الروحية الإيمانية لها أثر كبير في نفسية الإنسان، تتغير نفسية الإنسان إلى حدٍ كبير؛ وبالتالي اهتماماته، أولوياته في هذه الحياة، مشاعره الحية، التي تجعله يتفاعل جيداً مع محيطه في هذه الحياة، مع الواقع من حوله في هذه الحياة، لا يعيش ميت الضمير، ولا متبلِّد المشاعر، ولا يعيش في حالةٍ من الموات على مستوى الوعي والإدراك، لا، هو بروحيته الإيمانية في حالة يقظة، انتباه، تفاعل، إحساس بما يجري حوله، إدراك لمسؤوليته، وتلك القيم الإيمانية تحوَّلت بالنسبة له إلى مشاعر، وليس فقط إلى معلومات ذهنية، العزة بالنسبة له شعور، والكرامة بالنسبة له إحساس… وهكذا تأتي بقية القيم: الرحمة، الرأفة، التي تدفعه إلى الاهتمام بالناس من حوله، وبالواقع من حوله، الإحساس بالمسؤولية، الغيرة والإباء… وهكذا كل المعاني والقيم العظيمة أصبحت ذات تجذر في وجدانه، وفي إحساسه، وفي مشاعره، فلذلك هو يتجه تلقائياً بكل تفاعل، فالأثر هنا هو أثرٌ على مستوى النفس: زكاءً، وإحياءً في هذه النفس لكل تلك المبادئ والقيم، حتى تتحول إلى حالةٍ من المشاعر والإحساس في الوجدان والنفس.
ثم كذلك مع هذا الجانب النفسي، وهذا الأثر النفسي المهم جداً، تأتي من الله “سبحانه وتعالى” الهداية، على مستوى الفكرة، على مستوى الرؤية، على مستوى البصيرة، على مستوى المفاهيم، والإدراك الصحيح لما ينبغي علينا أن نعمله، لما ينبغي علينا أن نبني عليه مسيرة حياتنا، فيتجه الإنسان في مسيرة حياته، في حركته في هذه الحياة، في كل اتجاهاتها، على مستوى الأولويات، والأعمال، والسلوكيات، والمواقف، والولاءات، ليس من منطلق المزاج الشخصي، والأهواء النفسية، والانفعالات المزاجية، وإنما على نورٍ من ربه.
ولذلك يأتي في الآية المباركة قوله “سبحانه وتعالى”: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، فهو يمشي في هذه الحياة، {يَمْشِي}: عبارة عن حركته في هذه الحياة، حركته العامة، بما فيها من سلوكيات، واهتمامات، وأعمال، ومواقف، وولاءات، وتصرفات، وهو ينطلق من زكاء نفس، من شعورٍ بتلك القيم العظيمة، ومن رؤيةٍ هادية، من فكرةٍ صحيحة، من مفاهيم منيرة، ولذلك هو يدرك جيداً ما عليه أن يعمل، ويتحرك على أساس نور الله “سبحانه وتعالى”، المتمثل بهدايته “جلَّ شأنه”.
هدى الله “سبحانه وتعالى” هو النور الذي يضيء للإنسان في هذه الحياة، فيرى الحقائق كما هي، بعيداً عن التأثر بالمؤثرات السلبية؛ لأن المؤثرات السلبية تمثل حالة عمى للإنسان، فلا يدرك كثيراً من الحقائق.
الإنسان إذا كان في حالةٍ مزاجية، وفي حالةٍ نفسيةٍ سيئة، لم يتزك في نفسه، ولم يهتد بنور ربه “سبحانه وتعالى”؛ فهو يعاني من حجب كثيرة تحجبه عن إدراك الحقائق، وعن التفاعل معها، حتى لو أدرك بعض الحقائق التي تفرض نفسها عليه، أو تفرض نفسها في واقعه، فهو يعاني في نفس الوقت من عدم تفاعل، من موت الضمير، وما أكثر الذين يعانون من موت الضمير، مهما كان حجم الأحداث من حولهم، مهما كانت في مستوى تأثيرها، واستفزازها، وإزعاجها، فالبعض لا يتفاعل مع ذلك.
نحن لاحظنا في واقع حياتنا على مستوى ما نعانيه من عدوان تحالف العدوان على بلدنا، أو ما يجري على الشعب الفلسطيني في فلسطين، نرى الأحداث المأساوية، المظالم الكبيرة، الأحداث المؤلمة والمزعجة والمستفزة، المظلومية الرهيبة جداً، والبعض مهما كان حجم المأساة، فكما قال الشاعر: (ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ)، (ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ).
البعض من الناس مهما كانت الأحداث عاصفةً، والتحديات قائمةً، تفرض نفسها على الواقع، وعلى الناس في هذا الواقع، فهو يتعامى عنها، يتجاهلها، وكأن التجاهل يمثل حلاً بالنسبة له، لا تستفزه؛ لأن وجدانه بارد، ولأن ضميره ميت، ولأن إدراكه للحقائق ضعيف ومشوش؛ وبالتالي يُمنِّي نفسه، وما أكثر الذين يُمنُّون أنفسهم بأن تأتي المتغيرات هكذا بشكلٍ تلقائي دون أن نتحمل المسؤولية فيما علينا أن نعمل، بدافع إيماننا، بدافع إنسانيتنا، بدافع الضمير والاستشعار للمسؤولية، وبحسب أيضاً الهداية الإلهية، هداية الله لنا فيما يوجِّهنا إليه، ويأمرنا به، ويدُّلنا عليه، وينبِّهنا بشأنه.
فالآية المباركة تبين لنا عظمة هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”؛ لأن صلتنا بالله ليست فقط منحصرةً أن ندعوه عند الضراء، إذا أصبنا بالمرض، أو عانينا من الفقر، أو واجهنا بعضاً من الظروف القاسية في هذه الحياة، نتجه إليه بالدعاء: أن يفرِّج عنا، أن يعطينا، أن يمنَّ علينا، هذا جزءٌ من علاقتنا وصلتنا بالله “سبحانه وتعالى”، ولكن هذه الصلة هي أساسيةٌ في كل شيء، هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى” التي نتمتع فيها بالحياة الحقيقية، والتي نبتني فيها في واقعنا النفسي، ثم ننطلق على أساس ذلك في ميدان العمل، في مسرح الحياة، في ميدان المسؤولية، ونحن على مستوى النفس، والأثر النفسي، والزكاء النفسي، استفدنا من هذه الصلة بهذه الحياة المهمة: حياة المشاعر، حياة القيم، حياة الإيمان، حياة الإحساس بالكرامة، والعزة، والمبادئ العظيمة، التي تسمو بالإنسان كإنسان، وتحقق له كماله الإنساني، ثم النور الذي نتحرك على أساسه في هذه الحياة، فلا نتخبط في سلوكياتنا، في أعمالنا، في مواقفنا، في اهتماماتنا، في أعمالنا، تخبطاً ناتجاً عن منطلقات خاطئة، أو مفاهيم خاطئة، أو تصورات باطلة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة افتتاح الدورات الصيفية 1442هـ.