجتمع كلمته، أي مجتمع من المجتمعات الإسلامية يتعاون لإقامة القسط، فهو بقيامه بهذا الواجب العظيم، بهذه المسؤولية المهمة، هو في نفس الوقت يتصدى للظلم، يتخلص من الظلم، يبعد نفسه عن أن يكون مجتمعاً مظلوماً، ومساعداً على الظلم، ومشتركاً في جريمة الظلم، فهذه مسألة مهمة جدًّا؛ لأنه في واقع الأمة الإسلامية عطِّلت هذه المسؤوليات، أحياناً ساهمت فتاوى في تعطيلها، أحياناً ساهم التقديم الخاطئ للدين، والتقديم المنقوص للدين، ساهم في تعطيل هذه المسؤوليات؛ حتى غابت من ذهنية الناس، الكثير منهم إذا تذكَّر الإسلام، لا يتذكر أنَّ منه هذا الجانب، ولا يتذكر أنَّ فيه هذه المسؤولية، وعنده تلك أركان الإسلام فحسب، وبعض التعليمات، وبعض الشرائع.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الخامسة عشرة 1441هـ