مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

صالح مقبل فارع

دخل رمضان عام ٤٠ هـ والدولة الإسلامية مترامية الأطراف يحكمها أفضل رجل في عصره هو الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وكان قد اتخذ مدينة الكوفة العراقية عاصمة له.

كانت الدولة في رمضان ذاك كبيرة ومتسعة جدا تشمل جميع الدول العربية والإسلامية حاليا.

علي لأنه مؤمن صارم ورادار لكشف المنافقين وهاشمي من بيت الرسول وصهره وحبيبه وأخوه وأبو السبطين وشجاع وتقي وزاهد وعابد وعالم وقاضي وإداري وحاكم عادل حازم لا يعرف المجاملة فقد بغضه الأقربون قبل الأبعدين؛ وذلك للصفات السابقة بالإضافة إلى شدة عدله ولأنه لا يعرف المجاملة، ولأن اختياراته للولاة كان بناء على الكفاءة والنزاهة والدين والتقوى لا على النسب والقرابة والمجاملات جعلت حُسّاده كثير، فلم يرتضون بحكمه، ولم يستسغ لهم عدله، فقد أعلنت ثلاث فرق التمرد على حكمه والعصيان لأوامره، ثم الحرب عليه مؤخرًا.

 

🔹 فرقة النَّاكِثِيْنَ "أصحاب الجمل":

 

 وهي فرقة الناكثين بقيادة طلحة والزبير ومن معهم، بعد أن بايعوه وارتضوه حاكما عليهم نكثوا بيعته "ومن ينكث فإنما ينكث على نفسه" وتمردوا عليه بعد مبايعته بأيام لأنه لم يولّهم على المناطق التي طرحوها عليه، ولأنه نقّص من معاشهم الذي كان يستلمونه أيام عمر وعثمان وساواهم ببقية الناس، وسَلَبَهُم الامتيازات التي كانت ممنوحة لهم من الحكام الذين قبله، لأجل ذلك تمردوا عليه وأعلنوا عصيانهم وشق عصا الأمة وتفريق الجماعة، فخرجوا من المدينة إلى مكة وحرضوا الناس عليه، واستطاعوا أن يستقطبوا إلى صفهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله، فكانت عنوانهم البراق لجذب الناس إليهم، فعندما رأى الناس أن عائشة أم المؤمنين وزوجة رسول الله ثارت بكلها ضد الإمام علي تبعوها وانخدعوا بها لمكانتها الاجتماعية والدينية. 

فاستطاع طلحة والزبير وعائشة تجميع الناس حولهم، كما انضم إليهم الطلقاء وأبناؤهم وجميع المنافقين من بني أمية والموتورين من علي من قريش الذين لا زالوا يبغضونه من أيام بدر وأحد والخندق وحنين لأنه قتل آباءهم وإخوانهم وأبناءهم، في تلك المعارك عندما كانوا مشركين، وبجمعهم كلهم أصبحوا جيشا كاملا قوامه ٣٠ ألف مقاتل، فتحركوا ومعهم عائشة وهي على جمل من مكة إلى البصرة، وما إن وصلوها حتى قتلوا واليها المعين من قبل علي قتلة شنيعة ونهبوا بيت مال المسلمين هناك وقتلوا جميع الموظفين الحكوميين وأعلنوا الانفصال وبناء دولتهم المستقلة، فعندما علم الإمام علي بذلك تحرك ضدهم ورأى أنه لابد من قمع تمردهم وإرجاع البصرة إلى حاضنة الدولة الإسلامية، فخرج بجيشه من المدينة وكان بينهم معظم الصحابة من المهاجرين والأنصار وجميع من قاتلوا مع رسول الله يوم بدر باستثناء طلحة والزبير وكان بين جيشه عمار بن ياسر والحسن والحسين ومالك الأشتر وغيرهم، فلما وصل البصرة التحم الجيشان واقتتلوا قتالا شديدًا لمدة يوم واحد فقط الذي انتهى بوأد الفتنة في بداياتها وجذورها، راح ضحيتها ١٥ ألف قتيل من الطرفين بينهم طلحة والزبير، وسميت هذه المعركة بمعركة الجمل، نسبة إلى الجمل الذي كانت تركبه عائشة وحضرت المعركة وهي فوقه وكان رايتهم.

انتهت المعركة بنصر الإمام علي وهزيمة أهل الجمل واستعادة البصرة وضواحيها وعودتها لحضن الدولة الإسلامية.. 

وكانت هذه هي البلوى الأولى التي ابتُلي بها الإمام علي في حكمه، كما أنبأه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال له: يا علي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

 

🔹 القاسطون "معركة صِفِّين":

 

الفرقة الثانية التي تمردت على الدولة الإسلامية برئاسة الإمام علي عليه السلام هي فرقة القاسطين بقيادة معاوية بن أبي سفيان، وسبب انشقاقهم عنه وتمردهم وعصيانهم هو عزلهم عن الولاية، لعدم كفاءة معاوية وضلالته، فقد عزل علي معاوية عن الشام فغضب معاوية غضبا شديدا ورفض هذا العزل فأعلن تمرده وانشقاقه عن دولة الإمام عليه السلام، وكان الحسن وابن عباس قد أشاروا على الإمام بأن يبقي معاوية على الشام حتى يستتب الحكم، فرفض علي ذلك وقال لهم: "وما كنت متخذ المضلين عضدا".

فبعد مراسلات ومراجعات ووساطات بينهما باءت بالفشل أعلن علي الحرب على معاوية وقمع التمرد واستعادة الشام المنفصلة لحاضنة الدولة الإسلامية، فجهز جيشا قوامه ٩٠ ألف مقاتل بينهم عمار بن ياسر ومالك الأشتر والحسن والحسين وابن عباس وذو الشهادتين وأويس القرني ومعظم الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار بينهم ٢٠٠ رجلا ممن قاتلوا مع رسول الله في معركة بدر الكبرى، وجميع القبائل اليمنية من ذمار وصنعاء وعمران والمحويت وصعدة والجوف ومأرب وتهامة وغيرهم بقيادة مالك الأشتر وسعيد بن قيس الأرحبي الهمداني وقد أبلوا بلاء حسنا مع الإمام حتى قال فيهم شعرا شاكرا لهم صنيعهم وهبّتهم معه، ومما قال:

 

فلو كنت بوابًا على باب جَنَّةٍ 

 

لقلت لهمدان ادخلوا بسلامِ 

 

كما جهز معاوية وعمرو بن العاص جيشا عرمرميًّا قوامه ١٢٠ ألف رجل من أهل الشام سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وجميع الطلقاء من أهل مكة، والمنافقين من أهل المدينة، وممن حضر معه من أهل اليمن الأسفل هم أهل تعز ولحج وعدن وأبين بقيادة ذي الكلاع الحميري، "قُتل في تلك المعركة قبل عمار، فلو بقي حتى مقتل عمار لانحاز إلى علي لأنه كان ممن سمع الرسول عندما قال: يا عمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار".

فالتحم الجيشان والتقيا في العراق محافظة الأنبار منطقة "صِفِّين" استمرت المعارك حوالي ٧٥ يوما، راح ضحيتها ٧٠ ألف رجل، وانتهت المعركة بالتحكيم. 

واستشهد في هذه المعركة رجال عظماء مثل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي بشره الرسول بالجنة وأخبره بأن الفئة الباغية ستقتله بعد أن يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، والصحابي الجليل ذو الشهادتين، وسيد التابعين أويس القرني، الذي قال عنه الرسول لعمر -فيما معناه-: أويس سيد التابعين ومستجاب الدعوة فإذا وجدتموه فادعوه فليستغفر لكم، وغيرهم.

 

🔹 الخوارج المَارِقِيْنَ "النهروان":

 

الفرقة الثالثة التي ابتُلي بها الإمام علي عليه السلام هي فرقة الخوارج، أو المارقين، كما سماهم الرسول، وهذه الفرقة انشقت من جيش الإمام علي الذي كان معسكِرا بصفين بسبب خدعة عمرو بن العاص برفع المصاحف، فعندما رأوا المصاحف معلقة على أسنة رماح جيش معاوية طالبوا علي بالتحكيم بها، فقال لهم علي إنها خدعة من عمرو عندما أحس بالهزيمة وطالبهم بمواصلة القتال قائلا لهم: أعيروني سواعدكم ساعة، فرفضوا مواصلة القتال معه وكان عددهم ٢٠ ألف، ولم يكتفوا باعتزالهم عن المعركة بل أجبروا الإمام علي على قبول التحكيم بعد أن رفعوا سيوفهم في وجهة، وبعد انتهاء معركة صفين اعتزلوا الجبال وكفروا الإمام علي وأصحابه بسبب قبوله التحكيم.

وبعد اعتزالهم كانوا يحضرون خُطَبه ويسمعون فيها علما عجيبا، فيعبرون عن هذا بقولهم: قاتلك من كافر ما أفقهك.

وكان أصحاب الإمام علي يرون وجوب جهادهم فطالبوا الإمام بذلك ومناجزتهم، فمنعهم الإمام قائلا: لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم بقتال، واستمر في مداراتهم ومناقشتهم ومحاججتهم بإرسال ابن عباس إليهم عسى ولعل يرجعون عن غَيِّهم وضلالهم، فاستطاع ابن عباس إقناع بعضهم فتراجعوا، ولكن بقي الآخرون على غيهم، واستمروا على ضلالتهم يُكَفّرون عليا ويطلبون منه تجديد إسلامه، وعلي لم يحرك ضدهم شيئا، حتى بدأوا بسفك الدماء البريئة عندما أقدموا على قتل أحد المسافرين وبقروا بطن امرأته وأخرجوا الجنين من أحشائها.

هُنا وفي هذه اللحظة أمر علي أصحابه بالاستعداد لقتالهم، وأصدر أمره للجيش بالتوجه نحوهم وقتالهم.

فتحرك علي ومن معه إليهم فالتقوا في النهروان فاقتتلوا قتالا شديدا، وانتهت المعركة بمقتل الخوارج كلهم ولم ينجُ منهم إلا سبعة، ولم يُقتَل من جيش الإمام إلا سبعة، فتحقق ما قاله علي لهم أول المعركة عندما قال لهم: لن ينجو منهم إلا بعدد ما يقتل منكم.

هذه هي الفرق الثلاث التي ابتُلي بها علي وقاتلها أيام حكمه، الناكثين والقاسطين والمارقين، في معارك الجمل وصفين والنهروان.

 

🔹 المؤامرة:

 

 وبعد فترة من معركة النهروان تجمع ثلاثة أشخاص من الخوارج بمكة واتفقوا على مقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، وحددوا يوم التنفيذ في ١٩ رمضان وقيل ١٧ رمضان سنة ٤٠هـ، وكان عبدالرحمن بن ملجم المرادي قد التزم بقتل الإمام علي عليه السلام، فتوجه إلى العراق ووصل الكوفة، فالتقى فيها بفتاة جميلة جدا تُدعَى "قطام"، فهام بها وأحبها وأراد الزواج منها، ونسي العمل الذي جاء من أجله، فتقدم لخطبتها فوافقت ولكن كان مهرها غال جدا ومرتفع إلى حد أنه أصبح أغلى مهر في العالم، وكان مهرها هو: عبد وقينة [القِينة: الجارية] وثلاثة آلاف وقَتْل علي. 

وقد قال الشاعر في ذلك:

 

فلا مهر أغلى من قطام وإن علا 

 

ولا فتك إلا دون فتك ابن مُلجَمِ 

 

ثلاثة آلافٍ وعبدٌ وقِينَةٌ 

 

وقتلُ عليٍّ بالحسام الْمُسَمَّمِ 

 

قَطَام قالت لابن ملجم: علي قتل أهلي في النهروان فإذا أردت الزواج بي فمهري هو رأس علي.

فوافق ابن ملجم على ذلك المهر لأنه لم يأت أصلا إلا لقتل علي، وأعطت له خادمها وردان ليساعده على تنفيذ مهمته.

فدخل ابن ملجم الجامع الكبير بالكوفة وجعله سكنه ومنامه طوال شهر رمضان، حتى ليلة الحادثة ليلة ١٩ رمضان.

كان الإمام علي "ع" قد بلغ الرابعة والستين من عمره في شهر رمضان ٤٠هـ، وكان يفطر فطور الزاهدين ليلة عند الحسن وليلة في بيت الحسين وليلة في بيت عبدالله بن عباس رضي الله عنهم، ثم يخرج إلى الجامع الكبير بالكوفة فيصلي بالناس عشاء فيعود إلى بيته يدير شئون الدولة ويتفقد أحوالها، ثم يذهب في الثلث الأخير من الليل إلى الجامع يناجي ربه فيه ويتضرع إليه بالدعاء والصلاة والبكاء، وعند السحر يذهب لإيقاظ النائمين في الجامع ليتسحروا ثم يستعدوا لصلاة الفجر، وكان بين النائمين عبدالرحمن بن ملجم راقدا على بطنه والسيف تحته؛ فيوقظه علي بقوله: قم إلى الصلاة، ثم يردفها بقوله: لماذا تنام على بطنك، إنها نومة الشيطان، نومة يبغضها الله منك..

ويستمر على هذا المنوال طوال ليالي رمضان.

 

🔹 الليلة الموعودة:

 

وفي الليلة الموعودة غفا الإمام علي غفوة فرأى رسول الله في المنام فقال له: يا علي، عما قريب ستأتي إلينا، أقبل إلينا، فعرف الإمام علي أن موعده حان. 

ثم نظر ببصره إلى السماء يحملق فيها؛ فرأى فيها علامات وأمارات -كان قد أنبأه بها رسول الله- عرف من هذه العلامات أنها الليلة التي سيُقتَل فيها، ويُضرَب رأسُه بسيف أشقى خلق الله فيسيل الدم إلى لحيته فتبتل وتخضب بدمائه، عندما قال له رسول الله: كيف بك يا علي عندما تخضب هذه من هذه؟ "وأشار إلى لحيته ورأسه"، فقال علي: أعلى سلامة من ديني يا رسول الله؟ فقال له الرسول: نعم، ففرح علي بذلك فرحًا عظيما لأن دينه سالم معبرًا بقوله: إذن لا أبالي وقعتُ على الموت أم وقع الموت عَلَيّ.

فعندما رأى العلامات في تلك الليلة عرف منها أنه مقتول، فقال: إنها والله الليلة، والله ما كَذبت ولا كُذّبت، إنها والله الليلة التي وُعدتُ بها، الليلة سألقى الأحبة محمد وصحبه. 

فسمعته زينب فناحت، ثم تأهّب للخروج إلى المسجد فمنعته بناته، قائلات: لا تخرج يا أبي إلى المسجد، مُر فلانا ليصلي بالناس. فقال: لا مفر من أمر الله.

وحال خروجه رأت طيور الأوز فتجمعن حوله من يمين وشمال وهن يغردن بصوت غريب ومفجع، وكأنهن يمنعنه من الخروج أيضا، فتتشاءمت زينب ولبابة وأم كلثوم من هذا الصوت والتجمع فأردن طردهن، فيقول لهن أبوهن: دعوهن فإنهن نوائح.

ثم خرج الإمام من بيته متحركا إلى المسجد وعند خروجه من البيت يمسك الباب إزاره، فيشده من الباب قائلا:

اشدد حيازيمك فإنَّ 

 

الموتَ لاقيكَا 

 

ولا تجزع من الموتِ 

 

وإن حلَّ بواديكَا 

 

الكل يعرف فضل الإمام علي "ع" ومنزلته الرفيعة عند الله، ليس بني آدم فقط يحبونه ويخافون عليه ويحزنون على فراقه ويمنعونه من الخروج، ولكن حتى الحيوانات والطيور والجمادات تعرف فضله وتحزن على فراقه، وتحاول منعه من الخروج وثنيه عن الذهاب إلى الموت، لأنها تعرف أنه كان أمانا لهن كما النجوم أمان لأهل السماء، وتعرف فضله ومنزلته عند الله، ومن المصائب الكبرى على الأمة أن تفقد عظماءها.

ثم خرج علي -كما هي عادته- إلى المسجد، فعندما وصله بدأ بإيقاظ النائمين، ولما وصل إلى مضجع عبدالرحمن بن ملجم وجده نائما على بطنه، فقال له الإمام: قم إلى الصلاة، إن هذه نومة يغضبها الله منك.

ثم ذهب إلى المحراب يدعو ويتركع ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ويبكي حتى تخضَلّ لحيته، قائلا: يا دنيا غري غيري فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها؛ فيغمى عليه من شدة الخشوع.

وكانت حالته تلك تتكرر كل ليلة منذ أن ارتضع القرآن وعرف نبيه، وقد شهدت بذلك زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام عندما قالت: هي موتة تأتيه كل ليلة، كما شهد بذلك عدوه عندما قال عنه:

 

هو البَكَّاءُ في المحراب ليلاً 

 

هو الطَّعَّانُ إن آنَ الضِّرَابُ 

 

وبينما هو يصلي على هذه الحالة من الخشوع إذا بعدو الله أشقى هذه الأمة عبدالرحمن بن ملجم يهوي بسيفه المسموم على جبهة الإمام قائلا: الحكم لله لا لك يا علي، فوقعت الضربة على جبينه سلام الله عليه فقال: فُزْتُ ورب الكعبة،.

🔹 فسمع الناس بالحادثة وهم في بيوتهم فخرجوا إلى الجامع مسرعين فتجمعوا حول الإمام، فقال لهم: أدركوا الرجل، لا يفوتنكم الرجل، وكان كل الناس داخلين الجامع وعدو الله خارجا، فعرفوا أنه هو فقبض عليه حجر بن عدي وسلمه للحسن، ثم حُمل الإمام إلى البيت. 

فاجعة ومصيبة حلت بالأمة في تلك الليلة لم يستوعبها الناس ولم يفيقوا منها منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، كيف يُقتَل وصي رسول الله وهو في مسجده وبين أنصاره وبسيف محسوب على المسلمين، فجيعة ومصيبة وكارثة لا زالت أثارها المأساوية إلى اليوم. 

ثم حملوا الإمام علي "ع" من الجامع إلى بيته، فاستدعى الطبيب، وعندما فحصه عرف أن لا سبيل لشفائه لأن الضربة وصلت الدماغ، فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فعدو الله قد بلغ بها الدماغ.

فأمر الإمام جمع أولاده العشرين وبناته الـ٢٢ ليوصيهم بآخر وصاياه، وعندما اجتمعوا كلهم وحلّقوا حوله، نظر إليهم نظرة مودع، ثم راح يملي وهو على فراش الموت والضربة القاتلة نافذة في أعماق المخ وصيته إليهم وإلى ابنه البكر الحسن (ع) هي أروع ما عرفه التراث الإنساني عبر تاريخه على الإطلاق، تتضمن الحكمة والموعظة والتودد، وقد بقي بكامل وعيه، وكتب أجمل وصية كتبها أب لولده في تاريخ الإنسانية، وهي موجودة في كتب التاريخ ونهج البلاغة، ولكن سأروي لكم بعضا منها:

قال الإمام علي لابنه الحسن: ارفق يا ولدي بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، وأشفق عليه، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكل!، واسقه مما تشرب!، ولا تُقيد له قدماً، ولا تَغُل له يداً، فإن أنا مت فاقتص منه؛ بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، ولا تحرقه بالنار، ولا تمثل بالرجل؛ فإني سمعت جدك رسول الله "ص" يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به.

ثم قال الإمام لولديه للحسن والحسين: أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحق واعملا للأجر، وكونا للظالم خصمًا، وللمظلوم عونًا..إلخ الوصية.

واستمر المرض فيه يومين، وفي اليوم الثالث يوم ٢١ رمضان ارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها منتقلة من دار الدنيا إلى دار الآخرة؛ فكان محلها هناك في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لتجاور الأنبياء والشهداء، وعلى رأسهم أخوه رسول الله وعمه الحمزه وأخوه جعفر وعمته خديجة وجدته آمنه وبقيت الأرواح الطاهرة التي سبقته إلى جنان الخلد ودار النعيم.

ثم حُمِل خُفية على أكتاف الرجال ودفن بالغري "النجف" سرا، لئلا ينبشه بنو أمية، وبعد حوالي ١٥٠ سنة في عهد هارون الرشيد أظهروا قبره للعلن، وهو الآن بالنجف الأشرف في العراق.

سلام الله عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدتَ ويوم أسلمتَ ويوم جاهدتَ ويوم اسْتُشْهِدْتَ، ويوم تُبْعَثُ حَيًّا.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر