يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أيضاً، وهو يوبِّخ، ويعاتب، ويكشف سوء رأي البعض، ممن يمتلكون نظرةً سلبية تجاه التضحية في سبيل الله، واحتمال التضحية في سبيل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: 77-78]، فالتهرب من الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في المواقف المهمة، التي هي خيرٌ للأمة، ورضوانٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لن ينجي الإنسان من الموت، لن يضمن للإنسان البقاء على الدوام؛ أمَّا الاحتمال الذي يجعل البعض يتهرب من الاستجابة لله (احتمال الشهادة)، فمعناه: التهرب من الانتقال إلى حياة للسعادة الأبدية.
يقدِّم القرآن الكريم أيضاً درساً عجيباً ومهماً عن قومٍ من الأقوام، كانت لديهم هذه الرؤية تجاه احتمال الشهادة، تجاه التضحية في سبيل الله، في إطار الموقف الصحيح الذي يحميهم، يدفع عنهم خطر أعدائهم، يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 243-244]، أولئك القوم كانت عندهم تلك النظرة إلى التضحية في سبيل الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، نظرة سلبية جداً، كانت عندهم نظرة إلى أنَّ التضحية في سبيل الله تعالي هي نهاية، هي خسارة، فسببت لهم روح الهزيمة، فانهزموا، هربوا، هربوا وخرجوا من ديارهم أمام أعدائهم، ومكَّنوا العدو من بلدهم، {وَهُمْ أُلُوفٌ} أعداد كبيرة بالآلاف، لكنهم هربوا حذر الموت، فكانت النتيجة كما قال الله: {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}، أماتهم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ليكون ذلك درساً لهم، ودرساً لغيرهم، وعبرةً لغيرهم، {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}، يأتي التعقيب لذلك: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، يعني: لا تهربوا من دياركم، لا تهربوا وأنتم ألوف حذر الموت، أيُّها الناس، أيُّها الأقوام الآخرون، أيَّتها الأمم، أيَّتها الأجيال الأخرى: لا تهربوا، أمام مواجهة الأخطار استعينوا بالله، التجئوا إلى الله، أدُّوا مسؤولياتكم، تحرَّكوا في سبيل الله؛ والله سينصركم، {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
كلمة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
في الذكرى السنوية للشهيد 1444هـ