المشروع الإلهي هو مشروعٌ متكامل- كما شرحنا قبل قليل- يسمو بالإنسان، لا يركِّز فقط على مطالب واحتياجات في جانب من حياة الإنسان، ويهمل الجوانب الأخرى المتعلقة بالإنسان؛ ولهذا عندما نأتي إلى مِنَّة الله ونعمته في رسالته، وهو القائل "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة: 2-4]، ما تتضمنه هذه الآيات المباركة من هدى هو شيءٌ كثيرٌ جداً وواسعٌ ومهم، ولا يتسع الوقت للحديث عنه، لكننا نقتصر على بعضٍ من ذلك في سياق موضوعنا الذي نتحدث عنه.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" امتن على العرب في المقدِّمة، وعلى البشرية جميعاً، بخاتم رسله وأنبيائه، في مرحلة مهمة، هي مرحلة تعتبر نهاية التاريخ، المرحلة المتأخرة، المرحلة الأخيرة، آخر الزمن كما يُعبَّر عنه، المرحلة التي ستكتمل بها حياة البشر ووجودهم على هذه الأرض واستخلافهم، ثم تنتهي حياتهم، ويأتي بعدها يوم القيامة، ويأتي عالم الآخرة، الختام للرسل والأنبياء كان برسول الله وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وختام عظيم؛ لأن المرحلة الأخيرة، والحقبة الزمنية الأخيرة من حياة المجتمع البشري، ومن الوجود الإنساني على الأرض، هي ذات أهمية كبيرة، وستكون خُلاصةً لما قبلها، خُلاصةً لما قبلها من مراحل التاريخ، منذ بداية الوجود البشري، وخلاصة مهمة، البشرية فيها طفرت طفرة كبيرة في إمكانات هذه الحياة، وسائل هذه الحياة، متطلبات هذه الحياة، وأصبح العصر في هذا الزمن- كما يقال- عصر السرعة، وزمن السرعة، كل شيء يتسارع بشكلٍ كبير، فرسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" هو سيِّد الأنبياء والمرسلين، منحه الله تعالى من الكمال العظيم لأداء مهمته المقدسة ما هو في مستوى هذا الدور الكبير، لآخر مرحلة مهمة من حياة البشر؛ ولذلك منذ وجود النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ثم بعثته بالرسالة، يأتي هذا العنوان؛ لِيؤخذ بعين الاعتبار، وليلفت الله نظرنا إليه: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر: الآية1]، (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) يؤكد على اقتراب القيامة، وهذا هو من دلالات أن يكون رسول الله محمد خاتم الأنبياء والمرسلين؛ ولذلك هو فيما منحه الله من الكمال العظيم لأداء مهمته المقدسة، ثم أعطاه أيضاً أعظم كتبه (القرآن الكريم)، القرآن الكريم هو أعظم كتب الله، أجمعها، أشملها، أوسعها هدىً، ومع ذلك حفظه الله من التحريف لنصه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: الآية9]؛ ليبقى نصه محفوظاً لبقية الأجيال إلى قيام الساعة، فجعله واسع الهدايا والمعارف إلى درجة مذهلة جداً تفوق كل تصور، لدرجة أن يقول عنه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: من الآية27]، هكذا إلى هذه الدرجة الرهيبة والمذهلة والتي تفوق كل تصور وكل تخيل.
والرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" تحرَّك بالرسالة الإلهية، بهدى الله، بتعليماته، بكتابه، بوحيه، لإنقاذ البشرية، لهداية البشرية، لتعليم البشرية، لتزكية البشرية، ويأتي العنوان لهذه المهمة المقدسة في قول الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[الجمعة: من الآية2]، وبهذا تحرك رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" لأداء هذه المهمة المقدسة: لتربية، وتزكية، وتعليم، وهداية البشرية، بدءاً بهذا المجتمع العربي، الذي كان آنذاك مجتمعاً جاهلياً، العنوان لتلك المرحلة هي الجاهلية، ومجتمعاً أمياً، بدائياً، لا يمتلك ثقافةً ومعرفةً، وليس له ارتباط وصلة وثيقة بكتب الله وتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومجتمعاً خرافياً، انتشرت فيه الخرافات، العقائد الباطلة، التصورات الجاهلية، ومجتمعاً يعاني من انعدام العدل، من انعدام كذلك القيم العظيمة والمهمة والأساسية، التي يبنى عليها صلاح حياة المجتمع، واستقرار حياته، وسموه الإنسان، وتحقيق كماله الإنساني، كل هذا كان يفتقر إليه المجتمع.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة تدشين المراكز الصيفية 1445هـ