فواقع أمتنا اليوم ليس وليد عصره لكنه نتاج لخلل كبير في مسارها وتراكمات الأحداث وتحولات كبيرة في ماضيها كان منها هذا الحدث المؤلم والذكرى المؤسفة ذكرى استشهاد الإمام علي -عليه السلام- فيما يحمله ذلك الحدث من دلالات ودروس وعبر تحتاج إليها الأمة اليوم كي لا تبقى على الدوام تكرر تجارب الماضي فيما كان منها خطأ وفشلاً، لقد كان من دلالات ذلك وما تبعه من تحولات أنه يكشف الخلل الكبير في واقع الأمة الإسلامية الذي وصلت فيه لدرجة التخاذل عن أخيارها ورجالها العظماء فيما يحملونه من قيم وأخلاق ومبادئ تمثل روح الإسلام وصميم تعاليمه وجوهر مشروعه وتصير بدلا من ذلك أسيرة وخاضعة لهيمنة مجرميها وأشرارها وطواغيتها ومذعنة لهم، سلمت واقعها لهم يصوغونه كيفما يريدون ويشاءون فالإمام علي -عليه السلام- بمنزلته العظيمة في الإسلام بكماله بفضله بسبقه يُقتل ويلقى الله شهيدًا في مسجده في محرابه في عاصمة دولته بسيف محسوب على أنه من الأمة في شهر رمضان المبارك بما تبع استشهاده من تحولات في واقع الأمة وهو -عليه السلام- حين استشهد لم يكن مجرد حاكم يحكم الأمة الإسلامية شأنه شأن أي حاكم يقتل أو يموت فيأتي البديل وانتهى الأمر، بل كان -عليه السلام- يمثل امتدادًا للإسلام المحمدي الأصيل بقرآنه ونهجه ومسار أستاذه ومعلمه ومربيه وقدوته وقائده الحبيب المصطفى نبي الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- كان يمثل امتدادا لأخلاق الإسلام بمنهجه ومشروعه الكبير من بناء الأمة الإسلامية لتكون بمستوى مسؤوليتها العالمية الكبرى في بناء الحياة ونشر الحق والعدل والخير في العالم.
فاستهدافه لم يكن مجرد استهداف لشخصه بل استهداف لذلك المشروع بكله، لإحلال البديل الناقص والمحرف الذي يتلاءم مع الظالمين والمستبدين والمجرمين وممارساتهم وما يتركونه من أثر سلبي في الحياة.
أصلاً لم تكن المسألة مسألة أسماء ووجوه نقص ويتخلصْ منها لصالح أشخاص آخرين بل في المقابل أسماء ووجوه تظهر في صدارة الحكم والدولة في أهم موقع للتحكم بالأمة والسيطرة على قرارها ومقدراتها وتحديد مسارها وتوجهها بل يصل الأمر إلى العمق نهج ومبادئ ومسار يبنى عليه واقع الأمة وواقع الحياة فيحدد توجه الأمة ومستواها ودورها ثم مصيرها في حاضرها وفي مستقبلها، فالملك العضوض والأثرة والاستبداد التي حلت محل علي بعد استشهاده طيلة الحكم الأموي ثم العباسي وهكذا إلى اليوم صنعت ومنذ بدايتها واقعًا في أمتنا الإسلامية ملؤه الظلم والانحطاط وغياب الهدف واختلال كبير في شئون الأمة الإسلامية. ذلك أن الظالمين والمستبدين لا يستحكم لهم الأمر إلا بمشروع كبير يقوم على تحريف المفاهيم والمبادئ وإرساء مساوئ الأخلاق فيستهدف الأمة في تربيتها ليربيها تربية تجعلها تقبل بالظلم وتقبل بالفساد وتقبل بالجريمة تقبل بمساوئ الأخلاق لتقبل بهم بالتالي بكل ما هم عليه وبكل ما يفعلون ويصنعون داخل الأمة توجهًا يوافقه ووضعًا يناسبه وواقعًا يلائمه يصنع بيئة وواقعًا يتلاءم معه ويتجذر في عمقه ويطبعه بطابعه ويكون مسرحًا قابلاً لممارساته وجرائمه بدون قيود ولا ضوابط فلا صوت يحتج ولا تحرك للتغيير مقبول تلتف حوله الأمة، في حالة من الإذعان المطلق والطاعة العمياء لجبابرة ظالمين مفسدين، وصل الأمر في تاريخ الأمة الإسلامية الى الاستهانة بكل مقدساتها بكل مبادئها بكل أخلاقها بدون قيود ولا ضوابط لدرجة إحراق الكعبة وهدمها ورميها بالمنجنيق واستباحة مكة والمدينة، وفي المدينة استباحوا المهاجرين والأنصار وذريتهم وفي العراق قتلت عترة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، فقوى الظلم والأثرة لا تصل إلى موقع الحكم وإلى موقع السيطرة على الأمة ثم تكتفي بذلك .لا. إنها تستهدف الأمة في مبادئها وأخلاقها وقيمها وفي عوامل العزة والقوة لأنها تتعارض مع مشروعها الاستبدادي الظالم الذي لا يمكن له البقاء ولا النمو ولا الاستمرارية مع وجود تلك المبادئ والقيم والأخلاق حية في وجدان الأمة وضميرها قائمة في ممارستها وسلوكها ولذلك تعمد قوى الظلم والطغيان والأثرة والاستبداد إلى صياغة واقع جديد في الأمة يضربها في إسلامها المشروع الإلهي بكله.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي -عليه السلام- 1433هـ