مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أَوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ، وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلَاكَ بِهِمْ، فَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ))

نجد هنا الأسس المهمة للعلاقة مع المجتمع، وهي أسس قرآنية، أسس في منهج الإسلام وفي شريعته، ولا مثيل لها عند الآخرين أبداً، مثل هذا لا وجود له في دساتير، وأنظمة، ونظم، وقوانين الآخرين خارج منهج الله “سبحانه وتعالى”.

في العلاقة مع المجتمع، في إطار مسؤوليتك تجاهه، تبدأ هذه العلاقة من مشاعرك في قلبك، فيقول: ((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ))، الإنسان إذا كانت مشاعره نحو المجتمع مشاعر سلبية، ينظر إليهم باحتقار، ويحمل العقد تجاههم، وينطبع في انطباعاته الشخصية تجاههم بناءً على ما قد يحصل من البعض منهم من تصرفات، أو عبارات… أو نحو ذلك، فلهذا تأثيره السلبي والسيئ في طريقته في العمل، إذا انطلق في عمله من العقد النفسية، أو الاحتقار، أو الكره، أو النظرة السلبية إلى المجتمع، فسيكون أداؤه أداءً سيئاً، لكن ما يجب أن تحمله، وما يربينا عليه القرآن الكريم، ما نتربى عليه في التربية الإيمانية، هو أن نحمل الرحمة للناس، الرحمة هي من أعظم القيم الإيمانية التي يتربى عليها الإنسان المؤمن، هو يتربى على الرحمة للناس، الرحمة للرعية، الرحمة للمجتمع، يحمل الرحمة كشعور في وجدانه، في قلبه، هذه تربية إيمانية يتربى عليها الإنسان ما قبل وما بعد، يستمر على ذلك، من له صلة إيمانية بالله “سبحانه وتعالى”، من يتربى على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، فهو يتربى على الرحمة للناس.

((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ)): تشعر بذلك، وتحمل هذه المشاعر وأنت تؤدِّي مسؤوليتك، فتفيض هذه المشاعر، وتتجلى في أدائك العملي، في تصرفاتك، في ممارساتك العملية، في قراراتك، في أدائك العملي، تتجلى فيه الرحمة، تفيض الرحمة من مشاعرك إلى واقعك العملي.

((الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ))، مع الرحمة لهم في كل ما ينتج عنها ويترتب عليها: من اهتمامٍ بأمرهم، من حرصٍ عليهم، من عنايةٍ بشؤونهم، من تفاعلٍ معهم، تحرص على الاهتمام بهم، تتألم لآلامهم، تفرح لأفراحهم، يعزُّ عليك أن يعانوا، أن يُظلَموا، أن يضطهدوا، أن يلحق بهم العناء.

رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” هو الأسوة والقدوة لكل مؤمن وفي موقع المسؤولية، ماذا قال الله عنه في القرآن الكريم؟ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: الآية128]، يقول عنه هذا التعبير العجيب: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، يعني: يعزُّ عليه أن تلحق بكم أي مشقة أو ضرر، يهمه أمركم إلى هذه الدرجة، فهو يتألم ويحرص على ألَّا يلحق بكم ضرر ولا مشقة، وهكذا يجب أن يكون من هو في موقع المسؤولية تجاه مجتمعه: أن يكون مهتماً بأمرهم، أمَّا النوع الذي يتجاهل الناس، يتجاهل معاناتهم، وأوجاعهم، وما يلحق بهم من ضرر، ولا يكترث لأي شيء، فهو بعيد عن هذه القيم الإيمانية.

((وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ))، مع الرحمة المحبة، تنظر إلى المجتمع نظرةً إيجابية، هم عباد الله، هم مجتمعك المسلم، لهم حقهم في الاعتبار الديني، في الأخوة الإيمانية، ومنزلتهم في إطار ذلك، وفي هذا السياق يعني نظرة عامة إلى المجتمع بشكلٍ عام، وأيضاً من خلال معرفتك بواقع الناس، بالمجتمع نفسه، تقدِّر من لهم قيمة إيمانية وأخلاقية، ودورهم إيجابيٌ في المجتمع، وهم عونٌ لك في الاهتمام بأمر الناس، تلحظ ذلك كنظرة عامة، وأيضاً في الواقع العملي مع من يحملون مثل هذه المشاعر تجاه المجتمع.

((وَاللُّطْفَ بِهِمْ))، في أسلوبك العملي، في طريقتك العملية، يفيض اللطف، ويتجلى هذا اللطف في طريقتك في التعامل معهم، لا تتعامل معهم بقسوة، بتكبر، بغلظة، بفضاضة، هذا لا ينبغي أبداً.

البعض أصبح تصورهم إلى المسؤولية والمنصب في الدولة، أنَّ من لوازمه أن تكون كذلك، أن تتكبر على الناس، أن تتعالى عليهم، أن تتعامل معهم بقسوة، بغرور، وأن تتعامل معهم بأسلوب فيه عنجهية وتكبر، هذا ليس من الإيمان في شيء، وليس هو من لوازم المسؤولية، بل على العكس، من لوازم المسؤولية أن تتعامل مع الناس بتواضع، باحترام، بتقدير، أن ترعى لهم كرامتهم الإنسانية، أن تلحظ ذلك في التعامل معهم، وألَّا تتعامل بقسوة، وغرور، وعنجهية، وتكبر.

((وَاللُّطْفَ بِهِمْ))، وأيضاً في الاهتمام العملي تجاه الناس من موقعك في المسؤولية، تسعى بكل ما تستطيع، وأن توظِّف كل قدراتك وإمكانياتك فيما فيه الخير لهم.

((وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ))، لا تتحول إلى وحش، متوحش في تعاملك معهم، في علاقتك بهم، همُّك أن تقهرهم، وأن تستغلهم لمصالحك الشخصية، تتعامل معهم بالظلم، بالابتزاز، بالاستغلال الشخصي، بالتركيز على المكاسب الشخصية، إمَّا من خلال الابتزاز المالي، والفساد المالي… أو أي أسلوب، ((تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ))، ثم هذا يشمل أيضاً أي ممارسات من ممارسات الظلم، كل ممارسات الظلم، والابتزاز، والاستغلال المحرم، كلها تدخل تحت عنوان: ((تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ))، فلا تتعامل معهم كوحش، ليس عندك رحمةٌ بهم، ولا محبةٌ لهم، ولا لطفٌ بهم، ولا إحساسٌ بأوجاعهم ومعاناتهم، ولا تفهُّمٌ لظروفهم ومعاناتهم، وهمُّك فقط أن تأكلهم وأن تستغلهم.

((فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ))، أخ تحمل نحوه مشاعر الأخوة؛ لأنك تجمعك به أعظم الروابط، وأقدس الروابط، وهي رابطة الدين، بما يترتب على ذلك من مسؤوليات، ومعها بالطبع رابطة الإنسانية، الذي تجمعك به رابطة الدين، مع ذلك رابطة الإنسانية والدين، ويجب أن تحمل تجاهه مشاعر الأخوة.

((أَوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ))، تجمعك به الرابطة الإنسانية، وإن لم تجمعك به رابطة الدين، لكن مثلاً هو كمواطن إنسان، وتجمعك به رابطة الإنسانية، وتحمل تجاهه من موقعك في المسؤولية تحمل تجاهه مسؤوليتك من موقعك في المسؤولية، المسؤولية تجاهه كإنسان كمواطن؛ وبالتالي هناك مسؤوليات عليك تجاهه، ترعى له كرامته الإنسانية، هو كإنسان له كرامته، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء: من الآية70]، يقول الله في القرآن الكريم، وتتعامل معه وفق كرامته الإنسانية وحرمته، وبما تمليه عليك مسؤوليتك.

ثم تتفهم الواقع العام للناس، عندما تحمل الرحمة لهم، والمحبة لهم، واللطف بهم، وتتعامل معهم بمسؤولية، وفق هذه القيم الإيمانية، تتفهم ظروفهم وسلوكياتهم بشكلٍ عام، يقول عنهم: ((يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ))، يعني: يحصل ويسبق منهم الأخطاء، لا تتصور أنَّ المجتمع من حولك مجتمع معصوم، أو مجتمع لا يخطئ أحدٌ فيه، أو تتجه بناءً على أنه يحصل منهم ويحصل ويحصل، ثم أنت ذلك الذي تريد أن يعاقب أشد العقوبات على أبسط الأخطاء، وأن يتعامل مع كل خطأ أو زلة أو تقصير تعاملاً قاسياً، يريد أن يؤدِّب على كل تقصير، أن يعاقب على كل خطأ، العقوبة ليست هي الأساس في التعامل مع المجتمع لإصلاح المجتمع، العقوبة هي حالة أو إجراء استثنائي، هو الأجراء الأخير الذي تستخدمه، مثلما قال الإمام عليٌّ “عليه السلام”: ((آخر الدواء الكي)).

الأسلوب الذي يعتمد عليه الإسلام في الاهتمام بالمجتمع، ورعاية المجتمع، هو الأسلوب التربوي في المقام الأول، في المقام الأول، تُبذَل جهود كبيرة لإصلاح المجتمع من خلال تربيته التربية الإيمانية، من خلال زرع القيم الإيمانية فيه، في نفوس الناس، من خلال التعليم النافع الصحيح، من خلال الأساليب الاجتماعية التي ترسِّخ القيم والأخلاق الحميدة كعادات راسخة… وسائل كثيرة، أساليب كثيرة تُستَخدم، وليس فقط الأسلوب العقابي، هو إجراء أخير، وبحسب الضرورة، كالطبيب عندما يعالج المريض، ويضطر إلى استخدام أساليب علاجية، الهدف منها العلاج، ليتماثل الجسم للشفاء، وليست حتى بأسلوب انتقامي، أو بأسلوب نابع من حالة عقد تجاه المجتمع، أو تجاه البعض من أبناء المجتمع، الحالة هي حالة يستخدم الإنسان فيها ما يستخدمه من أساليب ضرورية كالطبيب تماماً، الذي يسعى لعلاج المريض، ولو أحياناً بما قد يتأذى منه، أو يتضرر منه، بعض الشيء، لكنه لمصلحته.

فالحالة العقابية ليست هي الأسلوب الدائم في التعامل مع كل الأمور، ولا الأسلوب الوحيد الذي يعتمد عليه الإنسان في التعامل مع المجتمع، هناك في منهج الله “سبحانه وتعالى” أشياء واضحة ومحددة للتعامل مع بعض الأخطاء، مع الجرائم، مع الإساءات، وهناك مساحة في كثيرٍ من الأمور للعفو، والتجاوز، والصفح، واستخدام أساليب تربوية، أساليب اجتماعية، أساليب إيجابية مؤثرة، أحياناً نفس العفو قد يكون له أثره الكبير في إصلاح خطأ معين.

((فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ))

أنت كإنسان في واقعك العملي، وفي أدائك لمسؤولياتك، بالتأكيد يحصل منك تقصير، يحصل منك خطأ، وأنت ما تعوِّل عليه وتؤمِّل فيه وترجوه هو العفو من الله “سبحانه وتعالى”، الإنسان المؤمن هو هكذا، هو دائماً يحمل الرجاء إلى الله “سبحانه وتعالى”، يرجو الله أن يعفو عنه، أن يغفر له، ويطلب من الله ذلك، ويسعى لنيل ذلك بالأسباب التي أرشد الله إليها كأسباب للحصول على المغفرة والعفو، فانظر أنت إلى نفسك أنك كإنسان يحصل من جانبك تقصير، يحصل من جانبك أخطاء، وإنما تعوِّل على رحمة الله، على عفوه، فلا تنظر إلى الناس نظرة قاسية جداً، ومتشددة للغاية، تجاه ما قد يحصل من أخطاء، أو قصور، أو تقصير، فتريد أن تتجه لإجراء أقسى العقوبات بحقهم، تعامل وفق هذه الطريقة، التي فيها مساحة للعفو والصفح، وفيها اهتمام لإصلاح المجتمع بكل الوسائل الإيجابية.

((فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ))

أنت في موقع المسؤولية معنيٌ بهم، معنيٌ بأمرهم، ولكن لست صاحب القرار الأخير، الله فوقك، التراتبية أيضاً في المسؤوليات بالنسبة للإنسان في موقع المسؤولية، ((وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ))، فذلك احسب حساب ما بينك وبين الله “سبحانه وتعالى”، وتعامل بمسؤولية، والحظ هذه القيم بعين الاعتبار.

((وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلَاكَ بِهِمْ))

أنت في موقع المسؤولية معنيٌ بالاهتمام بأمرهم، بالسعي لإصلاحهم، بالعناية بشؤونهم، بالاهتمام بأمورهم، في موقع مسؤولية واختبار يختبرك الله “سبحانه وتعالى” فيه، احرص على أن تنجح في هذا الاختبار، وأن يكون أداؤك أداءً صحيحاً، وأن تحمي نفسك وتصون نفسك من التجاوزات الظالمة، من الممارسات السيئة، من أسلوب التسلط والطغيان..

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاه السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

الدرس الثاني من دروس عهد الإمام علي مالك الأشتر

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر