مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

عبد الله الرازحي

إن الحديث عن الزهراء فاطمة يعني الحديث عن الكمال الإنساني المتمثل في امرأة وهو أمر يتجاوز الفسحة التي امتدّت بين ساعة أبصرت فيها النور وساعة انطفأت فيها من عينيها لمعة الحياة.

فإنّها ابنة نبيّ هزّ جذور الفكر في الإنسان وقفز به فوق الأجيال، كما أ نّها زوجة رجل هو ركنٌ من أركان الحقّ وامتداد لأعظم نبيّ في تاريخ الإنسان.

لقد حازت على كمال العقل وجمال الروح وطيب الصفاء وكرم المحتد، وعاشت في جوّ شعّت عليه وامتدّت به وعبّرت عنه فكراً وانتاجاً، وغدت خطّاً في الرسالة التي انطلقت ثورةً، فكانت هي ركناً من أركانها التي لا يمكن فهم تاريخ الرسالة من دون فهم تاريخها.

وقد مثّلت الزهراء عليها السلام أشرف ما في المرأة من إنسانية وصيانة وكرامة وقداسة ورعاية وعناية، بالإضافة إلى ما كانت عليه من ذكاء وقّاد وفطنة حادّة وعلم واسع، وكفاها فخراً أنّها تربّت في مدرسة النبوّة وتخرّجت من معهد الرسالة وتلقّت عن أبيها الرسول الأمين صلى الله عليه وآله ما تلقّاه عن ربّ العالمين، وممّا لا شك فيه أنّها تعلّمت في دار أبويها ما لم تتعلّمه طفلة غيرها في مكة.

لقد سمعت القرآن الكريم من النبيّ المصطفى وسمعته من عليّ المرتضى، وصلّت به وعبدت به ربّها بعد أن وعت أحكامه وفرائضه وسننه وعياً لم يحصل عليه غيرها من ذوي الشرف والمكرمات.

ونشأت الزهراء نشأة إيمان ويقين ، نشأة وفاء وإخلاص وزهد ، وعلمت مع السنين أنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء، فوثقت بكفاية هذه الشرف الذي لا يُدانى، وشبّت بين انطوائها على نفسها واكتفائها بشرفها في دار الرسالة وعهد الايمان.

لقد نشأت الزهراء وهي تحذو حذو أبيها في كلّ كمال، حتى قالت عنها عائشة: ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبّلها ورحّب بها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها

قامت اليه ورحّبت به وأخذت بيده فقبّلتها.

ومن هنا نعرف السرّ أيضاً في ما صرّحت به عائشة من أنّها لم تجد في الأرض امرأة كانت أحبّ الى رسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة ، وقد علّلت هي ذلك بقولها: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولّدها صلى الله عليه وآله

وهكذا صارت الزهراء البتول صورة الاُنوثة الكاملة التي يتخشّع بتقديسها المؤمنون.

1 ـ علمها ومعرفتها

لم تكتفِ الزهراء فاطمة عليها السلام بما هيّأ لها بيت الوحي من معارف وعلوم، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية التي كانت تُهيئّها لها شموس العلم والمعرفة المحيطة بها من كلّ جانب.

لقد كانت تحاول في لقاءاتها مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وبعلها باب مدينة علم النبي أن تكتسبَ من العلوم ما استطاعت، كما كانت ترسل ولديها الحسن والحسين إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وآله بشكل مستمر ثم تستنطقهما بعد العودة اليها، وهكذا كانت تحرص على طلب العلم كما كانت تحرص على تربية ولديها تربيةً فُضلى، ولقد كانت تبذل ما تكتسبه من العلوم لسائر نساء المسلمين بالرغم من كثرة واجباتها البيتية.

إنّ هذا الجهد المتواصل لها في طلب العلم ونشره قد جعلها من كبريات رواة الحديث ومن حملة السُنّة المطهرة، حتى أصبح كتابها الكبير الذي كانت تعتزّ به أشدّ الاعتزاز يُعرف باسم "مصحف فاطمة" وانتقل إلى أبنائها الأئمة المعصومين يتوارثونه كابراً عن كابر، كما سوف تلاحظه بالتفصيل في باب تراثها سلام الله عليها.

ويكفيك دليلاً على ذلك وعلى سموّها فكراً وكمالها علماً ما جادت به قريحتها من خطبتين ألقتهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله احداهما بحضور كبار الصحابة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله والاُخرى في بيتها، وقد تضمّنتا صوراً رائعةً من عمق فكرها وأصالته واتّساع ثقافتها وقوّة منطقها وصدق نبوءاتها فيما ستنتهي اليه الاُ مّة بعد انحراف القيادة، هذا فضلاً عن رفعة أدبها وعظيم جهادها في ذات الله وفي سبيل الحقّ تعالى.

لقد كانت الزهراء عليها السلام من أهل بيت اتقوا الله وعلّمهم الله ـ كما صرح بذلك الذكر الحكيم ـ وهكذا فطمها الله بالعلم فسمّيت فاطمة، وانقطعت عن النظير فسمّيت بالبتول.

 

2 ـ مكارم أخلاقها 

كانت فاطمة عليها السلام: "كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جريئة الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب، لا يحدّدها ماديّ الخيلاء، ولا يثني أعطافها الزهوو الكبرياء"

.

لقد كانت سبطة الخليقة في سماحة وهوادة إلى رحابة صدر وسعة أناة في وقار وسكينة ورفق ورزانة وركانة ورصانة وعفة وصيانة.

 

إنّنا نجد أنها كانت تملك ثقافة التّوحيد، وثقافة النبوّة، وثقافة حركيّة الإسلام وانطلاقاته، وثقافة الواقع الاجتماعيّ الّذي كان المسلمون يعيشونه، وثقافة الجدال في القضايا التي أثيرت آنذاك للاستدلال بالقرآن 

في محكم آياته.

وكانت عندما تتحدَّث عمّا تؤمن به من حقّ عليّ(ع)، لم تكن تتكلَّم بطريقة عاطفيّة، ولكنّها كانت تتكلّم بطريقة علميّة وثقافيّة وحركيّة في الواقع كلّه، ونحن ندعو إلى أن ندرس الزهراء(ع) في الجانب الثقافيّ من شخصيَّتها، كما ندعو إلى دراسة الزّهراء(ع) في الجوانب الأخرى من شخصيَّتها، كالجانب الإنسانيّ في الشّموليّة الإنسانيّة، وفي المعنى الّذي تعيشه تجاه الإنسان الآخر، وفي هذا الانفتاح على الواقع كلّه، وأن ندرس الجانب الرّوحيّ الّذي كانت تعيشه مع الله سبحانه وتعالى، إضافةً إلى الجانب الحركيّ في حركتها الثّقافيّة والجهاديّة وحتى السياسيّة.

ثم هي على ما هي عليه من علم ومعرفة وزكاء وطهارة وتقوى هي تلك المرأة الخدومة المحسنة التي تحسن إلى الآخرين وتهتم بالآخرين , مصدر عطاء وينبوع خير ومصدر إحسان , هكذا يريد الله للمرأة المؤمنة أن تكون مصدرا للعطاء والخير والإحسان وهكذا كانت فاطمة ( القدوة ) والمرأة المؤمنة بحاجة إلى القدوة وأن ترسخ في واقعها القدوة , وطبعا فإن القدوة العليا للمؤمنين والمؤمنات هو الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله هو أسوة وقدوة للرجال والنساء معا, وقد كانت الزهراء فاطمة عليها السلام ثمرة من ثمرات الأخذ عنه والإقتداء به .

سيّدة نساء العالمين

 

لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ عندما نستوحي كلمة "سيِّدة نساء العالمين"، فلأنها تجمع عناصر الشخصيّة التي تتميّز بها المرأة وترتفع بها حتى تكون في مواقع القمَّة، لأنّ قضيّة أن تكون سيدة نساء العالمين، ليست مجرّد مرتبة تُعطاها دون أن تملكn عناصرها في شخصيّتها، ولكنّها مرتبة تعطاها من خلال ما يعرفه الله سبحانه وتعالى الذي خلقها من عناصر هذه الشخصية.

ولم يكن اصطفاء الله لأنبيائه ولأوليائه وللنّساء اللاتي كرّمهنَّ، ينطلق من فراغ، بل كان اصطفاءً ينطلق من الخصائص التي تجذب هؤلاء إلى الله، وتجعلهم في المستوى الذي يملكون حمل الرّسالة وتجسيد القيم الروحيّة في الحياة.

ومع غياب الدور النسائي في هذا العصر عصر العولمة وهدر الحقوق، يجدر بالمرأة أن تقتدي بالزهراء(ع)، المثال الأرقى للمرأة، أخلاقياً، ودينياً، وفكرياً، وهو الأمر الذي يضع النساء بصورة عام أمام التكامل والسعي نحو بناء المرأة المتكاملة في جميع النواحي. لأن العالم الغربي المتحضر - في عصر العولمة - يحاول أن يقدم بديلاً آخر وبصورة أخرى للمرأة من خلال منظومته الفكرية الفارغة روحياً ويسوقه على مستوى العالم أجمع.

لذلك من الضروري التمسك بالمثال القويم والمتكامل، الذي هو متجسد في شخصية الزهراء، كنموذج ومثال للمرأة المتفوقة علمياً وفكرياً وعرفانياً وبالشكل الذي يحفز جميع النساء على التقدم في اكتساب جميع العلوم واحتواء المعارف اللاهبة إلى أعلى درجاتها.

 

لذلك لا بد أن نستفيد من العولمة في تعريف العالم بشخصية الزهراء كنموذج متكامل يصلح لهذا العصر وكل العصور.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر