عندما ننظر في ساحتنا العامة على المستوى البشري، أو في ساحتنا الإسلامية، ما أكثر من يعانون- كما قلنا- من موتٍ في الضمير، ومن تشوشٍ في الرؤية، ومن تشوشٍ في الرؤية، ومن غباء فيما يتعلق بالمفاهيم الصحيحة، بل إنَّ البعض يكونون في مقامات علمية: سواءً جامعية… أو غيرها، ولكنهم لا يمتلكون الرؤية الصافية، الرؤية المنيرة، التي تضيء للإنسان فيرى الحقائق كما هي، ويدرك مسؤولياته كما ينبغي، ويدرك ما عليه أن يعمل، تأتي المؤثرات الأخرى فتؤثر على الإنسان، فالشطر الأول من المقارنة، هو يبين لنا هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}.
أمَّا الشطر الآخر من هذه المقارنة فيقول: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، حالة رهيبة أن يكون الإنسان في واقع حياته في الظلمات، في الظلمات، ظلمات الجهل، ظلمات العقد النفسية، التأثيرات السلبية، التي تؤثر على رؤيته، على مفاهيمه، على تصوراته، على قناعاته، على أفكاره، على منطلقاته في هذه الحياة، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، ظلمات تتراكم وتكثف حتى لا يخرج منها، حتى يبقى دائماً يتخبط في داخلها تائهاً، لا يدرك الحقائق، لا يرى الحقائق، الحجب المظلمة كثيرة، وتأتيه من كل الجوانب، من كل المؤثرات السلبية؛ وبالتالي يبقى متخبِّطاً في هذه الحياة، قناعاته خاطئة، أفكاره خاطئة، تصوراته خاطئة، ومنطلقاته خاطئة، وهكذا ينطلق بشكلٍ خاطئ في مواقفه، يتخذ قرارات خاطئة جداً، خطورتها عليه في هذه الحياة، وخطورتها عليه أيضاً في مستقبله في الآخرة، لها تأثيرات سيئة جداً، ليست من الحكمة في شيء، وليس لها أي إيجابية في واقع الحياة، سلبياتها كبيرةٌ جداً، ونتائجها وخيمةٌ جداً في الدنيا والآخرة.
ولأنه ليس على صلةٍ بالله “سبحانه وتعالى” (صلة الهداية والنور)؛ فهو لا يخرج من تلك الظلمات، يبقى تائهاً فيها، حتى تكون الحالة التي يصل إليها هي حالةٌ تزيده تشبثاً بما هو فيه من الظلمات، {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، المنكرين لهدى الله، المعرضين عن هدى الله، المتجاهلين لتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، المتنكِّرين لتوجيهات الله، ولهداية الله “سبحانه وتعالى”، ينطلقون من حالة مزاجية، ومن أهواء نفسية، ومن عقد شخصية؛ وبالتالي تصوراتهم التي يعتمدون عليها هي خاطئة، وعندما يتشبثون بها، أو يعجبون بها، فإنما لأنها تناسبت وانسجمت مع عقدهم الشخصية، فكرة خاطئة انسجم معها بعقدته الشخصية، بأهوائه النفسية، فأعجب بها، وزَيَّنَت له ما هو فيه من الموقف الخاطئ، أو القرار الخاطئ، أو التصرف الخاطئ، فأصبح متشبثاً به أكثر، ومتمسكاً به بشكلٍ أكثر؛ وبالتالي يستمر فيما هو فيه كحالة التائه المتخبط، وهي الحالة الحتمية، إذا لم يتصل الإنسان بالله “سبحانه وتعالى” بصلة النور والهداية الإلهية، لن يكون إلَّا في حالة الظلمات، لن يكون إلَّا تائهاً، يتحرك على أساس الكثير من المفاهيم الخاطئة، والتصورات الباطلة، والحالة المزاجية النفسية التي تزين له ما هو فيه، فيزداد تشبثه به، وتمسُّكه به.
هذه المقارنة في غاية الأهمية؛ لأنها تعطينا فرصةً لاتخاذ القرار الصحيح، كلٌّ منا في مسيرة حياته بحاجةٍ إلى أن يبني هذه المسيرة في حياته على أساسٍ صحيح، على أساسٍ يوصله إلى الغايات العظيمة، إلى النتائج المهمة والكبيرة، يحقق له رضوان الله “سبحانه وتعالى”، يحقق له الخير في الدنيا والآخرة، يحقق له أن يكون على بيِّنةٍ من ربه، وبصيرةٍ من أمره، وعلى هدىً من الله “سبحانه وتعالى”.
فالله “سبحانه وتعالى” من خلال هذه المقارنة العظيمة والمهمة، يبين لنا أهمية الصلة به في أثرها النفسي، وأهميتها في الواقع العملي، للإنسان شخصياً على المستوى الفردي، وعلى المجتمع كمجتمع، والأمة كأمة، فيما يتحقق لها في واقع حياتها، والنتيجة السلبية رهيبة جداً في الحالة الأخرى التي يفقد الإنسان هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”.
فإذا جئنا إلى واقع الحياة ابتداءً، قبل أن نتحدث عن المشاكل، قبل أن نتحدث عن التحديات، قبل أن نتحدث عن الشيطان والمضلين والمفاسد، قبل أن نتحدث عن مؤثرات الضلال، ابتداءً الإنسان بحاجةٍ ملحةٍ وماسّة في سموّه الإنساني، في تكامله الإنساني، في ألَّا يهدر حياته، في ألَّا يضيع عمره، في ألَّا يخسر جهده، في ألَّا تكون أعماله وبالاً عليه، ووزراً عليه، يكتسب بها الآثام، ويحمِّل نفسه من خلالها بالأوزار الثقيلة، ابتداءً نحن بحاجة إلى النور، إلى نور الله، إلى هدايته، إلى هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”، التي نحيا بها حياة الإيمان في مشاعرنا، ومداركنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وإحساسنا، الذي تتجذر فيه مكارم الأخلاق، وتتجذر فيه القيم العظيمة، حتى تتحول إلى إحساسٍ نحس به، ويحيا ضميرنا، فيكون هناك انسجام ما بين الواقع النفسي، الحالة النفسية، المشاعر النفسية، الإحساس الوجداني، وما بين الفكرة الهادية، ما بين المفاهيم الصحيحة، ما بين التوجيهات الإلهية، نجد أنفسنا منسجمين معها، متفاعلين معها، متشوِّقين للعمل بها، نعي قيمتها، نعي أهميتها، نستشعر فضلها وإيجابياتها في هذه الحياة، فنتفاعل، نتفاعل من عمق أنفسنا، من عمق مشاعرنا، من أعماق قلوبنا، وننطلق بكل جدية.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة افتتاح الدورات الصيفية 1442هـ.