كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[إبراهيم: 1-2]، هنا يبيِّن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن المهمة الأساسية للرسالة الإلهية، ولحركة الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" بها، عندما أنزل عليه الكتاب: هو لإخراج الناس- بهذا المنطق العام الشامل- الناس كل الناس في كل أرجاء الدنيا، هي رسالةٌ عالمية، تملك من الخصائص، تملك من الحكمة، تملك من الهدى، ما هو كفيلٌ بإخراج كل الناس- في كل المجتمعات البشرية في أنحاء الأرض كافَّة- من الظلمات، لهداية الجميع وإخراجهم من الظلمات إلى النور. والرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" تحرك في إطار هذه المهمة، وعبَّد الطريق، وهيأ السبيل، ليسلك المجتمع البشري صراط الله المستقيم، الواضح، البيّن، الذي يصل بالمجتمع البشري إلى الغايات العظيمة والأهداف الكبيرة، والتي بها نجاتهم وفلاحهم وفوزهم.
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، الظلمات التي يرزح فيها البشر، رزحوا تحتها في الجاهلية الأولى، وشملتهم في أفكارهم، في تصوراتهم، في ثقافاتهم، في معتقداتهم، التي انفصلوا بها عن هدى الله، عن تعاليم الله، عن نور الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والبديل عن نور الله هو الظلمات، وهذه هي مشكلة البشر عندما ينفصلون عن هدى الله، وعن تعليماته، وعن نوره، ثم يعتمدون على بدائل أخرى مخالفة لهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتعليماته: مفاهيم، أفكار، تصورات، وقد يكونون مغرورين بها، مرتاحين لها، متشبثين بها، إلى درجة ألَّا يتيحوا لأنفسهم الفرصة في أن يفهموا أو يطَّلِعوا بتجرد وموضوعية على هدى الله وعلى تعليماته، ثم- بناءً على ذلك- تغيب عنهم الحقائق المهمة، والرؤية الصحيحة، والنظرة الصائبة لكثيرٍ من الأمور، ويتشبثون بتلك المفاهيم البديلة، والأفكار البديلة، والتصورات البديلة، التي هي ظلمات تعميهم، وتتجه بهم نحو الهاوية، نحو الهلاك، نحو الخسران المبين والعياذ بالله.
{لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، الذي هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" عندما نسير في صراطه هو العزيز، ويمنحنا من عزته، وهو الحميد، ويمنحنا الشرف الكبير عندما نسير في الطريق الذي رسمه لنا.
هذه الآية المباركة وحدها تكفي في أن ترسم للإنسان اتجاهه وما يعتمد عليه، في اكتساب الفكر، والثقافة، والمعتقد، والرؤية تجاه الأمور في مختلف شؤون الحياة؛ لأن الإنسان إمَّا أن يكون في دائرة النور، وإلَّا فهو حتماً في دائرة الظلام، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بيَّن لنا واقع الخارجين عن دائرة النور الإلهي، عندما قال "جلَّ شأنه": {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور: الآية40].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
القاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
عشية ذكرى المولد النبوي الشريف 1445هـ