أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
في تطورات هذا الأسبوع، في العدوان الإسرائيلي الهمجي، الوحشي، الإجرامي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، تتفاقم المأساة الإنسانية للشعب الفلسطيني في كل يوم:
- مع استمرار العدو الإسرائيلي في التجويع الشديد، وللشهر الخامس على التوالي، حيث استأنف الحصار الشديد، والمنع لدخول المساعدات إلى قطاع غزَّة.
- وبشراكةٍ أمريكية، وتوفير غطاءٍ كامل لهذا المستوى من التجويع.
- وبتواطؤٍ أيضاً من بعض الأنظمة العربية والأوروبية.
- وبتخاذلٍ عربيٍ وإسلاميٍ واسع، مخزٍ وغير مسبوق.
كل هذه العوامل هي ساعدَّت في صنع هذه المأساة، والتجويع الرهيب الذي لا مثيل له، والذي هو جريمةٌ رهيبةٌ جدًّا على مرأى ومسمع من العالم.
ومع كل ساعةٍ تَمُرُّ، هناك قصصٌ مأساويةٌ جديدة، تُعَبِّر عن حجم المعاناة والمأساة والمظلومية، ومع كل ساعةٍ يزداد عدد الشهداء من التجويع، وأيضاً آخرون على وشك الشهادة من التجويع كذلك، وفي المقدِّمة: الأطفال الرُّضَّع، والأطفال في مختلف سنوات عمرهم، الذين منع العدو عنهم الغذاء، ومنع عن الأطفال الرُّضَّع حليب الأطفال، وكذلك النساء الحوامل، والوالدات، والمُسِنُّون، والمرضى، والمأساة عامَّة لمليوني إنسان فلسطيني، والمظلومية رهيبةٌ جدًّا.
المساعدات التي منع العدو الإسرائيلي دخولها إلى قطاع غزَّة مكدَّسةٌ عند بوابات المعابر (معابر قطاع غزَّة)، وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزَّة؛ فإنَّ أكثر من (اثنين وعشرين ألف) شاحنة مساعدات إنسانية متوقِّفة حالياً عند بوابات معابر القطاع، غالبيتها تابعة لمنظمات أممية ودولية، وجهات متعدِّدة، فالغذاء موجود، وعند بوابات معابر قطاع غزَّة، ولكنَّ العدو الإسرائيلي يمنع دخوله، ويجوِّع الشعب الفلسطيني، ويتركه يتضوَّر جوعاً، كأسلوبٍ من أساليب الإبادة والتعذيب، في إجرامٍ وحشيٍ ورهيبٍ جدًّا.
الوضع في حجم المأساة، وحجم الجريمة، وصَّفه الرئيس الأمريكي المجرم، الطاغية، الداعم للإجرام الصهيوني الإسرائيلي، (ترامب)، بقوله: [ما يحصل في غزَّة مفجعٌ، ومؤسفٌ، وعارٌ، وكارثيٍ]، وفعلاً تنطبق هذه المواصفات على الجريمة الإسرائيلية الرهيبة، في تجويع مليوني إنسان في قطاع غزَّة.
وفي كل تفاصيل المأساة، فيما يحدث من قصص لكل طفل، لكل امرأة، لكل كبيرٍ وصغيرٍ من أبناء الشعب الفلسطيني في غزَّة، قصة مأساة، وقصة معاناة، والمظلومية رهيبة جدًّا، التفاصيل التي تنشرها وسائل الإعلام لهذه الجريمة، فيما يعانيه: أطفال، معيلو أسر، أُمَّهات، نساء، كبار، صغار، جرحى، معاقون، هي تفاصيل مؤسفة جدًّا، محزنة للغاية، كارثية، مخزية للعالم، وفي المقدِّمة: مخزية للعرب بين المسلمين، والمسلمين قبل غيرهم، المسلمين بشكلٍ عام من عرب وغير عرب، فالحالة تنطبق عليها هذا التوصيف من الرئيس الأمريكي الذي هو اعتراف صريح وواضح بهول الجريمة، التي تشترك فيها أمريكا بشكلٍ تام، ودورها رئيسيٌ فيها بشكلٍ واضح، مفجع فعلاً، فاجعة، وكارثة، وعار للمجتمع الإنساني والبشري، وكارثة بكل ما تعنيه الكلمة.
ومع التجويع، جريمة التعطيش، وهي جريمة رهيبة وفظيعة، والمعاناة كبيرة جدًّا في قطاع غزَّة حتى في الحصول على شربة الماء، وبحسب مكتب الأمم المتَّحدة للشؤون الإنسانية؛ فإنَّ 96% من الأسر في غزَّة تواجه انعدام الأمن المائي، (96%) يعني: معظم الأسر، معظم أهالي قطاع غزَّة يعانون معاناة كبيرة، وهناك مخاطر يواجهونها لكي يحصلوا على شربة الماء، هذا هو حجم الإجرام الإسرائيلي.
يستمرُّ العدو الإسرائيلي أيضاً في الاستهداف للصيادين، حينما يخرج البعض بهدف الحصول على الطعام، على الغذاء، عن طريق الصيد في البحر، يستهدفهم على الفور، البعض يقتلهم، والبعض يختطفهم.
ومع ذلك يستمرُّ أيضاً في القتل بالقنابل الأمريكية، والقذائف الأمريكية، بالقصف، والغارات الجَوِّيَّة، والقنص، يستهدف بذلك الجميع، من: الأطفال، والنساء، والنازحين، وأيضاً- وبشكلٍ أساسي- الساعين للحصول على الغذاء من خلال المساعدات، التي تحكَّم بها الأمريكي والإسرائيلي في مصائد الموت، ووجبات القتل، التي يقدِّمونها للشعب الفلسطيني، ونسبة الشهداء والجرحى في مصائد الموت، هي نسبة عالية، وهي من أبشع الجرائم التي يرتكبها الإسرائيلي والأمريكي معاً.
وبشهادة ضابطٍ أمريكي عن مصائد الموت تلك، قال عنها: [مواقع توزيع المساعدات صُمِّمت لتكون مصائد موت، هناك أمريكيون يحملون السِّلاح، ويشاركون بما يجري في قطاع غزَّة]، فهو يعترف- وهو أمريكي ضابط عمل في تلك المصائد- بأنَّها صُمِّمَت من الأساس بهدف
أن تكون مصائد للقتل، للإبادة للشعب الفلسطيني، تهندس الجوع من جهة، ومع المجاعة الشديدة للشعب الفلسطيني، يضطر البعض من أهالي قطاع غزَّة للذهاب إليها؛ للحصول على الغذاء، تحت ضغط التجويع الشديد، وحينها يبدأون باستهدافهم بكل وحشيةٍ وإجرام، ذلك الضابط الأمريكي شَهِد على أنه رأى الجنود الإسرائيليين يطلقون النار على المدنيِّين الفلسطينيين حتى بقذائف الدبابات، وقذائف الهاون، وقذائف المدفعية، ضد مدنيِّين عُزَّل يتضوَّرون جوعاً، وشَهِد على أنه شاهد بعينيه جرائم حرب بكل ما تعنيه الكلمة.
وفعلاً، هناك الكثير من المشاهد التي تُنشر في وسائل الإعلام، ويظهر فيها كل هذه الأنواع والأشكال من الاستهداف، وأيضاً أحياناً بالغارات الجَوِّيَّة، وأحياناً بالطائرات المسيَّرة، الاستهداف على المستوى الجماعي أثناء تجمعاتهم، وأيضاً في حالة الانتظار، حتى ولو كانوا مفرَّقين، وحتى بالاستهداف الفردي، لشخص ذاهب هناك، يستهدفونه أحياناً وهو في طريقه إلى إيصال كيس الطحين إلى أسرته؛ فيستهدفونه أحياناً بطائرة مسيَّرة، أحياناً بقذيفة دبابة، أحياناً بالقناصة... بكل أشكال الاستهداف والإجرام.
هـــذا فيمـــا يتعلَّـق بقطـــاع غـــزَّة، والمأساة كبيرة جدًّا، والتفاصيل اليومية تنشرها وسائل الإعلام، تُبَيِّن هول وفظاعة وبشاعة ما يجري، ويجري بحق مَنْ؟ شعبٍ عربيٍ مسلمٍ من هذه الأُمَّة، عليها تجاهه المسؤولية بكل اعتباراتها: المسؤولية الإنسانية، الدينية، والأخلاقية.
فيمــا يتعلَّـق بالقــــدس والمسجــــد الأقصــى:
أيضاً كان هناك في هذا الأسبوع عمليات اقتحامات بشكلٍ غير مسبوق، يقولون في التوصيف للاقتحامات التي ينفِّذها اليهود الصهاينة على المسجد الأقصى: [بأنها في هذا الأسبوع هي الأكبر]، وفي يومٍ واحد بلغ عدد المقتحمين (ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعة وستين مقتحماً)، شارك معهم في بعض تلك الاقتحامات كبار المجرمين الصهاينة، ممن يُسَمُّونهم بوزراء.
وهذه الانتهاكات، والاعتداءات، والاستباحة لحرمة المسجد الأقصى الشريف، السكوت عنها عارٌ على المسلمين، وخزيٌ عليهم، وتفريطٌ أيضاً تجاه مسؤولية مقدَّسة وعظيمة، في مقدِّمة مسؤولياتهم الدينية، وله مخاطره، هذا السكوت وهذا الجمود هو يشجِّع العدو الإسرائيلي في برنامج المعروف، الذي يسعى إليه، وهو: هدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم.
العدو الإسرائيلي يسعى لفرض وقائع جديدة في التقسيم، ما يوصَّف بـ [التقسيم الزماني والمكاني]، وأصبحت هذه الحالة شبه حالة قائمة ومستمرَّة، وهذه خطوة خطيرة جدًّا من الخطوات الرامية بالنسبة للعدو الإسرائيلي، والهادفة إلى الوصول إلى الغاية التي يسعى لتحقيقها تجاه المسجد الأقصى، مسرى النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، قبلة المسلمين على مدى سبعة عشر شهراً في صدر الإسلام، المكان المقدَّس، الذي له قدسية عظيمة في الإسلام، وهذا التفريط من جانب المسلمين هو خطيرٌ عليهم بينهم وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتجاه بقية مجالات الصراع مع العدو الإسرائيلي، الذي يعتبر الصراع معه صراعاً شاملاً في كل المجالات.
العدو الإسرائيلي مستمرٌّ أيضاً في مساعيه لأن يطبع القدس كمدينة بالطابع اليهودي:
- يسعى للمزيد من البؤر الاستيطانية على الأراضي المغتصبة.
- يستمرُّ في هدم منازل الفلسطينيين، في السعي لتقليص وجودهم في مدينة القدس، ولديه خُطَّة عَمِل عليها على مدى سنوات، يسعى فيها باستمرار إلى تقليص الوجود الأصيل للشعب الفلسطيني في مدينته، يعني: في مدينة القدس، التي هي مدينة فلسطينية، فهو يسعى إلى تقليص السكان، ويسعى إلى أن يستخدم لتحقيق هذا الهدف وسائل كثيرة، مع ذلك يستمرُّ في الهدم (الهدم للمنازل)، لدرجة أن يجبر الأهالي على هدم منازلهم، وحصل في هذا الأسبوع في (جبل المُكَبِّر)، الهدم لعدد كبير من المنازل، وأن يرغم الأهالي على أن يهدموا منازلهم، وإلَّا حمَّلهم غرامات هائلة، إذا لم يهدموا منازلهم؛ فيضطر البعض منهم لفعل ذلك؛ تجنباً للغرامات الباهظة، التي لا يستطيع- أصلاً- تحمُّلها.
- استمر أيضاً في هذا الأسبوع في إبعاد البعض من الأئمة (أئمة الصلاة)، وأيضاً من الخطباء في مدينة القدس، وفي المسجد الأقصى، إبعادهم عن المسجد الأقصى، وإبعادهم عن مدينة القدس.
العدو الإسرائيلي مستمرٌّ في الاعتداءات في الضِّفَّة بكل أشكال الاعتداءات، كل تفاصيلها:
- مستمرٌّ في القتل.
- مستمرٌّ في الاختطاف.
- مستمرٌّ في الاعتداء بالضرب.
هو وقطعان المستوطنين المغتصبين، الذين لهم برنامج واسع، بحماية مباشرة مِمَّن يُسَمُّونه بالجيش الإسرائيلي، العصابات الإجرامية التي تُسَمَّى بالجيش الإسرائيلي، فالبرنامج واسع في الاعتداءات والانتهاكات:
- من تجريف للمنازل، وحرقٍ لبعضها.
- ومن أيضاً سطوٍ على الممتلكات، ونهب.
- وتدمير للمحاصيل الزراعية.
- وكذلك فيما يتعلَّق بالثروة الحيوانية والمواشي جرائم متنوعة: ما بين النهب، وما بين القتل، وما بين التسميم، في هذا الأسبوع في بعض المناطق في الضِّفَّة الغربية، قام المغتصبون الصهاينة بالتسميم للأغنام- كما حصل في (شمال أريحا)- لأغنام الفلسطينيين.
- إحراق المزارع والمنازل في مناطق متفرِّقة.
حجم الاعتداءات في الضِّفَّة الغربية هو حجم كبير، إلى درجة أنَّ بعض الإحصائيات تؤكِّد على أنَّه خلال هذا الشهر فقط بلغ: أكثر من (ألف وثمانمائة اعتداء)، والسلطة الفلسطينية لا تُقَدِّم أيَّ حماية، ولا أي شكل من أشكال الحماية للشعب الفلسطيني في الضِّفَّة الغربية؛ إنمـا تتعاون مع العدو الإسرائيلي بأشكال متعدِّدة من التعاون، ولاسيَّما في الاستهداف للإخوة المجاهدين، تحت عنوان: [التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي]، في الوقت الذي تروِّج دائماً- بإصرارٍ غبي- على خيارها الخاطئ، الذي يُسَمَّى بـ [المفاوضات، والسلام، والكف عن أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي]، وهو خيارٌ قد ثبت قطعاً أنه غير مجدٍ، وليس له أي نتيجة، كل هذه العقود التي تجلَّى خلالها أنَّ العدو الإسرائيلي لا يفي بشيءٍ إطلاقاً مِمَّا يتَّفق مع السلطة الفلسطينية عليه، ولا مع غيرها.
العدو الإسرائيلي من طبيعته الغدر، من طبيعته، وفي فلسفته، وثقافته، وفكره، ومعتقداته، أنه غير ملزمٍ بالوفاء فيما يتَّفق عليه مع من يُسَمِّيهم بـ [الأغيار]، يعني: غير اليهود، وأن أي اتِّفاق معهم هو في إطار الخداع فقط، وفي إطار التكتيك؛ للوصول إلى تحقيق أهداف معيَّنة، والقرآن الكريم أكَّد هذه الحقيقة، بقول الله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}[البقرة:100]، (كُلَّمَا): هذا التعبير الذي يفيد بكل وضوح أنهم لا يفون إطلاقاً تجاه أي مواثيق، أو التزامات، أو اتِّفاقيات معهم، المسألة عندهم هي مسألة أن يتمكَّنوا من الغدر، وأن تكون الظروف لصالحهم، وأن يهيِّئوا الظروف لتجاوز صعوبات معيَّنة، ويستمرُّون على ما هم عليه من: جرم، وظلم، واغتصاب... وغير ذلك.
العدو الإسرائيلي مع هذا يدرس هذا اليوم، وفي الأيام الماضية، قراراً إجرامياً، في خيارٍ من خيارين:
- إمَّا الاحتلال لكل قطاع غزَّة.
- وإمَّا الاحتلال لأجزاء من قطاع غزَّة.
الحسابات تعود في ذلك- بالنسبة لهذا التردد- للكلفة الباهظة، التي هو موقنٌ بها، في أنه إذا أقدم على الاحتلال الكامل لكل قطاع غزَّة؛ فـإنَّ هذا له كلفته وخسائره الباهظة والكبيرة، في القتلى والجرحى من الجنود الإسرائيليين، وفي عدم تمكُّنه من الاستقرار؛ إنما سيفتح له مشكلةً مستمرَّة.
هذا القرار يستند فيه العدو الإسرائيلي؛ لأنَّ معناها: الاستمرار في التصعيد، الاستمرار في الإبادة، الاستمرار في الجريمة الرهيبة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة؛ لكنَّ العدو الإسرائيلي يقول: [أنَّه حصل على إذن من الأمريكي]، والإذن الأمريكي معناه: أن الأمريكي سيستمرُّ في توفير كل أشكال الدعم المفتوح للعدو الإسرائيلي:
- تقديم القذائف، القنابل.
- تقديم الدعم السياسي، الدعم المالي.
- تقديم أيضاً الحماية.
- والشراكة بكل ما تعنيه الكلمة مع العدو الإسرائيلي، في حال أقدم على هذه الجريمة.
العدو الإسرائيلي بالرغم من فشل ما سمَّاه بـ [عربات جدعون]، يُفَكِّر في خطوة ستفشل، ستفشل بلا شك، وإن ارتكب فيها الجرائم الكبيرة والفظائع، لكنَّها لن تحقِّق له النتيجة التي يسعى للوصول إليها، في أن يتثبَّت له احتلال وسيطرة تامَّة باستقرار، وأن يحسم المعركة وينهيها لصالحه، هذا- بإذن الله- ما لا يكون، ولن يكون إن شاء الله.
وضع الجيش الإسرائيلي فيما هو عليه، هو وضعٌ مهزوز، وضعٌ معروف في أنَّه قد تكبَّد الخسائر الكبيرة، وألحق بنفسه- نتيجةً للعدوان- الخسائر الكبيرة، مِمَّا وفَّق الله له الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة، من ضربات قويَّة ومؤلمة للعدو الإسرائيلي، وتأثير كبير على وضعية الجيش الإسرائيلي.
ولـذلك هناك اعترافات صريحة، بأنَّ الوضعية أصلاً (وضعية الجيش الإسرائيلي) هي وضعية غير مؤهَّلة لإنجاز هذه الخطوة الإجرامية، بالشكل الذي يمكِّنه من تنفيذها بأريحية، وبدون كلفة باهظة، ومن ناحية ثانية: النتيجة، إلى درجة أنَّ كبار المجرمين في الجيش الإسرائيلي، هم يعترفون بأنهم لا يتوقَّعون أن يتمكَّنوا من تحقيق هذا الهدف العدواني، وأن ينجزوه باستقرار، وبدون أن تستمر المقاومة والجهاد من جهة الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة.
فإذاً هم يعتبرون أنه لن تتحقَّق لهم النتيجة المرجوَّة من ذلك: بحسم المعركة، وإكمال السيطرة، وتصفية القضية الفلسطينية، وينتهي الموضوع؛ بل إنما يغرقون في حالة استنزاف كبير جدًّا، وأنَّ الإخوة المجاهدين مستمرُّون في عملياتهم، بالرغم من أي تطورات في الوضع الميداني.
لكنَّ العدو الإسرائيلي هو يثبت أنَّه في حال أقدم على هذه الخطوة لم يعد يكترث إطلاقاً لمصير أسراه، وهذا الأمر هو يؤرَّق الكثير من الإسرائيليين، يعني: هم يلحظون- في كبار مجرميهم- أن التعاطي من جهتهم فيما يتعلَّق بموضوع أسراهم، يدل بشكلٍ واضح على أنهم لا يكترثون لمصيرهم، حتى في مسألة التجويع، الأسرى لدى الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة هم يتضرَّرون كمثل غيرهم، كمثل غيرهم من بقية الناس في قطاع غزَّة، ينقص عليهم الطعام، يتضرَّرون، هناك فيديوهات يطلبون فيها الغذاء، ودخول الغذاء إلى قطاع غزَّة.
على كُلٍّ، القرار بأي مستوى، سواءً اتَّخذ العدو الإسرائيلي هذه الخطوة الإجرامية الوحشية، أو اتَّجه- كما يقول- لبعض أجزاء... أو غير ذلك، معناه: الاستمرار في التصعيد، بالاستناد إلى الإذن الأمريكي، والذي ليس مجردَّ إذن كلامي؛ إنما شراكة ودعم، وبالتواطؤ من بعض الأنظمة العربية، والخذلان العربي الواسع، هذه الثلاثة العناصر هي أساسٌ لكل الإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وأيضاً في الضِّفَّة وفي كل فلسطين.
الحالة المؤسفة جدًّا تجاه ذلك هي في الواقع العربي، حتى عندما يكون هناك تحرُّك، يأتي تحرُّك غير صحيح، تحرُّك يعبِّر عن حالة تخبُّط، عن عدم امتلاك رؤية صحيحة يتم التَّحَرُّك على ضوئها، الحالة في الواقع العربي:
- بين من يناشد الأمريكي، ويتسوَّله أن يتدخَّل لإنقاذ الشعب الفلسطيني.
- وبين من يتسوَّل الأوروبيين، ينشد منهم أن يتدخَّلوا هم.
- أو يتحرَّك في خطوات يقابلها، أو تتضمن هي بنفسها، كذلك مواقف سلبية ضد الشعب الفلسطيني في نفس الوقت:
o مثل ما هو العنوان لمؤتمر حلِّ الدولتين، الذي تضمَّن الإساءة إلى المقاومة الفلسطينية، والمجاهدين في فلسطين، والمطالبة لهم بتسليم السلاح... وغير ذلك.
o ومثل ما يحدث الآن في لبنان، من جانب الحكومة اللبنانية وبعض الأحزاب، التي تتبنَّى المطلب الإسرائيلي الأمريكي.
هذا التَّخَبُّط العربي، من خذلان، ومن تبنٍ لأطروحات أمريكية وغربية تجاه هذه المظلومية، وهذه القضية الواضحة، هو حالة مخزية وفضيحة بين كل الأمم في الأرض، وحالة مؤسفة جدًّا جدًّا؛ لأنهم يعتمدون خيارات غبية، وتوجُّهات حمقى، في مقابل هذه الهجمة الإسرائيلية والأمريكية للإبادة، والطغيان، والاحتلال، والأطماع، فهم في مقابل كلِّ ما يَقْدِم عليه العدو الإسرائيلي، وما يمارسه من استباحة، وقتل، وإجرام، وطغيان، وما مع الفعل من تصريحات واضحة، تعبِّر عن أطماعه، ومستوى أطماعه، وحقيقة أهدافه، وكيف كشفت هذه الجرائم عن مستوى توحُّشه، وعدوانيته، وحقده؛ يأتون في المقابل لتقديم أطروحات غريبة للغاية!
يعني: مقابل كل هذا التَّوَحُّش الإسرائيلي، كل هذا الإجرام، كل هذا العدوان، كل هذه المساعي للاحتلال، ماذا يقول البعض من العرب؟ يقولون: [الحل هو: في تجريد هذه الشعوب من أن تمتلك أي سلاح لتتصدَّى للعدو الإسرائيلي، والتَّوَقُّف عن أيّ تصدٍّ لعدوانه وإجرامه]! هذا ما تَفَتَّقْت عنه عبقرية العرب، أو البعض منهم، يقولون- أمام كل هذا الإجرام، كل هذا الطغيان، كل ما يفعله العدو الإسرائيلي والأمريكي، بما بحوزته من العتاد والسلاح- يقولون: [الحل هو: في تجريد حماس والفصائل الفلسطينية في غزَّة من سلاحها، وفي تجريد المقاومة اللبنانية وحزب الله من سلاحه]!
هذا الطرح الغبي ليس له أي مستند إطلاقاً، سوى مسألة: أنَّه مطلب إسرائيلي أمريكي، يعني: هو لا يرتبط بحيثيِّات ومبرِّرات صحيحة وسليمة لخدمة شعوب أُمَّتنا: لخدمة الشعب الفلسطيني، لخدمة الشعب اللبناني، لخدمة هذه الأُمَّة، فقط لأنه مطلبٌ أمريكيٌ إسرائيليٌ، يساعد الأمريكي والإسرائيلي على تحقيق أهدافهما، التي هي: احتلال، وسيطرة، وقهر، وظلم، وتهجير قسري، وسيطرة تامَّة؛ فهم يتبنَّون هذا المطلب فقط لأنه مطلب أمريكي إسرائيلي، لا أقل ولا أكثر.
هذه الأطروحة الغبية، التي تخدم العدو، والتي هي تبنٍ كامل لما يطلبه العدو؛ لِيُمَهِّد لنفسه أن يكمل سيطرته بدون عناء، هي أطروحة لا يتبناها أحدٌ في الأرض قاطبةً تجاه أي قضية مشابهة، يعني: حينما يكون هناك أي شعب، أو بلد، أو أُمَّة، في مواجهة عدو، يحتل، يقتل، يرتكب الإبادة الجماعية، فمن السذاجة الواضحة أن يقال للمعتدى عليه، المظلوم، المحتلَّة أرضه: [الذي يفيدك، ويجديك، ويدفع عنك الخطر، ويحقِّق لك الاستقلال، واستعادة أرضك، ودفع الخطر عنك، هو: أن تكون بلداً لا يمتلك السلاح، وأن تُجَرَّد حتى من أبسط الأسلحة التي بحوزتك]!
الأطروحة هذه هي تتصادم مع البديهيات، مع المحسوسات والمشاهدات، مع المعلوم ضرورةً، كما يُعَبَّر أيضاً في التعبير الفكري، والعقائدي، والديني، وحتى الفلسفي، تتصادم مع المعلوم ضرورةً، شيء غريب جدًّا! يعني: بدلاً من قول الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، وهو يعلِّمنا- كَأُمَّةٍ إسلامية- ما يقينا من الخطر، وما يدفع عنَّا الشَّرّ، وما يُعَزِّز واقعنا لنكون في مَنَعَة تحمينا من الأشرار، والطغاة، والمجرمين، من مثل اليهود الصهاينة بكل ما هم عليه من إجرام شاهده الجميع، وعرف مستواه وفظاعته، وأنهم لا يتقيَّدون بأي قيودٍ أو اعتباراتٍ من القيم، أو الأخلاق، أو القوانين، أو الشريعة... أو أي اعتبار أبداً، منفلتون تماماً، ومتوحِّشون، ومجرمون بدون أي ضوابط، الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، هؤلاء يقولون في طرحهم المعاكس: [عليكم أن تتجرَّدوا من أي إمكانات تمثِّل قوَّةً لدفع هذا الخطر]!
السلاح من وسائل القوَّة، كل العالم يعرف أنَّ السلاح من وسائل القوَّة، القوَّة العسكرية والقدرة العسكرية في أولى المتطلبات والضروريات لمواجهة الأعداء، لمواجهة الأخطار، لدفع المجرمين، والطغاة، والمتسلِّطين، والمحتلِّين، يعني: من أول ما يحتاجه الناس هو: القدرة العسكرية، والإمكانات العسكرية، والقدرات العسكرية التي من أهم ما فيها السلاح، وهؤلاء يريدون أن ينزعوا حتى أبسط أنواع السلاح، حتى السلاح العادي، يريدون أن يجرِّدوا شعوبنا منه، وأن يجرِّدوا أيَّ أُمَّة، أو حركة، أو فصيل من أبناء هذه الأُمَّة الإسلامية، يحمله، ويتحرَّك به ليتصدَّى للعدو المعتدي، المحتل، الغاصب، الظالم، المجرم.
ثم يكون منطقهم- وهذا منطلق وسائل إعلامهم، منطق من يروِّجون لخيارهم- هو: السعي للترسيخ في الذهنية العامَّة لدى العرب والمسلمين جميعاً، أنَّ المشكلة هي السلاح، فيتحوَّل الطرح في لبنان من بعض المكونات والأحزاب، مع بعض المسؤولين في الحكومة، ومنطق السلطة الفلسطينية في فلسطين، ومنطق بعض الأنظمة العربية، على لسان مسؤولين وفي وسائل الإعلام بمختلف أنواعها: [أنَّ مشكلة الشعب الفلسطيني، ومشكلة قطاع غزَّة هي في سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزَّة، والمشكلة في لبنان هي سلاح المقاومة]! تتحوَّل هذه النظرة هي التي يروِّجون لها، ويسعون لترسيخها.
وهذا من التضليل الرهيب، ومن المؤسف والمحزن أن يُطرَح مثل هذا الكلام، يعني: هو في سياق ما يشابهه من أطروحات تكرَّرت كثيراً من فريق اتَّجه للولاء لأمريكا، والتَّبَنِّي لأطروحاتها، والتعاون معها؛ وبالتـالي الخدمة للعدو الإسرائيلي، في تجاهلٍ تام لحقيقة القضية من بدايتها وإلى اليوم، من بدايتها وإلى اليوم.
القضية الفلسطينية ليست جديدةً من هذا العام، أو مِمَّا قبله، يعني: ليس عمر القضية الفلسطينية عامين، القضية الفلسطينية لها أكثر من قرن من الزمان منذ الاحتلال البريطاني، ثم في إطار الاحتلال البريطاني أتى البريطاني بعد (وعد بلفور)، وبدعمٍ غربي وأمريكي، أتى باليهود الصهاينة لاحتلال فلسطين، الشعب الفلسطيني منذ البداية ما هي مشكلته، التي كان لها تأثير سلبي في أن يتمكَّن اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين؟ المشكلة أنَّه لم يكن جاهزاً لمواجهة هذا الخطر عسكرياً، ولم يحظَ بالدعم العربي بالقدر الصحيح، بوعيٍ تام لحقيقة هذه المشكلة، بحيث يتوفَّر الدعم الكبير، اللازم، المستمرّ؛ ليدفع عن نفسه وعن الأُمَّة من حوله هذا الخطر.
ولـذلك عند تشكيل العصابات الصهيونية، وهي لا زالت بشكل عصابات محدودة، البعض منها بالمئات، ثم تطوَّر الأمر إلى الآلاف، وهي تستخدم البنادق والديناميت ضد الشعب الفلسطيني، وفي بعض الحالات تستهدف البعض من الأهالي في فلسطين، في أراضي ما يُسَمَّى بـ (48( في التصنيفات التي لعبت فيما بعد؛ لتجزئة فلسطين، وإباحة فلسطين للأعداء، يهاجمون بعض القرى، ويقتلون أهلها حتى بالخناجر، والفؤوس، والسكاكين؛ لأنهم لا يمتلكون السلاح؛ ليدافعوا عن أنفسهم، وليوحِّدوا جهودهم، ويتحرَّكوا بشكلٍ منظَّم، وبشكل مسلَّح؛ ليدفعوا عن أنفسهم الخطر.
فواحدة من أبرز الأسباب التي مكَّنت العدو الإسرائيلي من احتلال فلسطين، هي: قِلَّة توفُّر السلاح بيد الشعب الفلسطيني، هي: عدم البناء لقدرة عسكرية كبيرة في فلسطين، من أبناء الشعب الفلسطيني، تدفع عن أبناء الشعب الفلسطيني الخطر.
لو اتَّجه العرب منذ البداية هذا التَّوَجُّه الصحيح، في بناء الشعب الفلسطيني ليكون شعباً قوياً، يمتلك كل أنواع السلاح، ويمتلك قوَّةً عسكريةً منظَّمةً، مدربةً، تتظافر جهودها بشكلٍ جماعي في درء الخطر عنه؛ لكـان الوضع مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه؛ فالشعب الفلسطيني لم يكن يمتلك السلاح حتى يكون السلاح هو المشكلة، بل كان قِلَّة السلاح، وانعدام السلاح- في كثيرٍ من الحالات- هو المشكلة على الشعب الفلسطيني.
في لبنـــــــان: العدو الإسرائيلي اجتاح لبنان بكلها، حتى وصل إلى بيروت، ثم تشكَّلت المقاومة ما بعد ذلك؛ لطرده من لبنان، ونمت، وقويت، وتمكَّنت من تحقيق هذا الهدف الكبير، وبعد ذلك: الردع للعدو الإسرائيلي من العودة لاحتلال لبنان منذ العام 2000 وإلى الآن، عامل الردع الوحيد الذي منع العدو الإسرائيلي من العودة لاحتلال لبنان هو المقاومة، وقوَّة المقاومة، سلاح المقاومة الذي هو بيد رجالٍ مؤمنين، يحملون رؤيةً متكاملة، وينطلقون منطلقاً إيمانياً في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي في أطماعه، وطغيانه، وإجرامه، وهو واضحٌ في أطماعه، وفي نطاق هذه الأطماع أنها واسعة.
فالعرب في أطروحتهم: [أنَّ المشكلة هي السلاح، وأنَّ الحل هو تجريد الفلسطينيين من سلاحهم في غزَّة، وتجريد اللبنانيين من السلاح الذي يحمي لبنان في لبنان]، هي أطروحة غبية بكل ما تعنيه الكلمة، وكما قلنا: تتناقض وتتباين مع الفطرة، مع المحسوسات، مع المشاهدات، وليس لها فقط أي مستند ولا اعتبار؛ وإنما هي مطلبٌ أمريكيٌ إسرائيليٌ يسعى بعض العرب لتحقيقه، وهذا شيء مؤسف جدًّا!
ولهـذا نكرِّر دائماً: أنَّ المسلمين جميعاً، بنخبهم، وحكوماتهم، وأنظمتهم، بشعوبهم، الجميع بحاجة إلى امتلاك رؤية صحيحة، عن طبيعة هذا الصراع مع العدو الإسرائيلي ومن معه، مع اليهود الصهاينة بأذرعهم، التي تعمل لتنفيذ المخطَّط الصهيوني؛ لأن تجاهل هذه المسألة: طبيعة هذا الصراع، وحيثيَّات هذا الصراع، ومن هو العدو؟ وماذا يريد؟ والتعامل بشكلٍ مجرَّد عن هذه الاعتبارات، وهذه الحيثيَّات، هو من الأسباب الكارثية، التي تورِّط الأنظمة والحكومات، وتدعمها بعض النخب، وتتماهى معها بعض النخب، وتتبنى ما هي عليه بعض النخب، من اعتماد خيارات غبية، كارثية، تخدم العدو؛ لأنها مطلب للعدو، تتحوَّل المسألة- في نهاية المطاف- إلى أنَّ يقدِّم الإسرائيلي إملاءات، تسعى أنظمة عربية، وتؤيِّدها نخبٌ بين الشعوب، والشعوب تسكت، وتجمد، تتبنى تلك المطالب الإسرائيلية، وعندما يقدِّم الإسرائيلي والأمريكي طلباً، فهو من منظور المصلحة الإسرائيلية الخالصة، يعني: الإسرائيلي ليس عدواً منصفاً، يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجميع، ويرعى لهذه الأُمَّة مصالحها، الأمريكي أيضاً ليس طرفاً منصفاً، يتعامل بإنصاف وحرص، ويقول: [أنا أراعي مصلحتكم أيضاً]! لا، المنظور هو المصلحة الأمريكية الإسرائيلية الخالصة، دون أي اعتبار لهذه الأُمَّة، ولا احترام لها، ولا احترام لحقوقها، فالأمريكي والإسرائيلي حينما يطلب نزع سلاح المقاومة في لبنان، وتجريد لبنان من الوسيلة التي كانت هي الوسيلة الوحيدة لحمايته فعلاً على أرض الواقع، والجميع يعرف أنَّ الجيش اللبناني لن يحمي لبنان، لا من حيث القدرة والإمكانات التي تؤهِّله لمواجهة خطر بحجم الخطر الإسرائيلي، الذي تشارك أمريكا بدعمه بشكلٍ مفتوح، ولا من حيث القرار السياسي، وإلَّا لكان حماها، لكان حمى لبنان فيما قد مضى، يعني: هو الآن أعجز، هو لم يحمِ لبنان في كل المراحل الماضية، ولا في كل الظروف الماضية، والآن الخطر أكبر، والتَّحَدِّي أكبر، والجيش اللبناني أعجز مِمَّا قد مضى لذلك:
- في طبيعة الظروف والأوضاع.
- في مستوى القدرات والإمكانات.
- في تعقيدات اتِّخاذ القرار السياسي.
وهكـــذا فيمـــا يتعلَّـق بغـــزَّة، يريدون أن يجرِّدوا المقاومة من السلاح، تتبنى أنظمة عربية هذا الطرح، وفي نفس الوقت هم لم يفعلوا شيئاً لغزَّة، فكيف سيفعلون لها شيئاً ما بعد ذلك؟!
القضية بحاجة إلى فهم، طبيعة الصراع بحاجة إلى فهم، القرارات والخيارات ينبغي أن تكون مرتكزةً إلى وعيٍ حقيقي بالعدو، وبالقضية نفسها (القضية الفلسطينية):
- كيف هي بالنسبة للأعداء؟
- على أيِّ أساسٍ ينطلقون؟
- المرتكزات التي يبني عليها العدو، توجهاته، وقراراته، ومنطلقاته، ومواقفه.
كل هذا يتجاهله العرب.
هنــــاك ثــــلاث ركائـــز متشـــابكـة، بُنِيَ عليها الوجود للعدو الإسرائيلي ككيان يغتصب فلسطين، وليس يريد فلسطين لوحدها فقط، بل هو يريد ما هو أكثر بكثير، وبشراكة أمريكية وغربية، البريطاني يشترك معه في هذه الركائز، الأمريكي يشترك معه في هذه الركائز، وهناك حركة واسعة، يعني: أصحاب القرار في الغرب، ولهم امتدادهم، كل من لديهم توجُّه صهيوني في الغرب، ولديهم امتدادهم الكبير والمسيطر على القرار في أوروبا، هم يشتركون في هذه الركائز الثلاث:
• أولها: المعتقـــد الدينــي:
يعني: هناك معتقد مشترك ما بين الصهاينة من اليهود والنصارى، اليهود ومن يواليهم ويشترك معهم من النصارى في ذلك المعتقد، وهو: أنَّه من الضروري- بالنسبة لهم- دينياً، يعني: كمسؤولية دينية، بل وضمن المشروع الديني لهم- يعني: يعتبرونه مشروعاً دينياً- أن يغتصبوا أرض فلسطين، ومناطق شاسعة، يعني: تشمل الشام، تصل إلى العراق، تصل إلى مصر، مساحة واسعة من الجزيرة العربية، تشمل المناطق والمواقع والأماكن المقدَّسة لدى هذه الأُمَّة، تشمل (مكَّة، والمدينة، والأقصى والقدس)، أن يحتلُّوا هذه المساحة، وأن يقيموا عليها حكومةً عالمية، تمتلك النفوذ والسيطرة العالمية، تسيطر على المسلمين، وتعمل على إبادتهم؛ لأنهم يعتبرونهم في التصنيف الديني لديهم وفي غيره، التصنيف الديني وغيره، يعتبرونهم أشراراً، ويعتبرونهم غير بشر؛ وإنما بأشكال آدمية، ويعتبرونهم غير لائقين بالوجود في هذه الحياة، هذا معتقد ديني بالنسبة لليهود، يؤمنون به، يؤمنون به، راسخٌ لديهم، وهذه هي نظرتهم إلى كل العرب بدون استثناء، حتى من يواليهم، من يحبهم، من يعظِّمهم، من يخون دينه وأُمَّته من أجلهم، لا تتغير نظرتهم إليه إطلاقاً.
ولهـذا نجد في نصوص، وهذه نماذج منها، وإلَّا لديهم مئات النصوص التي تكشف كيف هي نظرتهم إلى أُمَّتنا، إلى شعوبنا:
- في بعض النصوص من التلمود هذا النص: [اليهود بشرٌ لهم إنسانيتهم؛ أمَّا الشعوب والأمم الأخرى فهي عبارة عن حيوانات]، هذا بالنسبة لهم رؤية، ومعتقد ديني، ونظرة راسخة، فنظرتهم إلى بقية الشعوب، وفي المقدِّمة: الإسلامية والعربية، أنها ليست حتى في مستوى بشر، بل في بعض نصوص التلمود أنهم: [أقل رتبةً من مستوى الكلاب والخنازير]، العرب عندهم بهذا الشكل، يعني: ليسوا حتى في مستوى الكلاب والخنازير (أدنى مرتبة)، هذه نظرتهم: نظرة احتقار تام، إذا كانوا لا يعترفون للعرب بأنهم حتى من البشر، ولا حتى في مستوى مرتبة الكلاب والخنازير، أليست هذه نظرة سيئة جدًّا؟! ما الذي سيبنى عليها في التعامل مع العرب؟!
- من نصوص التلمود هذا النص: [ملعونةٌ هي جميع الشعوب، ومباركةٌ هي أُمَّة اليهود]، فهم يلعنون كل العرب، يلعنون كل المسلمين، يعتبرونهم أُمَّة ملعونة، يجب أن تباد، وأن يقضى عليها.
- في نصوص التلمود هذا النص: [وهب الله اليهود حق السيطرة والتصرف بدماء جميع الشعوب وما ملكت]، [بدماء جميع الشعوب وما ملكت]، يعتقدون أنَّ الله قد فوَّضهم، أعطاهم تفويضاً مطلقاً أن يتصرفوا في دماء الشعوب وما ملكت؛ وبهذا يستبيحون كل الشعوب في الدماء، يعتبرونها مهدرة الدماء، ومستباحة شرعاً عندهم، الحاخامات يفتونهم بذلك، التربية العقائدية منذ الطفولة تقوم على هذا الأساس، وكذلك: [وما ملكت]، كل الممتلكات: أراضيها، ثرواتها، نفطها... وغير ذلك.
في جرائم الاغتصاب، يشرعنون عندهم هم جرائم الاغتصاب بكل وحشية، مع أنها من أبشع وأشنع الجرائم على المستوى المتعارف عليه بين البشر، وقبل ذلك في شرع الله، وفي نهج الله، وفي الميزان الأخلاقي، والاعتبار الأخلاقي، وحتى في الاعتبار الإنساني، وهم يتنكَّرون لكل ذلك.
- من نصوص التلمود فيما يتعلَّق بجرائم الاغتصاب: [يحل لليهود اغتصاب غير اليهودية، ولكن يحرم عليه الزواج بها]، يُحِلُّون الاغتصاب؛ ولـذلك كان المتدينون منهم يبرِّرون الاغتصاب للأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات، بل المجرم (بن غفير) قال: أنها طريقة مناسبة للانتقام؛ فهم يجعلون المسألة حتى مناسبة، وليس فقط يعتبرونها أمراً عادياً، أكثر من ذلك، وهي جريمة بالإجماع البشري.
- أسوأ من ذلك، يقولون هذا نص من التلمود: [يحلّ اغتصاب الطفلة غير اليهودية متى بلغت من العمر ثلاث سنوات]! إلى هذا المستوى، وحشية وإجرام في غاية البشاعة، يُحِلُّون اغتصاب حتى الطفلة التي هي لا تزال في المرحلة الأولى من طفولتها، عمر ثلاث سنوات يُحِلُّون اغتصابها.
في مسألة الاستباحة للممتلكات تَقَدَّم نص: [وما ملكت] إباحة دماء جميع الشعوب وما ملكت.
- هناك نص أيضاً يقول في التلمود: [الاستيلاء على ما يملكه غير اليهودي عملٌ له مسرَّاته دائماً]، يعني: عمل يبعث على السرور، عمل يعتبرونه إيجابياً ومريحاً، وفعلاً هي نفسيتهم العدوانية، المتوحِّشة، الضالَّة، المجرمة، لديهم خلفية ثقافية ظلامية، نتاجها هو الإجرام، نتاجها هو الطغيان، التكوين النفسي الذي تصنعه تلك الثقافة الباطلة، والأفكار الظلامية، والمعتقدات الظلامية، ينتج هذا النتاج.
- يقولون أيضاً في نص من التلمود: [أملاك غير اليهودي ليست ملكاً لأحد]، يعني: لا يعترفون بأنها ملكاً، أي ممتلكات لأي ناس (مسلمين، عرباً)، وهي ممتلكات لهم، لا يعترفون بأنها ممتلكات لهم؛ لأنهم عندهم أطراف لا يتملَّكون شيئاً، حتى لو كان ملكاً لهم، يعتبرون أنهم لا يتملَّكون، ثم يقولون: [ولأول يهودي يصادفها مطلق الحق في الاستيلاء عليها].
كل هذا لخَّصه الله لنا في القرآن الكريم، بقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]، يعني: الاستباحة، يعني: الاستباحة- بالنسبة لهم- للدم، والعرض، والمال، والممتلكات، هي معتقد ديني، معتقدٌ ديني، وباحتقار إلى هذه الدرجة: أنهم يعتبرون العرب أقل رتبةً من الكلاب والخنازير، لا يحملون أي مثقال ذرة من الاحترام.
- في سفك الدماء، يقولون: [من يسفك دم غير يهودي، فإنَّه إنما يقدِّم قرباناً لِلرَّبّ]، ويستبيحون بذلك قتل الأطفال، النساء، الكبار، الصغار، كما في النص الآخر المحرَّف عندهم، الذي يقول: [اقتل كبيراً وصغيراً، رجلاً وامرأةً وطفلاً، اقتل بقراً وحميراً وغنماً، اقتل كل ذلك، دمِّر كل شيء، أحرق كل شيء].
هكذا هم، هكذا هي نظرتهم، هكذا هي نفسيتهم، وهكذا هو توجُّههم، وهكذا هي ممارساتهم الفعلية، هم عملوا كل ذلك في قطاع غزَّة ضد الشعب الفلسطيني بمرأى ومسمعٍ من العالم، فهي ليست مجرَّد عقيدة تركوها في التلمود، ولم يعملوا بها، كمثل حال المسلمين، الذين لا يعملون بتعليمات عظيمة، مقدَّسة، راقية، يُبنى عليها الخير والشرف والمجد بين أوساط الأمم قاطبة، أولئك يعملون بتلك النصوص والمعتقدات التي هي شر، ظلامية، باطلة، كلما تجسَّدت فعلياً في الواقع؛ ظهرت بأبشع صورة، إلى تلك الدرجة التي يعترف عنها الرئيس الأمريكي، بقوله عن الوضع في قطاع غزَّة، الناتج عن ذلك الإجرام بكله، بأنه: [مخزٍ، وكارثي، وعار، وفاجعة]، كل العبارات تلك.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بيَّن لنا حقيقتهم، وهم يبيِّنون عن حقيقتهم، يعني: لديهم معتقد ديني- كما قلنا- أنه لابدَّ أن يسيطروا على هذه المنطقة، أن يبيدوا شعوبها، ويعتبرون ذلك أمراً مهماً بكل الاعتبارات، وبأحقاد رهيبة جدًّا.
• اليهود الصهاينة مع المعتقد الديني: الأطماع:
لأنه معتقد- أصلاً- صُمِّم بالباطل؛ ليكون بالفعل منسجماً بشكلٍ تام مع تلك الأطماع: الاستباحة للناس، لممتلكاتهم، لثرواتهم، لأوطانهم، تحقيق حلم كبير لديهم، في أن يجعلوا من سيطرتهم على منطقتنا، بموقعها الجغرافي المهم، أن يجعلوا منه وسيلةً للسيطرة العالمية، للنفوذ العالمي، هم يتَّجهون إلى آراء وثقافات لديهم ومعتقدات، مبنيةٌ على أنهم سيتمكَّنون من السيطرة الدينية وفق رؤيتهم الصهيونية، ومعتقداتهم الصهيونية، وفي إطار التَّمَلُّك على كل العالم، من خلال هذا المركز في هذه المنطقة، أن يجعلوا منه موطناً لحكومةٍ تسيطر عالمياً، تستعبد كل الشعوب، تستذل كل الأمم، تسيطر على كل الثروات، وهم بأطماعهم وشهيتهم التي لا حدود لهم، يعني: مع أنهم من أثرى الأمم، من أثرى الشعوب، من أكثرها ثروةً، وينهبون المال ويأخذونه بكل الوسائل المحرَّمة، مع ذلك: وجَّهوا تهمتهم إلى الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[المائدة:64]، يتَّهمون الله بالبخل، مع أنهم من أثرى الأمم، ولا أحد ينهب كما نهبوا.
انظروا إلى تصريحات السفير الأمريكي لدى كيان العدو، ماذا قال؟ قال أيضاً: [أنا أقول للناس طوال الوقت]، يعني: هو يتحدَّث، يشتغل توعية، يحاول أن يعمِّم هذه المفاهيم، هذه الرؤية، هذه النظرة، [أنا أقول للناس طوال الوقت: أمريكا لديها من الأصدقاء، لدينا عدد غير قليل من الحلفاء، لكن في الحقيقة لدينا شريكٌ حقيقيٌ واحدٌ فقط، وهي إسرائيل]، لا يعتبر الباقية شركاء، يعتبرهم في واقع الحال عبيداً وخدماً، يغطي على المسألة حينما يقول: حلفاء، أصدقاء... غير ذلك، يقول: [لدينا شريكٌ حقيقيٌ واحدٌ فقط، وهي إسرائيل]، ثم ماذا يقول السفير الأمريكي؟ يقول افتراءً على الله، افتراءً على الله: [الله اختار الشعب اليهودي، والمهمة التي أعطاها لهم هي أن يكونوا نوراً للأمم، ومن خلالهم ستظهر الحقيقة الإلهية، وأعطاهم مكاناً قطعة أرض، ربما الأرض الأكثر إثارةً للجدل في العالم كله، وقال: هذا لكم]، هذه هي الرؤية الأمريكية، والعرب يذهبون إلى الأمريكي ليستجدوا منه هو أن يُعيد فلسطين لفلسطين، والأمريكي يقول: هذه قطعة أرض وليس فقط فلسطين، هو يشمل المنطقة بكلها، [قد أعطاها الله لليهود، وقال: هذه لكم]، يقول: [إن الله اختارهم ليكونوا نوراً للأمم]! أي نور؟! أولئك الظلاميون، المجرمون، المتوحِّشون، المعادون للبشرية، المستهترون بحرمة البشرية، بحرمة الحياة الإنسانية، بحق الناس، المستبيحون لكل شيء، أي نور؟!
تصريحات رئيس مجلس النواب الأمريكي، في زيارته لمغتصبات الضِّفَّة الغربية هذا الأسبوع، زار ما يُسَمُّونه بـ [المستوطنات] في الضِّفَّة الغربية، وماذا قال عند زيارته لها؟ قال: [إنه يشرِّفه أن يكون أرفع مسؤول أمريكي يزور رسمياً تلك المناطق]، هذا التعبير بالشرف عن أي دعم للعدو الإسرائيلي، عن أي خدمة يقدِّمها الأمريكي للإسرائيلي، هذا يتكرَّر، يتكرَّر في تصريحات رؤساء، ليس فقط هذه الإدارة الأمريكية، وما قبلها، وفي هذه الإدارة يتكرَّر كثيراً: أنه يشرفهم أن يدعموا الإسرائيلي، أن يعينوه، أن يقدِّموا له كل أشكال الدعم، أن يقاتلوا معه، أن يقدِّموا له كل شيء، كل الجهود، يعتبرون ذلك شرفاً، انظروا يعتبرونه شرفاً، وهم يدعمون الإجرام، والطغيان، والظلم، والإبادة للأطفال والنساء، والتجويع للشعوب، والإبادة لِلعُزَّل من السلاح، والانتهاك للأعراض، والاغتصاب... كل أشكال الإجرام، ومع ذلك يقولون: [شرفاً]! يشرِّفهم؛ ولا تتَّجه هذه الأُمَّة الإسلامية لمناصرة المظلوم، المعتدى عليه، في إطار الحق، والقضية العادلة، الذي فيه الشرف الحقيقي، لا تتحرَّك هذه الأُمَّة في إطار مبادئها العادلة، الصحيحة، لإقامة القسط، في الاستجابة لله تعالى فيما فيه الشرف، لا تتحرَّك بهداية القرآن، الذي قال الله عنه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف:44]: شرف كبير لهذه الأُمَّة.
هذا رئيس مجلس النواب الأمريكي يقول أيضاً في زيارته تلك، قال: [إنَّ الكتاب المقدَّس يعلِّمه أن هذه وُعِدَت للشعب اليهودي]، وقال: [هي من حقكم، ونحن نقف معكم]، هكذا هو الأمريكي، الأمريكي الذي يدعم الإجرام، يدعم الظلم، يدعم العدوان، ويفتري على الله، افترى على الله كذباً، هذه عادة متأصِّلة لديهم، وإرث ورثوه، إرثٌ وورثوه، هذا الاتِّجاه المنحرف على مدى التاريخ، وهو يفتري على الله الكذب.
الأمريكي الذي أحيت اليابان بالأمس ذكرى جريمته الكبرى بحقها، إطلاقه القنبلة الذرية على (هيروشيما)، ومن بعدها بعد أيام على (نجازاكي)، الأمريكي بكل وحشيته وإجرامه، وهو حتى اليوم لم يعتذر من اليابان على إجرامه ذلك، الذي أباد فيه الآلاف من الأطفال والنساء، سكان مدينة كاملة، سكان مدينة كاملة، من المدنيِّين العُزَّل من السلاح، الأطفال والنساء، أبادهم في ثوانٍ، في غضون ثوانٍ، هو بكل هذا الإجرام، بكل هذا الطغيان، يواصل اتِّجاهه الإجرامي في دعم العدو الإسرائيلي.
هؤلاء من كان ينبغي أن يقال لهم: لا يجوز أن تمتلكوا السلاح، ولا القدرات العسكرية، (الإسرائيلي، الأمريكي) الذين يوجِّهون حتى أفتك أنواع الأسلحة لإبادة الشعوب البشرية، والمجتمع البشري بشكلٍ جماعي، في إبادةٍ جماعية، هم أصحاب الإبادة الجماعية كسلوك، ورؤية، ومنهج، وممارسة، وعمل، وفعل، يمارسونه ضد المجتمعات البشرية، وهم خطرٌ على كل المجتمعات البشرية، في أُمَّتنا الإسلامية وبلادنا العربية في المقدِّمة، وعلى غيرها كذلك، هم من ينبغي أن يقال لهم: تواجد السلاح معكم يشكِّل خطراً على الناس، على الأطفال، على الكبار، على الصغار، على النساء؛ لأنهم مجرمون متوحِّشون؛ وليس أن يقال للمظلومين، المعتدى عليهم، ومن يمتلكون الضوابط الإنسانية والأخلاقية، في حدود استخدام السلاح في إطار الموقف الحق، والقضايا العادلة، أن يقال لهم: [لا ينبغي أن يكون لديكم سلاح]! هذا هو الحال بالنسبة للواقع الذي يعمى عنه العرب، يعمى عنه العرب.
ولذلك نحن نقول: أنَّ كل الرؤى والتَّوَجُّهات لدى بعض الأنظمة العربية، والنخب، والشخصيات، المخالفة للقرآن الكريم، هي عمياء، وظلامية، وباطلة، وهي تكبِّد الأُمَّة الكثير من الخسائر، ما حصل من كوارث، وخسائر، وفجائع، في فلسطين وفي غير فلسطين، هو نتاج لمثل هذه الرؤى الغبية، الجاهلة، التي لا تستند إلى أسس صحيحة في تقييم القضية، وتقييم العدو، من مثل رؤية: تجريد الشعب الفلسطيني من السلاح، وتجريد لبنان من قوته في مقاومته.
لاحظوا، منذ أيام الاحتلال البريطاني لفلسطين، كان عنوان السلام وخيار السلام يتكرَّر، ما بعد ذلك، منذ بداية سطوة العصابات الصهيونية اليهودية على فلسطين، واحتلالها لأجزاء واسعة من فلسطين، طُرِح منذ تلك المرحلة المبكرة خيار: [حل الدولتين]، وكان دائماً يُطْرَح للخداع من جهة، ولمنع أي تحرُّك فلسطيني أو عربي ضد الاحتلال، وضد السيطرة الإسرائيلية من جهة أخرى، ثم يتكرَّر عشر سنوات، بعد عشر سنوات، إلى سبعين عاماً، إلى سبعة وسبعين عاماً، وإلى اليوم يتكرَّر باستمرار، هذا هراء، وسخافة، وغباء رهيب جدًّا، وإصرار على الاستمرار في خيارات فاشلة، باطلة؛ بينما خيار الجهاد في سبيل الله تعالى هو الخيار الناجح.
ثبات الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة على مدى اثنين وعشرين شهراً، يثبت أنَّه خيار ناجح؛ لأنه ثبات عظيم، منع العدو الإسرائيلي في كل هذه المُدَّة الزمنية من السيطرة التَّامَّة على قطاع غزَّة، ومن تحقيق أهداف كاملة، بالرغم من إمكانات محدودة للغاية، إمكانات- على مستوى الإمكانات المادية- بسيطة للغاية، يعني: أنه خيار ناجح، ينبغي أن تدعمه الأُمَّة، أن يحظى بالمساندة.
يواصل الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة عملياتهم الجهادية، البطولية، بتفانٍ واستبسالٍ منقطع النظير، ونفَّذت كتائب القسام في هذا الأسبوع قرابة (اثني عشر) عملية متنوعة، منها: استهداف آليات العدو الإسرائيلي، وعمليات قنص لجنوده المجرمين، وعمليات قصف لتجمعات عصاباته الإجرامية، وعمليات مشتركة بينها وبين سرايا القدس، وعمليات من سرايا القدس ومن الفصائل الأخرى.
العدو الإسرائيلي هو يعبِّر عن خيبة أمله، بما يشهد على فاعلية وتأثير هذا الفعل المجاهد المقاوم في قطاع غزَّة، خيبة الأمل الإسرائيلي عبَّر عنها رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق (عاموس يدلين)، بقوله: [إسرائيل تواجه استنزافاً، وهي غارقة في غزَّة، وتقترب من هزيمةٍ استراتيجيةٍ عميقة]، هناك خيبة أمل، هناك تصريحات كثيرة، تتضمن هذا النوع من الاعترافات، تصريحات لقادة عسكريين، ولأمنيين... ولغيرهم، بما فيها فيما يتعلَّق بالخيارات التي تُطرح هذه الأيام لدى المجرمين الصهاينة بشأن الاحتلال الكامل لغزَّة، يقولون: أنَّ ذلك لا يعني نهاية المعركة، ولا نهاية حماس؛ وإنما يورِّط العدو الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة الأمد لسنوات طويلة، مع مخاطر خسارة كبرى، وخسارة الأسرى (أسراهم).
فيمــــا يتعلَّـق بالمظاهــــرات المسانــــدة لغـــزَّة:
- في بلاد الإسلام: كان هناك في (ثمانية بلدان) إسلامية وعربية، اليمن في الصدارة فيها وفي كل العالم، اليمن في الصدارة في النشاط الشعبي، في المظاهرات، في الخروج.
- هناك أيضاً في أمريكا وأوروبا وبلدان مختلفة من العالم، في (سبعة عشر بلداً) مظاهرات، البعض منها يستهدف بالقمع والاضطهاد، مثلما يحصل في أمريكا وألمانيا، هناك مظاهرات كبيرة في العاصمة النرويجية بين الأمطار الغزيرة، مظاهرات كبيرة في أستراليا.
الأمريكي مستمرٌّ أيضاً في مضايقة طلاب الجامعات، وبعض الجامعات أصبحت الجهات الإدارية فيها تتعاون مع الأمريكي ضد الطلاب، في إجراءات تعسفية وظالمة.
هناك خطوة في أوروبا لحكومة (سلوفينيا)، أول دولة أوروبية تحظر استيراد وتصدير ونقل الأسلحة إلى إسرائيل، هذه خطوة جيدة، والمفترض بكل الحكومات الأوروبية أن تتَّخذ مثل هذه الخطوة، إن كانت صادقة فيما تعبِّر به عن تعاطفها مع الشعب الفلسطيني.
في عمليــــات الإسنـــــاد مـن يمــن الإيمـــان، في معـــركة الفتـــح الموعــود والجهــــاد المقـــدَّس:
نُفِّذت هذا الأسبوع عمليات بـ (أربعة عشر) ما بين صواريخ وطائرات مسيَّرة، صواريخ فرط صوتية وبالِسْتِيَّة، البعض منها استهدف (مطار اللد)، ودوَّت صفارات الإنذار في أنحاء واسعة من فلسطين، وهرب الملايين من الصهاينة إلى الملاجئ، وعُلِّقت حركة الطيران في (مطار اللد).
كان هناك أيضاً استهداف لأهداف تابعة للعدو الإسرائيلي في (يافا، وحيفا، وعسقلان)، وعمليات بحرية في أقصى شمال البحر الأحمر، والحظر للملاحة مستمرٌّ، وناجحٌ، وفعَّالٌ، ومؤثِّر، وميناء (أم الرشراش) الذي يُسَمِّيه العدو بـ [إيلات] مغلق (مُقَفَّل).
فيمــا يتعلَّــق بالأنشطــــة الشعبيـــة في بلدنــــا:
- كان هناك لقاءً موسَّعاً في محافظة ريمة للعلماء والخطباء، برعاية من المؤسسة المهمة في البلد التي تنظِّم النشاط العلمائي (رابطة علماء اليمن)، هذا اللقاء هو نموذج، ينبغي أن تحذو حذوه كل الجهات العلمائية وخطباء المساجد في مختلف البلدان العربية والإسلامية.
- هناك تخرُّج لدفعة كبيرة للتعبئة في جامعة صنعاء، وكان لهم عرض كبير بالأمس.
- المسيرات الجامعية الضخمة في عددٍ من المحافظات اليمنية، منها: في الحديدة، وحجَّة، أيضاً أكاديمية القرآن الكريم فيما يتعلَّق بالطلاب، وأيضاً بالطالبات، كان لهم خروج وفعاليات.
- الخروج الطلابي كان بمسيرات ضخمة بالأمس، في صنعاء، وصعدة... وغيرهما.
- هناك نشاط واسع وعظيم ومشرِّف في اليمن: الوقفات القبلية.
كل أنواع الأنشطة في هذا البلد هي- كما كرَّرنا- نموذج مهم لبقية الشعوب.
العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، وحتى الأنظمة الأوروبية الأخرى التي تدعم العدو الإسرائيلي، لو أنهم لحظوا أن العدوان على الشعب الفلسطيني، والإجرام الرهيب جدًّا، الذي أصبحوا يعترفون حتى هم بمستوى فظاعته، ووحشيته، وبشاعته، وأنه كارثة، وأنه فاجعة، وأنه عار...إلخ. لو أنهم لاحظوا أن ردة الفعل في أوساط الشعوب نفسها، في البلدان العربية والإسلامية، بمثل ما هو عليه الحال في اليمن: حالة استنهاض كاملة، حالة تعبئة واسعة، المساجد، المدارس، الجامعات، كل فئات الشعب تتحرَّك؛ لأخافهم ذلك، ولحسبوا لذلك حسابهم، لو أنهم رأوا أن هناك حالة سخط عارمة في أوساط الأُمَّة، يُعَبَّر عنها وتترجم عملياً، حتى على مستوى مواقف الأنظمة؛ لكان للموقف الشعبي الواسع التأثير المهم في قرارات ومواقف الأنظمة والحكام، لكن البعض من الأنظمة والحكام يتَّجه لتجميد الشعوب؛ وهي تجمد، وأن تكون ساكتة؛ فتسكت، وأن تكون قاعدة؛ فتقعد، وهي مئات الملايين، وبهذا كُبِّلت أُمَّة كبيرة على وجه الأرض، هي أُمَّة الملياري مسلم، في حالة مخزية للغاية، وفضيحة بين الأمم، وفضيحة أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فضيحة وخزي رهيب، وتبعات، تبعات؛ لأن هذا تفريط كبير، وذنب عظيم، يتعاظم كلما طال الوقت، كلما كبرت الجريمة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، كلما عظمت مأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني.
شعبنا العزيز في نشاطه الواسع مستمرّ، في إطار موقف يشرفه أمام الله، الاستمرار مهم؛ لأنه استمرار في عمل عظيم، عمل صالح، جهاد في سبيل الله، أداء لمسؤولية عظيمة؛ ولـذلك كلما استمر الإنسان، هو يزداد في أن يحظى برصيدٍ عظيمٍ من العمل الصالح، من القربة إلى الله، من العمل المشرِّف الذي يبنيه نفسياً، في نفسيته، في وعيه، في عزمه، في إيمانه، في قيمه الإنسانية؛ لأن الاتِّجاه الصحيح على أساسٍ من هدي الله وتعليماته يزكو به الإنسان، يزداد قربة إلى الله، يتنامى وعيه، بصيرته، رشده، وزكاء نفسه؛ والاتِّجاه الخاطئ، يزداد به الإنسان عَمَىً، يزداد به الإنسان دنساً لنفسه، هبوطاً في معنوياته، ويتَّجه إلى الحضيض والعياذ بالله.
الاستمرار والثبات بالزخم العظيم شيءٌ مهمٌ جدًّا، أداء لمسؤولية بيننا وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، طاعة لله، قربة إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وعمل له أهميته حتى في بناء واقعنا كَأُمَّة وشعب قوي، واعٍ، مستبصر، حُرّ وعزيز، ترجمة حقيقية لكل معاني العِزَّة الإيمانية والكرامة الإنسانية، ومرضاةٌ لله تعالى قبل كل اعتبار.
المسيرات والمظاهرات الكبرى في الأسبوع الماضي، في صنعاء وبعض المحافظات، كانت حتى بين الأمطار، وهذه نعمة يعني، الأجواء كانت ممتعة، الحضور بين الأمطار الغزيرة عمل فيه قربة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيه تأكيد على أهمية هذا العمل، وفي نفس الوقت الحرص على أداء هذا العمل مهما كانت أجواء الطقس، هناك أيضاً في الحديدة وبعض المحافظات خروج واسع وكبير بالرغم من الحرارة الشديدة، حرارة شديدة بين حرارة الشمس، مثلما هو عليه الحال في محافظة الحديدة، في بعض حجَّة، في الجوف، في بعض مأرب... في مناطق أخرى، المناطق ذات الطابع الصحراوي.
الخروج في كل الأحوال هو يعبِّر عن هذا التصميم، هذا الثبات، هذا العزم الإيماني، هذه القيم الإنسانية والأخلاقية والإيمانية، التي تجسِّد- حتى فيما يتعلَّق بالمشاعر الإنسانية- قول رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" عن يمن الإيمان وشعب اليمن بأنهم: ((ألين قلوباً، وأرق أفئدة))، حتى على مستوى المشاعر الإنسانية، شعب له مشاعر إنسانية، يحزن، يألم، حينما يشاهد معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، حينما يشاهد تلك المشاهد المأساوية للغاية، مشاهد الأطفال الرُّضَّع وغير الرُّضَّع، وهم يموتون من التجويع، مشاهد القتل والإبادة، مشاهد المأساة في كل تفاصيلها؛ يحزن، يتألم، لا يستسيغ أن يقعد، أن يسكت، أن يجمد، وهم بين تلك المعاناة؛ ولهـذا شاهدت البعض من الآباء حينما سُئِل، سُئِل هل تخرج بين المطر، ولماذا تخرج بين المطر؟ قال: [أهل غزَّة تحت القنابل، تحت الرصاص، إذا كنا نخرج نحن بين المطر]، المطر نعمة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني العظيم، الواسع، يوم الغد إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات:
- جهاداً في سبيل الله.
- وابتغاءً لمرضاته "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، ومجاهديه الأَعِزَّاء.
نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛