وحينما نتحدث في هذه المناسبة عن عنوانها الرئيسي (الشهداء)، نأتي في المقدمة إلى الحديث عن الشهادة، ما هي الشهادة، وماذا تعنيه الشهادة؟ من المعروف أن لدى البشر- بشكلٍ عام- اعتراف بتقديس الشهادة، وللشهداء منزلة رفيعة وعالية ومقام عظيم وسامٍ لدى البشر بمختلف مشاربهم، ولهذا نلحظ مثلاً أن مختلف التيارات والقوى، مختلف الأقوام، مختلف الملل، أغلبهم يسمون قتلاهم بالشهداء، قتلاهم في مواقفهم، في قضاياهم، في اتجاهاتهم …الخ. يطلقون عليهم لقب الشهداء، وحتى الأقوام- أحياناً- أو التيارات التي لا تعترف بالدين ولا تركز على مسألة الإيمان بالجنة والنار، أو لا تربط مواقفها بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، بل تعتبر اتجاهها في هذه الحياة، فيما هي فيه من مواقف وتوجهات، مجرداً عن ما يسمى: قيماً أخلاقاً، مبادئ، يطلقون عليه مثلاً: موقفاً سياسياً مجرداً، منفصلاً عن كل هذه الاعتبارات، أو أي عنوان من العناوين، حتى هم- في الغالب- يسمون القتيل منهم بالشهيد، يطلقون عليه عبارة الشهيد ومسمى الشهيد؛ وهذا لأن الوجدان الإنساني يقدر ويعز الشهداء، ويعترف بعظمة وسمو الشهداء، ولذلك حرص الكل أن يسموا قتلاهم بالشهداء، بغض النظر عن أي توجه، عن أساس الموقف، عن طبيعة الهدف، … الخ. ولذلك هذه أول نقطة، أو النافذة التي نطل منها على الشهادة.
الشهادة في سمو وعظمة منزلتها واعتبارها لدى الجميع، الشهيد في مقامه العظيم والعالي، وما حظي به من شرف باعتراف الكل، ولذلك يتنازعون على هذا المسمى، كلٌ يريد أن يكون قتلاه الذين ضحوا، أو قدموا وأعطوا في اتجاهه، أن يكونوا بهذا العنوان وبهذا الاسم، ونلحظ مثلاً: أن البعض لم يعد لديهم حتى فهم صحيح عن مسألة الشهيد الحق، والشهادة الحقة التي تعتبر وفق التوصيف القرآني، وفق التسمية الإلهية التي ارتبط بها الوعد الإلهي فيما وعد الله به الشهداء، حصل التباس لدرجة أن البعض مثلاً: يتصور أن عنوان الشهيد يتعلق بأي قتيل، كل قتيل بنظرهم يعتبر شهيداً ويرون فيه أنه شهيد، باعتبار أنه قتيل، فمن قتل فهو في نظرهم شهيد، ولغياب مثلاً حالة التثقيف، أو تشوش حالة التثقيف والتوعية تجاه هذا الأمر وتجاه هذه المسألة، طبعاً يمكن النظر إلى كثير من هذه الحالات التي يطلق فيها هذا المسمى على كثيرٍ من الناس بالعُرف، المسمى العرفي والعنوان العرفي، يعني: شيء تعارفوا عليه بهدف التقديس، أو التثمين والتقدير للتضحية التي قدمها شخصٌ ما، لكن علينا أن نعي جميعاً ما هو المعنى الحقيقي والصحيح للشهيد والشهادة، ومتى يكون الإنسان فعلاً شهيداً في سبيل الله.
هناك أيضاً في الأوساط الدينية لدى البعض سوء تقديم وسوء ترغيب في الشهادة في سبيل الله، فمثلاً: البعض- حتى تحت العناوين الدينية- يقدم عنوان الشهادة وكأنها مجرد عملية انتقال بسبب الاستعجال السريع للانتقال إلى الجنة والتنعم بالحور العين، كثير يقدم الشهادة هكذا، يعني مسألة إنسان عجال، زهق من هذه الحياة يشتي يتنعم، يريد يرتاح، ومستعجل جدًّا للذهاب إلى الحور العين، ويأتي من بعض الأوساط ذات العناوين الدينية غير الواعية، يأتي كثيراً الشّد إلى الشهادة والترغيب في الشهادة تحت عناوين مادية بحتة: إما الحور العين، أو غير ذلك من النعيم، وأصبحت منهجية- ربما- لدى البعض، مثل: القوى التكفيرية، منهجية محاطة بأساليب معينة وطرق معينة، تُحدث تأثيراً في البعض، فيذهب هكذا: ليس لديه قضية، ليس لديه مبدأ، ليس لديه أي شيء، المسألة ملخصة عنده ومختصرة عنده في حدود أنه يريد أن يذهب ليجعل من عملية القتل وسيلة إلى انتقال سريع إلى هناك، إلى ما قد شدوا أنظاره إليه وعبأوه به بشكل جذاب ومغرٍ جدًّا جدًّا، حتى بات لا يفكر في أي شيء، إلا في الحوراء ومعانقتها والحياة معها… الخ.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ