لا يستوعب الكثير من الناس مدى أهمية الكلام (في الخير، أو الشر)، أهميته الكبيرة جدًّا في جانب الخير، وفيما يرضي الله، وخطورته البالغة جدًّا في الشر والباطل، وفيما يسخط الله، وفيما نهى الله عنه، ما يترتب على ذلك، إلى درجة أنّ مصير الإنسان أحيانًا قد يكون رهينًا بكلمة معينة:
- قد تتكلم بكلمة مهمة، تكسب بها رضوان الله، وتكون سببًا لتوفيقك، أن يوفقك الله في كل أعمالك، وفي كل شؤون حياتك، حتى تلقى الله فائزًا.
- وقد تتكلم بالكلمة من سخط الله، تسبب لنفسك بها سخط الله الكبير، والعقوبة الشديدة، وتخسر بها مستقبلك، وتُسلَب بها التوفيق، وتكون تبعاتها عليك كبيرةً جدًّا، ولهذا فالمسألة خطيرة، خطيرة للغاية.
عن الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ": ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله))، كلمة جيدة، كلمة مهمة، تُرضي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في مقام مهم، ((ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه))، تكون سببًا للتوفيق، للتوفيق لك، يرضى الله عنك، ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت))، لم يكن يتوقع أنها كلمة خطيرة، أو حتى لو كانت كلمة سيئة، لم يكن يتوقع أنها إلى ذلك المستوى من الخطورة، في سوئها، وآثارها، ونتائجها، وتبعاتها، ((فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه))، يُسلَب التوفيق نهائيًا، تحبط أعماله، تؤثر على علاقته بالله بشكلٍ تام، فالمسألة خطيرة جدًّا.
وأتى التصنيف في القرآن الكريم، لكلام الإنسان (في الخير، والشر)، يقول "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وضرب مثلًا مهمًا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 24-25]، الكلمة الطيبة مهمة، كلمة حق، كلمة هداية، كلمة خير، كلمة أمر بمعروف، كلمة نهي عن منكر، كلمة إصلاح بين المؤمنين، كلمة لها أثرها الإيجابي في واقع الناس وحياتهم، والخير لهم، كلمة لها أثر إيجابي في جوانب مهمة، كم هي المجالات الواسعة للكلمة الطيبة المثمرة، للثمرة الطيبة المنتجة للنتائج الإيجابية والطيبة، فلها أثرها المهم، وهذا مثلها الكبير والعجيب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
أما عن الكلمة الخبيثة، فيقول عنها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم: 26-27].
- ولأهمية الكلمة، وأهمية التعبير والبيان، ارتبط به قيم مهمة؛ لضبط الاستخدام لهذه النعمة بشكلٍ صحيح:
- في مقدمتها الصدق: الصدق مسألة مهمة، ومن القيم العظيمة، وجزءٌ أساسيٌ منه يتعلق بالصدق في الحديث، أن تتحرى الصدق في حديثك، يقول الله: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ}[آل عمران: من الآية 17]، فهو يصف عباده المؤمنين بالصدق؛ لأنهم يتحرَّون الصدق، في كلامهم، في حديثهم، الصدق يتعلق بالمعتقد، ويتعلق بالعمل، ويتعلق بالموقف، ويتعلق بالحديث. فمن القيم المهمة المتعلقة بالكلام: التحري للصدق في الحديث.
- ومن القيم المهمة العدل: يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: من الآية 152]، اعدل في كلامك، لا تتجاوز العدل في كلامك.
- وأيضًا من القيم المهمة الإحسان: الإحسان في الكلام مهم، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}[البقرة: من الآية 83]، تلحظ وتتحرى الكلمة الحسنة، وليس الكلمة السيئة، فيما تقوله للناس، فيما تتخاطب به مع الناس، في تعاملك مع الناس.
- والتواضع أيضًا: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}[لقمان: من الآية19].
- والحكمة: الحكمة في الحديث مسألة مهمة جدًّا، يقول الله: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ}[البقرة: من الآية 269]، الحكمة هي: في الرؤية، في الموقف، في العمل، في التعامل، في السلوك، في التصرف، في القرار، وهي أيضًا في الحديث؛ أن يكون كلامًا حكيمًا.
- والسداد: أن تحرص على أن يكون قولك سديدًا، هذه مسألة مهمة، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71]، والقول السديد: هو القول الصائب، الذي لا تعدل فيه عن الصواب، هو صوابٌ في مضمونه، في طريقة تقديمه، في ظروف تقديمه، وهو مهمٌ جدًّا، القول السديد هو مهمٌ جدًّا؛ لأنه يترتب عليه النتائج المهمة، وله علاقة بالتعامل بمسؤولية، مع الأمور، مع الواقع، فهذه مسألة مهمة جدًّا؛ ولهذا ارتبط به صلاح العمل، وإلَّا فالقول غير السديد، قد يؤثر على الأعمال، قد يخرِّب الكثير، قد يخرِّب العلاقات، قد يؤثر على الواقع العملي تأثيرات سلبية. الحكمة نفسها ذات أهمية كبيرة؛ لأنك تقدم الحق، لكن بطريقة حكيمة، وصائبة، ومناسبة.
فهذه القيم المهمة جدًّا، التي ترتبط بالكلام، وبالبيان بشكلٍ عام؛ لضبط الأداء في هذه النعمة المهمة، وطريقة الاستخدام لها.
ولأهمية هذه النعمة، وما يرتبط بها من مسؤوليات، واتساع دائرة الاستخدام لها، كم ورد في القرآن الكريم من الأمر والنهي المتعلق بها، أشياء كثيرة أمرنا الله أن نقول بها، وأشياء كثيرة نهانا الله عن أن نقولها، كذلك في الأمور المرتبطة بالتعبير، المرتبطة بالبيان، بالكلام، موارد الاستخدام الصحيح لها كثيرة، وهامة، ولها نتائج كبيرة، وموارد الاستخدام السيئ لها، خطيرة وكثيرة، ولها نتائج سيئة
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم-
سلسلة المحاضرات الرمضانية
ألقاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الحادية والعشرون للعام 1444