هذه النعمة العظيمة، من أهم مجالات الاستخدام لها، والاستفادة منها: هو في العلاقة مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في التحدث مع الله، أن تستخدم هذه النعمة (نعمة النطق، نعمة البيان) في علاقتك مع الله "جَلَّ شَأنُهُ"، لتحدثه بها، وتتخاطب معه بها، من موقع عبوديتك لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فتذكره، تتوجه إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالذكر، بأنواع الذكر، ذات الأهمية الكبيرة، والذكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو من الأنواع المهمة للاستخدام المفيد لهذه النعمة، ومن العناوين الأساسية في العبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومن اهم ما يحتاج إليه الإنسان، من الاحتياجات الأساسية الكبيرة للإنسان.
من نعمة الله، ومن فضله، ومن أعظم مظاهر رحمته بعباده، أن أذن لهم في أن يتحدثوا إليه، في أن يتخاطبوا معه، في أن يتكلموا معه وإليه، ولكن من موقعهم كعبيد لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يتوجهون إليه بالذكر له، بأنواع الذكر، والذكر هو أنواعٌ كثيرة، منها:
- الذكر لله بالصلاة.
- الذكر لله بتلاوة القرآن الكريم.
- الذكر لله بالتسبيح.
- الذكر لله بالاستغفار.
- الذكر لله بالأدعية، بمختلف أنواع الأدعية.
- الذكر لله بالتمجيد.
أنواع الذكر كثيرةٌ، لكنك في كلها تتوجه إلى الله، تتحدث إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي يسمعك في كل الأحوال، في أي الظروف أنت، في أي واقعٍ أنت، في أي مكانٍ أنت، يسمعك، ويعلم بذكرك له، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" القائل في كتابه الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة: من الآية152]، عندما تذكره هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يسمعك، ويعلم بك، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" يجازيك على ذكرك له بخير الجزاء، يذكرك: برحمته، برعايته الواسعة، بفضله العظيم، ولهذا يقول الإمام زين العابدين "عَلَيهِ السَّلَامُ" عن قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}: ((وأنت الذي دللتهم بقولك من غيبك وترغيبك، الذي فيه حظهم، ما لو سترته عنهم، لم تدركه أبصارهم، ولم تَعِهِ أسماعهم، ولم تلحقه أوهامهم، فقلت: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ})).
من نعمة الله، من رحمته، من عظيم فضله، أن يفتح لك- أنت أيها الإنسان العاجز الضعيف- المجال لتذكره، للتواصل به، للتحدث إليه، في كل أحوالك، في مختلف ظروفك، هذا لا يتاح في واقع البشر فيما بينهم، تجاه الكثير منهم، البعض- مثلًا- قد يكون في موقع مسؤولية في منصب معين: ملك، أو أمير، أو زعيم، أو مسؤول معين، ويسعى الكثير إلى كيف يصل إليه صوتهم، فلا يصل، لا يمكن أن يصل؛ أمَّا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ففتح لك المجال، وهو رب السماوات والأرض، رب العالمين، ملك السماوات والأرض، الخالق، الرازق، المالك، الحي، القيوم، القوي، العزيز، {مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ}[المؤمنون: 88]، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وأكرم الأكرمين، ذو الفضل الواسع العظيم، ربك، إلهك، خالقك، رازقك، الذي بيده حياتك، وموتك، وإليه مصيرك، فتح لك المجال، لأن تتوجه إليه وتذكره، وهو يسمع ذكرك.
الذكر من أهم العبادات، وله أهميته الكبيرة في حياة الإنسان؛ لأن الله غنيٌ عنا، غنيٌ عن كل أعمالنا، عن الذكر وغيره من الأعمال والعبادات، الذكر هو من العبادات التي فائدتها، وثمرتها، ونتائجها الإيجابية والمهمة، لنا نحن، ومع الذكر باللسان، ينبغي أن يكون هناك توجهٌ من قلب الإنسان، وفي نفسه، نحو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتركيزٌ على معاني الأذكار، التي تذكر الله بها، فلا تكن غافلًا عنها؛ لأن من أهم ما يفيدك به الذكر لله، ترسيخ تلك المعاني، عندما تكبر الله، ترسخ معاني التكبير لله في نفسك، عندما تسبح الله ترسخ معنى التنزيه والتقديس لله في نفسك، وهكذا بقية الأذكار، وفي نفس الوقت أن تكون منسجمًا مع ما تذكر الله به، من الأذكار العظيمة، المشروعة، المهمة، المفيدة، في عقيدتك، وفي ثقافتك، فمثلًا: في الذكر لله بالتسبيح لله، لا تحمل معتقدات تسيء إلى الله، لا يكن في ثقافتك، أو في معتقدك، أو في تصوراتك، ما يسيء إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فتكون متباينًا مع التسبيح، بل اجعل منه قاعدة في معتقدك، وفي ثقافتك، وهكذا.
في القرآن الكريم أتى الحث على الإكثار من الذكر لله تعالى؛ لأهميته الكبيرة، وأثره العظيم، في نفس الإنسان، وفي حياة الإنسان، وكذلك الثناء على الذين يذكرون الله كثيرًا، سواءً من الرجال، أو النساء:
يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً}[الأحزاب: 41-44]، يقول: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً}، الإكثار من ذكر الله، في أوقات متعددة، في مختلف الحالات، ومختلف الأوقات، لا يعيش الإنسان أوقاتًا طويلةً غافلًا عن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فلا هو يذكر الله بلسانه وقلبه، {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}، في مختلف الأوقات: في الصباح الباكر، وفي (الأصيل) في آخر النهار.
الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول هنا: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وهذا أيضًا مما يخرجك من الظلمات إلى النور، الإكثار من ذكر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
يقول أيضًا: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}[الأعراف: الآية205]، فالذكر لله في النفس، بحالة الرهبة والخيفة، والتضرع أيضًا إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ}: يعني حتى في الذكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ليس من الضرورة أن ترفع صوتك في ذلك، في بعض الأذكار.
ويقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيما ذكره عن نبيه موسى "عَلَيهِ السَّلَامُ"، عندما طلب من الله أن يكلِّف معه أيضًا أخاه هارون نبيًا، ومعاونًا له، ووزيرًا له، وَعَضُدًا له، في مهمته الكبرى بالرسالة الإلهية، يقول أيضًا في سياق طلبه ذلك: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[طه: 33-35]؛ لأهمية الإكثار من ذكر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والإكثار من التسبيح أيضًا.
يقول الله "جَلَّ شَأنُهُ" في الثناء على عباده الذين يُكثِرون من ذكره: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران: الآية191]، ذكرٌ لله في مختلف حالاتهم: {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}، بمختلف الحالات.
يقول أيضًا في الثناء عليهم، الذين يُكثرون من ذكره، بعد أن ذكر مجموعةً من المواصفات الإيمانية المهمة، في الآية المباركة (في سورة الأحزاب): {إِنَّ الْـمُسْلِـمِينَ وَالْـمُسْلِـمَاتِ}[الأحزاب: من الآية 35]، إلى أن ختمها بقوله "جَلَّ شَأنُهُ": {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: من الآية 35]، فمن المواصفات الإيمانية المهمة لعباد الله المؤمنين (من الذكور والإناث): هي الإكثار من ذكر الله "جَلَّ شَأنُهُ"، {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}.
الذكر يأتي أيضًا في مختلف الأحوال:
بحسب الزمان:
- تستقبل نهارك- منذ الفجر- بالذكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بالصلاة، والذكر، والدعاء.
- تستقبل شروق نهارك بالذكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- تستقبل منتصف نهارك بالذكر، والعبادة، والصلاة.
- تستقبل ليلك بالذكر، والإقبال إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والصلاة، والتلاوة.
وهكذا، في مختلف الأوقات، هذا بالنسبة للأوقات، فلا تُمضي وقتًا طويلًا في حالةٍ من الغفلة، والنسيان لله، والذهول عن ذكره.
وأيضًا في مختلف الأحوال، بالنسبة للإنسان، على مستوى ظروف حياته، وأعماله، وأحواله المختلفة، فمشروعٌ لنا أن نبدأ ما نبدأ به من أعمالنا واهتماماتنا:
- سواءً وأنت تتجه لتناول وجبة الطعام، أو أنت تتجه لعمل أي عملٍ مهم، أن تبتدئه- ولو حتى في حديث، أو كلام، أو عمل، أو أي شيء تشتغل عليه- أن تبدأه بالبسملة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
- إذا انتهيت من طعامك، أن تحمد الله، وأن تجهر بذلك: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))، إذا رغبت أن تقول: ((حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه))، أو أن تذكر بعضًا من الأذكار المشروعة.
- عندما تنتهي من أي عملٍ مهم- بتوفيق الله، بتيسير الله- تقول: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ))، تحمد الله على ذلك، في نهاية كل عمل.
- في أحوالك المختلفة، الأحوال الأخرى: عند النوم، عند اليقظة، عند السرور والنعمة، عند الاستحسان للشيء، في حالة الحزن والمصيبة، عند الضيق والغم، عند الألم، عند مواجهة الأعداء، في ميدان الجهاد في سبيل الله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم-
سلسلة المحاضرات الرمضانية
ألقاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الثانية والعشرون للعام 1444