عبدالفتاح حيدرة
وعي الدرس من الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة ، هو أنه عندما تعجز عن مقاومة الباطل وأهل الباطل لا تستسلم له ولا لأهله ، بل إبحث عن أساليب وأدوات وجماهير جديدة ، وابدأ من جديد ، فالحق لا يحتاج خططا ولا خرائط ولا بوصلات لتتبعة ، يحتاج ثقة بالله وتوكل على الله وصدقا وشغفا بقيم واخلاق ومبادئ الحق بلا حدود ، وأحياء الاحتفالات بالمناسبات الدينية هي بالأساس عملية فكرية لإستعادة الدروس والتجارب والعبر، لإن الاحتفال بما تحبه وتؤمن به وتنتمي إليه، يكون بالعمل على إحياؤه ، وتحقيق آماله و أهدافه ، وليس بالرقص والغناء في لافتات الشوارع او تبادل التهاني على ناصية مواقع التواصل الاجتماعي..
الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية يعني فيما يعنية بالمقام الأول هو الإدراك ان الرسالة المحمدية نزلت في وقت حاجة البشرية لها، وكانت البشرية تنتظر منقذا لها ، نتيجة تراكم الفساد والأفساد و الضلال والباطل ، ومن هنا كانت النعمة على المجتمع العربي بنزول رسالة الرسول صل الله عليه وسلم وعلى آله منهم وفيهم ، وهي نعمة تحويل أميتهم إلى معرفه ووعي ، لينتقل بهم عليه الصلاة والسلام وعلى آله من حضيض الأمية و الجاهليه إلى مصاف الأمم العظيمه الساميه سموا روحيا ونفسيا عظيما، فكانت الرساله بوعى هداها ومعرفة وعلم كتابها شرفا كبيرا للامة، نعمة وشرف كبير لمن يتبعها ، فمن اتبعها هو موعود بحتمية الانتصار والغلبة ، لكن مع كل هذه النعمة والشرف الكبير كان موقف المجتمع القرشي من الرسالة المحمدية موقف سلبي ، فكان منهم الإعراض والتنكر لهذه النعمة..
في ذكرى الهجرة النبوية العام الماضي ذكر السيد القائد - عليه السلام - ان هناك عدد من العوامل السلبية التي أدت إلى اعراض المجتمع القرشي عن الرسالة المحمدية ، ولهذة الأسباب و العوامل دروس مهمة، فالعامل السلبي الأول كان موقف الاستكبار من المجتمع القرشي تجاة من جاء لتحويل اميتهم إلى معرفة ، وحالة الاستكبار هذه هي حالة الجهل وتمثل درس مهم في كل زمان ومكان ، والعامل السلبي الثاني هو عامل الطمع والتوجه المادي، فقد كان ايمان المجتمع بقوة المال والثروة ، وهذه النظرة المادية كانت من العوامل السلبية للايمان بالرساله و الاتباع لها، لأن المعايير المادية تجعل الانسان يرتبط بمن لديهم قوة المال والثروة والابتعاد عن هدى الله ، والعامل السلبي الثالث هو عامل المخاوف، وهذه المخاوف انستهم نصائح الرسول صل الله عليه وسلم وعلى آله، حتى تطور الخوف إلى محاربة الرسول، ووصل الأمر إلى حالة من الابتعاد كليا عن الايمان بالرسالة، وهي حالة سيئة جدا من العناد والكفر والباطل والضلال الذي يصل بالإنسان إلى فقدان كل شئ إيجابي فيه، وتفسد نفسيته، وهذا درس كبير وعبرة عظيمه في كل زمان ومكان..
في مقابل الثلاثة العوامل السلبية في المجتمع القريشي ، هناك ثلاثة عوامل إيجابية اكتسبها مجتمع الانصار الذي استقبل الرسول صل الله عليه وعلى آله و بالتحرك معه على اساس الوعي بهدى الله ، ومعرفة الله، العامل الأول هو عامل القلوب السليمة والمحبة، وصفاء القلوب الذي يجمع الكل بعيدا عن المطامع الشخصية يعمل على التخلص من كل الآثار السيئة، والعامل الايجابي الثاني هو عامل العطاء وارادة الخير، وهذا العامل المساعد أدى إلى تحرك الأمة بفاعلية وبمجهود وعمل جماعي مؤثر وموحد ، وبدون هذا العامل ينتج الخلل وتتزايد الانانيات، ويضعف مستوى الموقف، والعامل الايجابي الثالث هو الإيثار في كل شئ ، وهذا العامل خلق روح الألفة والود والإحسان، وهذه هي الدروس المهمه جدا في ذكرى الهجرة النبوية من حيث تجنب العوامل السلبية التي كانت لدى قريش و الإقبال على العوامل الإيجابية التي لدى الانصار والتحرك من خلالها..