تلك الفئة التي أصرَّت، عاندت، تنكَّرت للرسالة الإلهية، جحدت، كانت غير منصفة، لم تتأثر بالآيات ولا العِبَر، أساءت إلى الله، وأساءت إلى رسوله، تفرعنت وساءت إلى أن وصلت إلى درجةٍ عبَّر عنها القرآن الكريم بنصٍ مهمٍ جدًّا: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: الآية7]، ماذا تعنيه هذه الآية المباركة؟ (لَقَدْ): هذه عبارة تأكيد، (اللام) و (قد) في هذا التعبير القرآني يحمل معنى التأكيد، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ}، ما هو القول الذي حَقَّ على أكثرهم؟ أنه الوعيد الإلهي، القول الذي حَقَّ على أكثرهم هو الوعيد بجهنم، الوعيد بالعذاب، بمعنى: أنَّ الأكثرية من أولئك الذين بُعِثَ فيهم وأنذرهم فجحدوا الرسالة، وتنكروا للرسول وهم يعرفون من هو، يعرفون أمانته، يشاهدون الآيات الشاهدة، والمعجزات الدالة على صدقه، وتنكَّروا مع كل ذلك، (حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ): حَقَّ الوعيد الإلهي على أكثرهم، وصلوا في سوئهم، في عنادهم، في كفرهم، في إجرامهم، في فسادهم، إلى درجةٍ أصبحوا فيها من أهل جنهم، أصبحوا يستحقون العذاب الإلهي، فقدوا كل عناصر الخير في داخل أنفسهم، فسدت نفسياتهم، حتى أصبحت بعيدةً تأبى أن تتقبل هذا الدين في مبادئه العظيمة وأخلاقه العظيمة؛ فخذلوا، فلم يعودوا قابلين للإيمان أبداً، خذلوا لهذه الدرجة التي أصبحوا فيها جهنميين بما تعنيه الكلمة، منتهى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان حينما يضل ويخذل ويفسد فلا يعود قابلاً للحق، ولا متقبلاً للهدى، ولا منسجماً مع الفطرة، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، لا يمكن أن يؤمنوا؛ لأنهم قد خذلوا إلى هذه الدرجة الرهيبة جدًّا.
هذه الفئة عندما كان في يوم فتح مكة وأعلنت إسلامها، لم تعلن إسلامها عن إيمان، إنَّ القرآن يؤكِّد هذه الحقيقة، لم تعلن إسلامها عن قناعة، كانت المسألة بالنسبة لها حالة استسلام، حالة ارغام، حالة هزيمة، ولذلك حينما دخلت في هذا الإسلام دخلته كحالة استسلام، وليس كحالة إيمان، ومعنى ذلك ماذا؟ دخلوا كمنافقين ، كمنافقين في هذا الدين.
عندما دخلوا كمنافقين في هذا الدين، ونعرف من خلال القرآن الكريم ماذا ستكون توجهاتهم، اهتماماتهم، برنامجهم، ما هو البرنامج الذي عليه المنافقون؟ الله يقول في القرآن الكريم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: من الآية67]، هذا هو البرنامج الذي يسير عليه المنافقون بعد أن ينتموا للإسلام، بعد أن يشهدوا بالشهادتين، بعد أن يمارسوا طقوساً من طقوس الإسلام كحالة شكلية، بعد أن يتقبَّلوا بعضاً من هذا الإسلام بشكلٍ أو بآخر، لكنَّ برنامجهم في هذه الحياة ليس هو برنامج الإسلام الذي رسمه: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: من الآية110]. إنَّه اتجاهٌ معاكس، إنَّه برنامجٌ مختلفٌ كلياً، على العكس من ذلك (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ)، المنكر الذي هو مناقضٌ للمعروف في كل تفاصيله تلك: ظلم، فساد، جرائم، تربية فاسدة…إلخ. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)، فهم يتجهون اتجاهاً مختلفاً.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى عاشوراء 8 محرم 1441 هـ