مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

شعبنا اليمني العزيز هو يحتفل بهذه المناسبة كل عام، وهذا من ضمن إرثه الإيماني الذي ورثه عبر الأجيال، واستمر عليه قرناً بعد قرن، على مدى الزمان الماضي وإلى اليوم، والاحتفــال بهــذه المناسبـــة هـو:

  • أولاً: من الفرح بنعمة الله تعالى وفضله، كما قال "جَلَّ شَأنُهُ": {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، وهذا- إحياء هذا اليوم والاحتفال به- هو من اظهار الفرح بنعمة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وبفضله.
  • ويصاحبه أمورٌ مهمةٌ جدًّا، في مقدمتها: الشهادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بكمال دينه، وأنه ليس ديناً ناقصاً، والشهادة لرسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" بأنه بلَّغ ما أمره الله بتبليغه، في الآية المباركة التي سيأتي الحديث عنها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67].
  • وهو أيضاً عملية توثيقية في غاية الأهمية، لذلك البلاغ التاريخي العظيم، تتناقله الأجيال من جيلٍ إلى جيل؛ لأهميته الكبيرة جدًّا.
  • وهو- في نفس الوقت- ترسيخٌ للمبدأ الإسلامي العظيم، في ولاية الله تعالى على عباده، في مختلف شؤون حياتهم، وفي التولِّي لله، وامتداد هذا التولِّي وفق الآيات القرآنية المباركة، وما يترتب على ذلك من نتائج مهمة، ومن ضمنها: التحصين للأُمَّة (للمسلمين) من الولاية والولاء لليهود وأوليائهم من النصارى، والأمة في هذه المرحلة أحوج ما تكون إلى ذلك.

والبدايــــة هي: في الحديث عن مضمون هذه المناسبة، وعن محتوى البلاغ التاريخي العظيم، الذي بلغه الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، من السنة العاشرة للهجرة.

الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وفي السنة العاشرة للهجرة، عندما اقترب موسم الحج، عَمِلَ نفيراً واسعاً، واستنهاضاً كبيراً للمسلمين، للمشاركة في أداء فريضة الحج في ذلك العام، وبشكلٍ ملفت، واهتمامٍ استثنائي غير مسبوق، فقد كان يرسل رسله إلى القبائل العربية، إلى المسلمين في مختلف المجتمعات، يدعوهم إلى المشاركة في الحج في تلك السنة، في ذلك العام، ويحثُّهم على ذلك، ويستنفرهم لذلك، وفعلاً كانت النتيجة: أن ذلك الحج، في ذلك العام، لربما كان من حيث كثرة الحجاج وتوافدهم غير مسبوق ما قبله في تاريخ الجزيرة العربية، يعني: لم يسبق أن حج العرب إلى بيت الله الحرام بتلك الأعداد الكبيرة، والجموع الغفيرة، في السنوات الماضية ما قبل ذلك، سواءً ما قبل الإسلام في العصر الجاهلي، أو ما قبل ذلك أيضاً، في الامتداد الذي كان امتداداً لنبي الله إسماعيل "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ونبي الله إبراهيم، ومِلَّة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، أو حتى في المرحلة الإسلامية، كان ما قبل ذلك هو الحج الإسلامي في السنة التاسعة للهجرة، لم يكن الحضور فيه بذلك الشكل، ولم يحضر فيه النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ".

فعملية الاستنفار الواسع، والتحشيد الكبير، للمشاركة في أداء الحج في ذلك الموسم نجحت بشكلٍ كبير، وكان الحضور بعشرات الآلاف، وبأكثر من مائة ألف حاج، وكانت هذه الأعداد، مقارنةً بالتعداد السكاني لذلك العصر، نسبةً مهمة، يعني: على مستوى الجزيرة العربية لربما قد تكون خمس السكان، أو قريباً من ذلك، يعني: نسبة ضخمة جدًّا من الحجاج مقارنةً بعدد الناس آنذاك في ذلك الزمن.

رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" حج في تلك السنة بنفسه، وحشد الناس للحج بأقصى ما أمكن، وسُمِّي ذلك العام، وسُمِّي حج النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" في ذلك العام بحجة الوداع، وهذا الاسم له مدلوله، لماذا؟ لأن النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" ودَّع أمته في ذلك الحج، ودَّعها وأشعرها بقرب رحيله من هذه الدنيا الفانية إلى عالم الآخرة، وهذا شيءٌ محزنٌ وكبير، يعني: حدث كبير بالنسبة للأُمَّة، له التزاماته، وما يترتب عليه أيضاً من مخاطر، ومن التزامات مهمة جدًّا في واقع الأُمَّة، بما يضمن لها الاستمرار على نهج الإسلام والاتِّباع لرسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، المسألة كبيرة جدًّا بالنسبة للأُمَّة، وفعلاً كبيرة، وكان لها تداعياتها، وآثارها... إلى غير ذلك.

في حَجَّة الوداع هو ودَّعهم، قال لهم: ((وَلَعَلِّي لَا أَلْقَاكُم بَعْدَ عَامِي هَذَا))، وعبارات أخرى، من ضمنها: ((يُوشِكُ أَنْ أُدعَى فَأُجِيب))، ((يُوشِكُ أَنْ يَأتِيَنِي رَسُوْلُ رَبِّي فَأُجِيب))، عبارات وجُمَل في مقامات متعدِّدة، كلها أشعرت هذه الأُمَّة بأنه على مقربةٍ من فراقها، من الوداع لها من المغادرة لهذه الدنيا الفانية.

الــوداع، لم يكن هكذا مجرَّد وداع عاطفي، يقول لهم: [أنا أوادعكم، أنا ذاهبٌ عنكم]، وانتهى الأمر، الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" في مهمته ومسؤوليته الرسالية (تبليغ رسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى") هو يُقَدِّم للأُمَّة ما يرتبط بمستقبلها ومصيرها، فيما يمثِّل ضمانةً لها إذا تمسَّكت به بالاستقامة التَّامَّة على رسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولـذلك كان لكل ما يقدِّمه من التعليمات، ومن الحقائق، ومن الهدى، في حجة الوداع، وما بعدها، وما يرتبط بها، أهمية كبرى للأُمَّة فيما يتعلَّق بحاضرها آنذاك، وبمستقبلها، وبمستقبلها، فكانت المسألة مهمة.

يعني: هو عندما كان يخبرهم أنه على وشك الرحيل من هذه الحياة، يخبرهم في سياق ما يقدِّمه لهم من تعليمات ذات أهمية كبيرة جدًّا لهم في مستقبلهم، وفي ضمان استمراريتهم على منهج الله الحق ورسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولـذلك كانت هذه المسألة مهمة، فهو يوصيهم، ولكنَّها وصية الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، في تقديم أهم التعليمات، التي تتضمن أهم الضمانات للاستقامة لمسيرة الأُمَّة على أساس منهج الله الحق، وهديه القويم في صراطه المستقيم، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" أقام الحج، وعلَّم الأُمَّة بنفسه أيضاً مناسك الحج بالتفصيل، وقدَّم التعليمات المهمة جدًّا في خطبة يوم عرفة، وهي خطبة شهيرة جدًّا، وكان من ضمن ما ورد فيها: (حديث الثقلين)، وغير ذلك من التعليمات المهمة: في تحريم حرمة دماء المسلمين على بعضهم البعض، وكذلك ما يتعلَّق بحرمة أعراضهم، وأموالهم، وممتلكاتهم، والحث على وحدتهم، وتعاونهم، واستقامتهم على منهج الله الحق... وغير ذلك.

بعد اكتمال الحج، والعودة من مكَّة، وصل رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" ومعه الحجيج، وهم عائدون من مكَّة، إلى (الجحفة)، وهي منطقة ما بين مكَّة والمدينة، وهي إلى مكَّة أقرب، في هذه البقعة (الجحفة) غدير يُدعى بـ(غدير خُم) في الوادي نفسه (وادي خم)، والوادي في نفس المنطقة، في هذه المنطقة، وما قبل افتراق الحجاج؛ لأن من بعدها سيتفرق الحُجَّاج في وُجُهاتهم إلى بلدانهم، فما قبل هذا الافتراق نزل على رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67].

هذه الآية المباركة من المُتَّفَق على أنها من الآيات الأخيرة في القرآن الكريم، من آخر الآيات نزولاً، ومع ذلك تتضمَّن هذا المنطق العجيب، وهذا التأكيد الكبير، الذي يُبَيِّن لنا نحن- نحن المسلمون- يُبَيِّن لنا أهمية محتوى ذلك البلاغ، أنه بلاغٌ في غاية الأهمية، مع أن الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" عندما نزلت عليه هذه الآية المباركة، قد بلَّغ مبادئ الإسلام الكبرى، وفي مقدِّمتها: التوحيد لله، وحارب الشرك، وعمل على إنهائه في الجزيرة العربية بشكلٍ كامل، وفي نفس الوقت بلَّغ بقية مبادئ الإسلام وشرائعه، وأركان الإسلام، كذلك ما يتعلَّق بالمواقف، المواقف الواضحة والصريحة من كل فئات الطغيان، والكفر، والشر، والضلال، والباطل، سواءً في مواجهته مع مشركي العرب، أو مع اليهود، أو مع النصارى، كل هذا قد بلَّغه كمواقف، أو تشريعات إلهية (شرائع، وفرائض)، أو مبادئ وأسس ومعتقدات، فهو في المرحلة الأخيرة من حياته، ما قبل وفاته بأقل من ثلاثة أشهر، إذاً يبقى هناك موضوعه في غاية الأهمية، وأهميته مرتبطةٌ بماذا؟ بكمال الدين، بقيام أمر الإسلام، واستقامة أمر الإسلام، وتمام هذا الدين؛ ولهـذا عبَّر عن هذه المسألة بِدِقَّة في قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67]، مما يوضِّح أن النقص المتعلِّق بهذه المسألة، لو لم يبلِّغ بها النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ليس نقصاً عادياً، ولا هامشياً، بل هو نقص يمتد كل أثره على محتوى الرسالة الإلهية، في فاعليتها، في دورها، في حضورها، في استقامة واقع الأُمَّة عليها، فهو نقصٌ خطيرٌ جدًّا، لو لم يتم الإبلاغ بهذا البلاغ العظيم؛ لكان ذلك نقصاً وثلماً كبيراً في هذا الدين، كذلك على مستوى الالتزام والاهتمام بمضمون هذا البلاغ في إقامة الدين، استقامة أمر الأُمَّة على أساسه، كل هذا يوضِّحه قول الله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67].

أمَّا قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، وهي ضمانة قُدِّمت للنبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" في العصمة، يعني: دفع شر الناس عنه، وتمكينه من أداء هذا البلاغ بنجاح، والمسألة هذه مسألة عجيبة؛ لأنه سَيُبَلِّغ هذا البلاغ في وسطٍ إسلامي، لم يبقَ للشرك أي حضور في الساحة العربية آنذاك، وفي الجزيرة العربية آنذاك، الجموع التي سينادي فيها بهذا البلاغ، ويبلِّغها بهذا البلاغ، وهي عشرات الآلاف من الناس، جموعٌ من المسلمين الذين دخلوا في الإسلام، وهم أيضاً سيقومون بنقل هذا البلاغ إلى بلدانهم، ومجتمعاتهم، وقبائلهم، التي قد دخلت في الإسلام، في دين الله أفواجاً؛ ولكن يتَّضح أن هذه المسألة هي مسألة ذات حساسية كبيرة، محتوى البلاغ الذي سيبلِّغه ذات حساسية كبيرة لدى الناس بكل فئاتهم؛ لأن التعبير هنا جاء عاماً: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، لم يقل- مثلاً- فقط: [والله يعصمك من الكافرين، أو يعصمك من فئات معيَّنة]، (مِنَ النَّاسِ) بكل فئاتهم.

كذلك الختام لهذه الآية المباركة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، يُبَيِّن أيضاً أن الموقف من محتوى هذا البلاغ، حينما يكون موقف الجحود، أو موقف الرفض العملي، هو خطيرٌ جدًّا؛ لأنه ليس موقفاً من مسألة عادية، هامشية، بسيطة، ليست ذات أهمية، تعتبر من المسائل التي يمكن التغاضي عنها واللامبالاة بها؛ بل هو موقفٌ سيءٌ جدًّا تجاه قضية ذات أهمية، وازنة، كبيرة، عظيمة، مهمة في دين الله وفي رسالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولهـذا أتى الحديث بهذه الصيغة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، في التشديد على قبح وسوء أي موقف سلبي جاحد، أو رافض، لمحتوى هذا البلاغ العظيم، كما في قوله تعالى في قصة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97].

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مناسبة يوم الولاية 1446هـ


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر