انعدام حالة الإحسان لدى الإنسان، تعبِّر عن خللٍ تربوي، عن خلل في نفسيته، في قيمه الإنسانية والإيمانية؛ لأنها تعبِّر عن حالةٍ من الأنانية، إلى درجة أنه لا يفكِّر بأمر الناس، ولا يستشعر معاناتهم، وقد يكون الإنسان في مجتمع فيه الكثير ممن يعاني، يعاني من الظروف الصعبة، من الفقر، من المرض، من... ويرى مجتمعه أيضاً إمَّا مجتمعاً مظلوماً مضطهداً، إمَّا مجتمعاً فيه المنكوبون، وفيه المعانون بمختلف أنواع المعاناة، فإذا وصل في قسوة قلبه، وتبلد مشاعره الإنسانية، ألَّا يأسى لحالهم، وألَّا يتألم لآلامهم، وألَّا يبالي بهم، وألَّا يكترث بحالهم، فالحالة هذه حالة خطيرة جداً، تدل على إفلاس في مشاعره الإنسانية، في قيمه الإنسانية، وتدل على ضعفٍ كبير في إيمانه؛ لأن للإيمان الأثر التربوي في نفسية الإنسان وفي مشاعره، تكون مشاعر خيِّرة، معطاءة، رحيمة، الإنسان يتربى على أساس الرحمة حتى في مشاعره، تتجذر الرحمة بالآخرين حتى في وجدانه، وحتى في شعوره، فيتألم عندما يرى حالات مأساوية، على مستوى المظلومية، أو على مستوى الفقر، أو على مستوى النكبة، أو على أي مستوى من المستويات التي تجمعها كلها عبارة المعاناة.
عندما يكون الإحسان موجوداً في مجتمعٍ من المجتمعات كسلوكٍ عام، وكغريزةٍ حافظ عليها الناس، وفطرةٍ نمت في مشاعرهم ووجدانهم وإحساسهم، وتجسَّدت كسلوكٍ في معاملاتهم واهتماماتهم، فإنَّ هذا المجتمع سيسوده الخير، والمحبة، والألفة، والتعاون، وأيضاً سيكون من الواضح فيه مستوى التكافل الإنساني، والتراحم فيما بين الناس، وهذا فيما هو ذو قيمة إنسانية عظيمة جداً يعبِّر عن أنَّ هذا مجتمع فيه الخير، فيه الإنسانية، فيه القيم العظيمة، فهو أيضاً له أهمية كبيرة على مستوى الاستقرار، على مستوى القوة في وحدة ذلك المجتمع، الانسجام فيما بين أبناء المجتمع، ترسيخ العلاقات الإيجابية فيما بين أبناء المجتمع، هذا له أهمية كبيرة في أمنهم واستقرارهم، وصلاح حياتهم.
أمَّا كلما غابت، إذا غابت مثل هذه القيم من أوساط المجتمع، وسادت حالة القسوة، وانعدام التراحم، واللامبالاة بأمر الآخرين، وعدم الاكتراث لحال من يعاني، فهذا المجتمع بقدر ما يتجلى فيه الخواء الإنساني، والإفلاس القيمي، وضعف الإيمان، فهو أيضاً سيفقد الاستقرار في داخله، ستزداد الفجوة والتباين فيما بين أبنائه، ستنتشر البغضاء والكراهية بين أفراد مجتمعه، سينتج عن ذلك إشكالات كثيرة، سيكون مجتمعاً بعيداً عن أن يتوحد في القضايا الكبيرة والجامعة التي تهمه، والتي ينبغي أن يتوحد، وأن تجتمع كلمته للتصدي لها؛ لأن هناك القضايا الجامعة، القضايا الهامة، التحديات الكبيرة، المسؤوليات الجماعية، هذه كلها تحتاج إلى أن يكون أبناء المجتمع فيما بينهم في حالةٍ من الألفة، والأخوة، والتعاون، والتراحم، والتقارب، والعلاقات الإيجابية، والمشاعر الإيجابية، فإذا سادت حالة الفرقة، والتباين، والبغضاء، والكراهية، والتنافر، وعدم الاكتراث، كلاً لا يكترث بالآخر، فهذه الحالة السلبية جداً ستكون عائقاً عن وحدة الكلمة، وعن الاعتصام بحبل الله جميعاً، عن الاجتماع في القضايا المهمة، في القضايا الكبيرة جداً، ولهذا نجد أنَّ الإحسان بقدر ما هو ذو قيمة إيمانية وأخلاقية وإنسانية، له أهمية كبيرة في أمور المجتمع، في قضايا المجتمع، في أن يكون المجتمع مجتمعاً قوياً في مواجهة التحديات التي عليه أن يتعاون في التصدي لها، وفي النهوض أيضاً بالمسؤوليات الجماعية التي عليه أن يتحرك فيها كأمةٍ واحدة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الرابعة عشرة 1442هـ