وبقي الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، يعمل بكل جهده لاستنهاض الأمة، وتوعيتها في ظل معاناةٍ كبيرة، من حالة الجمود والتخاذل التي سيطرت على الأمة، وحالة الخوف التي كبلت الكثير من المسلمين إلى درجةٍ أطمع طغاة بني أمية على الإقدام على خطوة في غاية الخطورة على الإسلام والمسلمين، بتنصيب يزيد ابن معاوية- لعنه اللّٰه- حاكمًا على العالم الإسلامي، بكل ما هو عليه من إجرامٍ، وفجورٍ، واستهتارٍ بالإسلام، وسفةٍ، وطغيان، وذلك كما قال الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ": ((وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد)).
ومع ذلك كان في مقدمة ما حرص عليه طغاة بني أُمية وأتباعهم لتمكين يزيد من رقاب الأمة؛ هو أخذ البيعة من الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، لضمان ألا يعارضهم بعد ذلك أحد، فعبر واليهم على المدينة المنورة طلبوا من الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، البيعة ليزيد، فكان رده عليهم: ((إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجلًا فاسقًا، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلنٌّ بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله)).
وقد تحرك الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَام"، للتصدي لتلك الخطوة حيث اتجه إلى مكة لقلة الأنصار في المدينة، وليتمكن هناك من اللقاء بالمسلمين من مختلف الأقطار الإسلامية، والسعي لاستنهاضهم، وتذكيرهم بمسؤوليتهم، وبالخطورة عليهم من استحكام سيطرة يزيد، إلا أن بوادر التحرك من بين كل أقطار العالم الإسلامي كانت فقط في العراق، حيث بادر الكثير من أهل الكوفة، وزعمائهم، والبعض من أهل البصرة، بإرسال الرسائل والوفود إلى الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ" في مكة، لإيضاح موقفهم الرافض لتنصيب المجرم يزيد على رقاب الأمة، وبالبيعة، والولاء، والنصرة، للإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، مع العهود والمواثيق على ذلك، فأرسل "عَلَيهِ السَّلَامُ" ابن عمه مسلم بن عقيل، لاستطلاع الوضع من قريب، والتأكد من موقفهم، ولإقامة الحجة عليهم أكثر، فوجد من إقبالهم وتفاعلهم وعهودهم ما وافق رسائلهم، وكتب بذلك إلى الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، فانطلق الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، من مكة صوب العراق مع أهل بيته، وأصحابه الأوفياء الأبرار، وفي أثناء ذلك كانت التحركات التي تجري في الكوفة، بعد وصول المجرم ابن زيادٍ إليها، لخدمة يزيد، وبدأ التخاذل في أوساط الكوفيين آنذاك، عن مسلم بن عقيل، حتى استشهد وحيدًا غريبًا.
ثم تم تجييش الجيوش، لمحاربة سبط رسول اللّٰه "صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، خارج الكوفة، وقبل وصوله إليها في كربلاء، بينما كان الإمام الحسين "عَلَيهِ السَّلَامُ" مع أهل بيته، وسبعين شخصًا من أصحابه، لقيه الآلاف المؤلفة من الذين تم تجييشهم لقتاله، بقيادة عمر بن سعد -لعنه اللّٰه، حيث خيروه بين الاستسلام والخنوع والخضوع ليزيد، أو الحرب والقتل، فاتخذ الموقف الحاسم الذي يقتضيه إيمانه العظيم، وإيثاره لمصلحة الإسلام، ولخير الأمة، وبوعيه بخطورة الخنوع ليزيد، وما كان سيترتب على ذلك من طمسٍ لمعالم الإسلام، وخنوعٍ دائمٍ في أوساط الأمة، للمجرمين الطغاة، فاتخذ قراره بالثبات على موقف الحق، وقال كلمته الشهيرة: ((لا و الله لا أُعْطِيهم بِيَدِي إعْطَاء الذّليل وَلَا أقرّ إقْرَارٌ الْعَبِيد))، وقال: ((ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابنَ الدَّعيْ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيَنِ: بَيْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَيْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ، يأبَى اللهُ لنا ذلِكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ)).
وفي معركة كربلاء عانى سبط رسول اللّٰه "صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، مع أهل بيته، والقلة القليلة الأوفياء معه، من الحصار الشديد، الذي مُنع فيه، عليه وعلى نسائه وأطفاله وأصحابه، حتى شربة الماء، واتجهت تلك الجيوش بهجمتها الوحشية الإجرامية، عليه وعلى ذلك العدد القليل من أصحابه، فقدم هو ورفقته أولئك، أعظم الدروس للأمة، على امتداد تاريخها إلى يوم الدين، في الثبات على الحق، والوفاء للإسلام، والتفاني في سبيل اللّٰه، والإيثار لطاعة اللّٰه، والنهوض بالمسؤولية، وتجلى الإسلام بعظيم مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، في نهضته تلك، ومواقفه، ومواقف أهل بيته وأصحابه، مصداق الآية المباركة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
القاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى عاشوراء 1445هـ