مـوقع دائرة الثقافة القرآنية - تقارير – 27 صفر 1447هـ
بعد عامين من حرب الإبادة والحصار، تتجدد الحقيقة التي حاول العدو الإسرائيلي طمسها: غزة ليست ساحة هزيمة، بل محراب مقاومة لا يلين. فصباح الأربعاء، فجّر مقاتلو كتائب القسام ملحمة جديدة في خانيونس، ليكتبوا سطراً إضافياً في سجل الفشل الإسرائيلي، ويؤكدوا أن جيش العدو الإسرائيلي – مهما ادّعى التفوق – يبقى هشاً أمام عزيمة المقاتلين الذين يخرجون من تحت الركام ومن الأنفاق كالعاصفة.
من خنادق الصمود، ومن أزقة خانيونس التي عرفها العدو ناراً تحت أقدامه، خرج رجال القسام ليخطّوا ملحمة جديدة، وليقولوا للعدو الإسرائيلي: إن عامين من القصف والتدمير لم تُضعِفوا خلالها عزائمنا، بل صُقِل بأسنا، حتى غدت غزة مدرسة في الإباء، ومقبرة للغزاة.
-
عملية بحجم المعركة
بفصيل مشاة كامل، اقتحم مقاتلو القسام موقعاً مستحدثاً للعدو الإسرائيلي. ولأن المجاهدين خبروا العدو جيدا وأساليبه في الانتشار والتموضع، كانت عملية الاقتحام منظمة ومركبة، مبنية على خبرات مكتسبة من تجارب عمليةٍ: دبابات "ميركافاه 4" حُيِّدت بعبوات "الشواظ" و"الياسين 105"، مواقع التحصين دُكّت بست قذائف مضادة، والمنازل التي احتمى بداخلها جنود العدو تحولت إلى كمائن موت حقيقي.
القسام -في بيان لها- أعلنت تمكن مجاهديها صباح الأربعاء من الإغارة على موقع مستحدث للعدو جنوب شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع بقوة قسامية قوامها فصيل مشاة. في التفاصيل اقتحم المجاهدون الموقع، واستهدفوا عددًا من دبابات الحراسة من نوع "ميركفا4" بعدد من عبوات الشواظ وعبوات العمل الفدائي وقذائف "الياسين105". القوة استهدفت عددًا من المنازل التي يتحصن بداخلها جنود العدو لتثبيتها بـ 6 قذائف مضادة للتحصينات والأفراد، ونيران الأسلحة الرشاشة.
عدد من المجاهدين اقتحموا المنازل، وأجهزوا بداخلها على عدد من جنود العدو من المسافة صفر، بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية. تمكن المجاهدون أيضاً من قنص قائد دبابة "ميركفاه 4" وإصابته إصابة قاتلة، ودك المجاهدون المواقع المحيطة بمكان العملية بعدد من قذائف الهاون لقطع النجدات. كما تم دك موقع العملية بعدد من قذائف الهاون لتأمين انسحاب المجاهدين من المكان.
فور وصول قوة الإنقاذ الصهيونية قام أحد الاستشهاديين بتفجير نفسه في الجنود وأوقعهم بين قتيل وجريح، واستمر الهجوم لعدة ساعات، ورصد مجاهدو القسام هبوط الطيران المروحي للإخلاء.
هكذا بدا المشهد: التحام المقاتلين من مسافة صفر بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية كشف أن القسام لم يذهب ليطلق الرصاص ويمضي، بل ذهب ليحصد أرواح جنود العدو وجهاً لوجه. قنص قائد دبابة "ميركفا" كان ضربة موجعة أخرى، فيما تكفّل الهاون بقطع خط النجدة، ليكتمل المشهد حين فجّر أحد الاستشهاديين نفسه في قوة إنقاذ إسرائيلية، تاركاً الجنود بين قتيل وجريح. الدبابات المتغطرسة "ميركفاه 4" تحولت إلى خردة محترقة تحت عبوات "الشواظ" و"الياسين 105". المنازل التي احتمى بداخلها جنود العدو لم تُجدِهم شيئاً، فقد صارت عليهم حصوناً من نار، دُكّت بست قذائف مضادة، قبل أن يقتحمها أبطال القسام. هناك، من المسافة صفر، دوّت رصاصات القسام، وتعالت أصداء القنابل اليدوية، ليُكتب المشهد: جنود العدو صرعى تحت أقدام المقاومين. ثم كان الختام أشدّ إيلاماً، حين فجّر أحد الاستشهاديين جسده الطاهر في قوة إنقاذ إسرائيلية، ليتركها بين قتيل وجريح، شاهداً أن دماء غزة لا تُراق عبثاً.
-
اعترافات العدو
رغم محاولات التغطية، انكشف العدو الإسرائيلي أمام نفسه وأمام العالم. إذاعة "جيش" العدو أقرّت أن الاشتباك استمر نصف ساعة كاملة من النار الثقيلة، وأن المقاومين خرجوا من نفق، مخترقين الخطوط التي قيل إنها "مطهّرة". قناة "كان" وصفت الهجوم بأنه محاولة أسر جنود، فيما اعترفت "معاريف" أن ما جرى يمثل فشلاً دراماتيكياً للشاباك والاستخبارات العسكرية، وأن القسام يدير حرب عصابات عالية الكفاءة في خانيونس. المحلل العسكري الصهيوني أمير بوحبوط ذهب أبعد من ذلك، حين أقرّ بأن الهجوم لم يكن مجرد "كمين"، بل عملية منظمة مع مركز قيادة خلفي، وتخطيط للتفاصيل، على الأقل على مستوى سَرية أو كتيبة من حماس التي نفذته. والتقدير هو أن حماس ستحاول ملاحقة "إسرائيل" عن كثب كلما اقتربت من ساعة الصفر، وفقًا للفرص العملياتية التي ستكتشفها على الأرض.
صحيفة "معاريف" نقلت عن مصادر بـ"جيش" العدو القول بأن لواء خان يونس في القسام يشن حرب استنزاف ضد جيش العدو، بعد أن تعلم المقاومون خلال المواجهات آليات عمل الجيش الإسرائيلي وتخطيطه وتوجيهه. مشيرة إلى أن عناصر حماس ينصبون الكمائن بشكل يومي، وبصورة تُظهر تعمدهم استهداف قادة الوحدات العسكرية الإسرائيلية. مؤكدة أن قوات حماس في خان يونس "عالية الكفاءة"، وتشكل تحديا للجيش الإسرائيلي. مؤكدة أن محاولات العثور على مقاتلي حماس في خان يونس والإيقاع بهم هي "معقدة وصعبة".
-
فشل دراماتيكي
صحيفة "معاريف" العبرية أضافت أن عملية القسام في خان يونس تعتبر فشلا دراماتيكيا لـ"الشاباك" ولـ"شعبة الاستخبارات العسكرية"، ففي خان يونس يلاحظ جيش العدو أن مقاتلي لواء خان يونس يديرون حرب عصابات، مع متابعة دقيقة لتحركات جيش العدو في الميدان، وكل ذلك بتخطيط وتوجيه منظمين من طرف القسام.
وعن العملية الأخيرة تقول الصحيفة: "حقيقة أن إغارة كبيرة بهذا الحجم من المقاومين على موقع عسكري يجب أن تُقلق قيادة الجيش كثيرا بشأن مدى الاستعداد لمواصلة خطة احتلال مدينة غزة، فالمقاومون استخدموا بنية تحتية لأنفاق لم يتم اكتشافها، وكان من المفترض أن تكون المنطقة "مُطهَّرة وممسوحة من الأنفاق". وفي نهاية الأمر فإن حماس ستتحدى جيش العدو، وستحاول أسر جنود في مدينة غزة، وشن هجمات مشابهة لما حصل صباح الأربعاء في خان يونس، حسبما تقول الصحيفة.
موقع "والا" العبري من جهته كشف أن "حماس شنت هجومًا مماثلًا لهجوم خان يونس قبل يومين في بيت حانون شمال قطاع غزة، في حدث لم يُعلَن عنه"، وهو ما يؤكد أن مزاعم القضاء على حماس مجرد سراب، فالبنية العسكرية للمجاهدين في غزة لا تزال بكامل جهوزيتها على أكثر من محور.
قدرة حماس على تنفيذ أكثر من عملية في أكثر من محور وفي وقت متقارب يؤكد أن العدو فقد كل أوراق القوة، وهو ما أكده الصهيوني "تامير هايمان"، الرئيس السابق لـ" الاستخبارات العسكرية" في" جيش" العدو، والذي أكد أن "إسرائيل" استنزفت معظم أدواتها في قطاع غزة، وأن استمرار العمليات العسكرية لا يضمن تحرير الأسرى ولا القضاء على حماس، فالاستراتيجية الحالية القائمة على الجمع بين الضغط العسكري ومحاولات صفقات جزئية لم تحقق أهدافها، بل كشفت حدود القوة الإسرائيلية، وتعقّد المشهدين العسكري والسياسي.
وأضاف الصهيوني "تامير هايمان" أن حماس نجحت في التحول إلى نمط حرب عصابات غير مركزي يُصعّب حسم المعركة، وفي الوقت ذاته، أدت الحرب الطويلة إلى أزمات داخلية متصاعدة"، انقسام سياسي حاد، علامات تآكل في الانضباط العسكري، كلفة اقتصادية هائلة، وتراجع صورة "إسرائيل" في الساحة الدولية"، الأمر الذي يؤكد أن احتلال غزة يؤدي إلى خطر مباشر على حياة الأسرى، وخسائر عسكرية واسعة، وأعباء مالية تقدّر بعشرات المليارات، واتهامات دولية بارتكاب حرب إبادة، وانقسام داخلي عميق قد يطيح بما تبقى من “التماسك الاجتماعي الإسرائيلي” حسب قوله.
-
انهيار في الداخل الإسرائيلي
مع كل جولة من هذا الصراع، تتكشف التصدعات في الداخل الإسرائيلي. عائلات الأسرى تصرخ: "الضغط العسكري يقتل أبناءنا ولا يعيدهم". جنود من لواء "غفعاتي" يرفضون التوغل في وضح النهار خوفاً من الكمائن. جنرالات سابقون – مثل تامير هايمان – يعترفون بأن "إسرائيل" استنزفت أدواتها، وأن الاستمرار في الحرب يعني كلفة اقتصادية باهظة، تراجعاً دولياً، وانقساماً داخلياً قد يفتك بما تبقى من "تماسكها الاجتماعي".
-
كلفة اقتصادية باهظة
لا يقتصر تأثير صمود المجاهدين في غزة على الخسائر البشرية فقط، هناك كلفة اقتصادية هائلة يتكبدها العدو الإسرائيلي. فبالأمس صادقت "حكومة" العدو، على زيادة ميزانية "جيش" العدو، وتقليص ميزانيات "الوزارات" الأخرى، وذلك بسبب الحرب على غزة والخطة الإسرائيلية باحتلالها. حيث وافقت "حكومة" العدو على زيادة قدرها 30.8 مليار "شيقل"(ما يعادل 9 مليار دولار) في الميزانية المخصّصة للجيش، ووفق المعطيات والمصادقات الجديدة؛ سيرتفع العجز في ميزانية العدو من 4.9% إلى 5.2%. وفي ما يتعلق بالخصم على "الوزارات" فإنه سيتمّ خصم أكثر من نصف مليار "شيقل" من ميزانيات اتفاقيات "الائتلاف"، أي ما يعادل تخفيضًا إجماليًا بنسبة 11%، من نحو 5 مليارات "شيقل" إلى 4.5 مليار "شيقل".
وأمام هذا الإخفاق المتعاظم، اضطر العدو الصهيوني للتراجع عن ما أسماه "الحسم العسكري" إلى التفاوض مع حماس، حيث أعلن المجرم بنيامين نتنياهو مساء الخميس أنه أصدر تعليماته للبدء فورا في مفاوضات لإعادة الأسرى وإنهاء الحرب "وفق الشروط المقبولة لإسرائيل"، والعبارة الأخيرة محاولة يائسة لتصوير الأمر وكأنه انتصار، لكن من يراجع تصريحات المجرم نتنياهو قبل أيام يدرك جيدا مدى الفشل الذي مني به العدو قبل بدء عمليته العسكرية التي أطلق عليها"عربات جدعون2".
-
غزة عنوان الهزيمة الإسرائيلية
كل ذلك يجري فيما يحاول نتنياهو تسويق النصر الوهمي على جماهيره، لكن الميدان يفضحه: كمائن في رفح، هجمات في بيت حانون، وأنفاق لم تُكتشف، ومقاتلون يزدادون جرأة وإبداعاً. لقد تحولت غزة من مدينة محاصرة إلى مستنقع عسكري وسياسي يغرق فيه العدو، وكل عملية كعملية خانيونس تحدث هدما في كيان العدو.
إنها غزة التي كسرت جدار الخوف، وفرضت معادلة الدم والحديد: "لا هدنة إلا بوقف العدوان وفك الحصار، ولا أسير إلا بصفقة تبادل". أما العدو الإسرائيلي، فيبقى يدور في حلقة الفشل، ينزف في الميدان، ويخسر على الطاولة السياسية، ويكفيه عاراً أن جنوده المدججين بالسلاح يرتجفون أمام مقاتلين يخرجون من باطن الأرض، يكتبون بحياتهم شهادة أن "الغزاة إلى زوال".