هاشم أحمد شرف الدين
إن الفطرةَ البشريةَ تجعل الروحَ الإنسانية -عندما تواجه الشدائدَ أو الغزو- ترتفع إلى مستوى الحدث، فتظهِر شجاعةً هائلة في مواجهة الغزاة المعتدين.
ولكن، ما الحالُ ونحن نرى خلال حياتِنا أناساً وحكاماً وشعوباً – تتعرض أوطانُهم أو أمتُهم لعدوانٍ وغزو – فيعتبرون أيَّ دفاعٍ أو مواجهة تهوراً ومغامرة، ويصرون على أن يكونوا على خلافٍ مع الفطرةِ البشرية، وألّا يمتلكوا روحاً إنسانية عالية.
فالأناسُ يشبهون أوراقَ الشجرِ التي ترتعدُ عندما تهمس الرياحُ همسا، فما بالكم بهم عندما تصبح عاصفة.
والحكّامُ يشبهون – في مؤتمرات قِممهم – الطيورَ المغرّدةَ على الأشجار، التي تظن أن الأغصانَ أحضانُ الأمان فتخشى التحليقَ خوفاً من المخاطر.
والشعوبُ تشبه السفنَ الكبيرةَ التي تبحر في الأنهارِ الهادئةِ فقط دون أن تخوضَ البحارَ والمحيطات، تخشى أن تغرقَها أمواجُ التهديدِ المرتفعة، أو أن تتحطّمَ كالزجاجِ المكسورِ أمامَ بارجاتِ أعدائِها وجبروتِهم.
بالنسبةِ لأولئك جميعِهم، أيُّ مواجهةٍ للغزاةِ تبدو تهوراً ومغامرةً، فهم يرفضون أن يتحدَّوا العدوَ ويخوضوا المعركة.
يفضلون الاحتماءَ وراء حواجزِ الخوفِ من المخاطرِ، ويتراجعون لانعدامِ الجرأةِ على المواجهة.
لا يدركون أن الشجاعةَ هي المفتاحُ الذي يفتح بابَ الحريةِ والاستقلال، وأنها من تكتب التاريخَ وتصنع الأبطال.
لا يفهمون أن الإنسانَ الشجاعَ هو من يصنع التغييرَ ويحقق الأحلام.
لا يعرفون أنه لا يمكن لأي شعبٍ أن يحصلَ على حريتِه من غير التحلي بروحِ التضحيةِ والشجاعة.
أنا لا أدعوهم إلى مراجعةِ تاريخِنا المليء بقصصِ أبطالٍ أبدوا شجاعةً لا مثيلَ لها في وجهِ الغزاةِ المعتدين، لأنهم يرون – في زمننا الحالي – أناساً وحكاماً وشعوباً يقاومون الغزاةَ وقوى الاحتلال بالرغمِ من كلِ الصعابِ والتحديات.
ها هم أحرارُ شعبِ فلسطين لم يستسلموا للاحتلالِ الإسرائيلي منذُ أكثر من نصفِ قرن، بالرغم من عدمِ التوازنِ العسكري والدعمِ الدولي. وها هم أحرارُ شعبِنا اليمني العزيز لا يزالون يقاومون العدوانَ والحصارَ الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الإسرائيلي وتحالفَه على الرغمِ من الكوارثِ الإنسانية.
كلا الشعبين يُقدمان أمثلةً حيّةً على شجاعةِ الأحرارِ والشعوبِ التي لا تُقهر أبداً أمامَ الغزاة، ويقدمان أيضا شواهدَ ماثلةً على أن الشجاعةَ هي مفتاحُ الحريةِ، وأن الروحَ البشريةَ ستظلُ تتحدّى الغزاةَ وتحقق أحلامَها بالرغمِ من كلِ شيئ.
فيا أيها الذين ترفضون الشجاعةَ وتخشون مواجهةَ الأخطار، لا تسمحوا للخوفِ أن يقيّدَ حريتَكم ويمنعَكم عن مساعدةِ شعبِكم في فلسطين أو شعبِكم في اليمن. إن الحياةَ بذاتِها خطيرةٌ، ولكنَ الجُبنَ هو أخطر. وما الفائدةُ من العَيشِ خائفين منسحبين طوالَ الوقت؟
إن حبَ الوطنِ والأمةِ والدفاعَ عنهما هما عاطفةٌ وسلوكٌ شريفان، لكنكم لن تحصلوا على الاحترامِ ولن تشعروا بالكرامةِ إلا إذا تحليتم بروحِ التضحيةِ من أجلهما.
فلتخوضوا المعركةَ الآن من أجلِ ألّا تظلَّ أجيالُ الأمةِ القادمةُ تحت بطشِ الأعداءِ الظالمين.
عليكم أن تفهموا أن الحريةَ لا يمنحُها الأعداء، فهي تتحققُ بتضحياتِ وبطولاتِ الأحرار، وتهونُ في سبيلِها الآلامُ والدماء.
عليكم أن تتذكروا أن التاريخَ لن يذكركم. ستضيعُ أسماؤكم في غُبارِ الزمنِ بينما ستخلدُ أسماءُ الأبطال.
وإن كنتم تؤمنون حقاً بقضية فلسطين -قضيةِ أمتِكم المركزيةِ كما تدّعون- فلا بدّ من أن تتحلّوا بروحِ الشجاعةِ والتضحية.
هذه هي النصيحة التي أودُّ أن أقدّمَها لكم.