ونحن في هذا المقام نشيد بالموقف الشعبي الصامد والمتماسك، في تلك المرحلة الحرجة والظرف العصيب، ونشكر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي منه كل العون، وكل التوفيق والتثبيت، وهي مرحلة من أخطر المراحل التي مرَّ بها شعبنا.
في ذكرى الشهيد الصماد، وهو عنوانٌ للصمود، والتضحية، والثبات الذي كان عليه، والذي عليه شهداء بلدنا الأعزاء، الذين انطلقوا من المنطلق الإيماني وهم يتحلون بالثبات والمصداقية والوفاء، وجماهير هذا الشعب، وأبناء هذا الشعب، وأسر الشهداء والجرحى، والمرابطون في الجبهات، نستذكر أيضاً بمظلوميته وشهادته مظلومية شعبنا العزيز.
عندما بدأ هذا العدوان ومن اللحظة الأولى، وفي كل المراحل وفي ظل استمراره على شعبنا العزيز، اتصف هذا العدوان بالوحشية والإجرام، وبالتغطرس والكبرياء والجبروت، فكانت الممارسات من قبل تحالف العدوان من بداية العدوان وإلى اليوم كلها ممارسات إجرامية، ووحشية، وبشعة، ومتجردة من كل المشاعر الإنسانية، وهذا أمرٌ معترفٌ به دولياً، أسوأ صيت وأسوأ سمعة في الإجرام والوحشية هي لتحالف العدوان، أصبح هذا شيئاً معروفاً في الوسط العالمي بكله.
وحجم الجرائم بحق شعبنا مهول ورهيب، جرائم رهيبة جداً في مختلف المدن، قصف وإبادة جماعية للناس، قتل بطريقة وحشية للمجتمع اليمني في المساكن، والمنازل، والأسواق، والمساجد، والمدارس، والطرقات، وبشكلٍ جريءٍ جداً؛ نتيجةً للغطاء الأمريكي، والدفع الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني بالنزعة الوحشية والإجرامية لهم، وقبح الأدوات المنفذة وسوئها، والنزعة الإجرامية لديها.
حجم المظلومية الكبيرة جداً لشعبنا، وحجم الجرائم، وتفاصيل تلك الجرائم، من أهم الأمور التي يجب التذكير بها، والحديث عنها، والإبراز لها؛ لأنها مظلومية كبيرة جداً لشعبنا العزيز، ما حصل ليس شيئاً بسيطاً، ما فعله تحالف العدوان في بلدنا ليس شيئاً هيناً، أو بسيطاً، أو عادياً، جرائم رهيبة جداً، قتل لعشرات الآلاف من أبناء شعبنا العزيز، قتل للأطفال بالآلاف، قتل للنساء بالآلاف، استهداف للمدنيين وللناس في بيوتهم، في منازلهم، في قراهم، في مدنهم، في مساجدهم، في أسواقهم، في الطرقات، استهداف بالقتل الجماعي والإبادة الجماعية، استهداف بالتدمير الممنهج للإضرار بهذا الشعب، وبهدف إلحاق أبلغ الأذى والظلم والضرر لهذا الشعب، تدمير للخدمات والمصالح العامة، للجسور والطرقات، حتى لخزانات المياه، استهداف لكل معالم الحياة في هذا البلد، حتى الآثار، حتى المقابر، استهداف لكل شيء.
فالمظلومية كبيرة جداً، واستذكار هذه المظلومية، واستذكار تفاصيلها، وإبراز هذه التفاصيل، والتذكير المستمر بها مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، في الأنشطة الإعلامية، والأنشطة التوعوية، وأنشطة التعبئة في الوسط الشعبي والرسمي، والأنشطة التثقيفية والتعليمية، هذا شيءٌ مهمٌ جداً، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك؛ لأن هذا يترتب عليه مسؤوليات مهمة، ولأن هذا- بحد ذاته- كافٍ في إسقاط كل الدعايات والتبريرات الزائفة، التي تروج لهذا العدوان، وتبسط هذا العدوان، أو تحاول أن تشرعن هذا العدوان، أو تحاول أن توجد له قابلية، وأن تجعل له عناوين هنا أو هناك.
لا شيء أبداً يمكن أن يكون مبرراً حقيقياً لتلك الجرائم الفظيعة والرهيبة والوحشية، ولا شيء يمكن أبداً لا أن يبررها، ولا أن يشرعنها، ولا أن يجعل لها قابلية في النفوس أبداً، وحدهم المتوحشون والمجرمون والسيئون والظالمون من يمكن أن يقبلوا التبرير لها، أو التغاضي عنها واعتبارها عملاً عادياً؛ أمَّا كل من يمتلك الضمير الحي، من يمتلك الشعور الإنساني، من يمتلك القيم الإنسانية والإيمانية والفطرية، فلابدَّ أن يكون له موقفٌ تجاه تلك الجرائم الوحشية، وتجاه من ارتكبها بحق هذا الشعب من تلك الدول، ومن تلك الأدوات الإجرامية والوحشية.
تحالف العدوان منذ بداية العدوان وإلى اليوم كانت ممارساته ممارسات إجرامية بشعة، على مستوى القتل والتدمير والحصار، الذي ألحق معاناة كبيرة جداً بشعبنا العزيز في واقعه المعيشي، وصولاً إلى التجويع للملايين من أبناء هذا الشعب، وإلحاق ضائقة معيشية شديدة جداً بهم، أو على المستوى الصحي، من أسوأ ما عاناه شعبنا العزيز نتيجةً للحصار والحرب عليه والعدوان عليه المعاناة الكبيرة جداً في الجانب الصحي، معاناة كبيرة للغاية، وأودت بحياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء والكبار والمرضى؛ نتيجةً لانعدام الرعاية الصحية والخدمات الصحية والطبية، وأي شخص يمتلك الوعي والإحساس بالمسؤولية والضمير الحي لابدَّ أن يتحرك، وأن يكون له موقف، وهذا مما دفع بالشهيد "رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه"، والشهداء وأحرار هذا البلد للتحرك الجاد، والاستعداد التام للتضحية، والتحرك في مواجهة العدوان والتصدي له بكل جهد، فكان الشهيد رحمة الله تغشاه نموذجاً في الصدق مع الله، والوفاء لشعبه، والتحرك الجاد ضمن الأولوية في التصدي للعدوان.
أيضاً كان "رحمة الله تغشاه نموذجاً راقياً في أداء المسؤولية، مثلما كان نموذجاً في التضحية والوفاء لشعبه، والمصداقية مع الله ومع شعبه، فهو أيضاً كان نموذجاً راقياً في أداء المسؤولية، ولمنطلقه الإيماني أهميةٌ أساسيةٌ في ذلك، هو انطلق في أداء المسؤولية من منطلق إيماني، لم يكن لديه رغبة في أن يصل إلى موقع مسؤولية الرئاسة كمنصب كبير، وكموقع مهم على المستوى السياسي والاعتباري، أو موقع للاستغلال الشخصي لتحقيق المكاسب الشخصية المادية والمعنوية، كما هو هم الكثير من الناس، همهم في أن يصلوا إلى أي موقع يستطيعون الوصول إليه، أي منصب؛ ليحققوا لأنفسهم مكاسب شخصية مادية ومعنوية؛ أمَّا هو فكان منطلقه منطلقاً إيمانياً، ولذلك هو قَبِل في الأخير بتحمل هذه المسؤولية من منطلقٍ إيماني، لم يكن طالباً ولا ساعياً لهذا المنصب، ولهذه المسؤولية، ولهذا الدور، بل تقبله بإلحاح، بدافعٍ إيماني، بدافع الشعور بالمسؤولية، ولذلك لم تتغير روحيته ونفسيته بعد أن وصل إلى هذه المسؤولية.
البعض من الناس إذا وصل إلى أي منصب، ولو منصب بسيط، أو محدود، أو في نطاق محدود، تتغير نفسيته تماماً عمَّا كان عليه سابقاً، يصبح إنساناً متكبراً، متغطرساً، تصبح سلوكياته سلوكيات سلبية، تحدث منه ممارسات في إطار توجهاته التي تختلف عمَّا كان عليه سابقاً، هذا يحصل للكثير من الناس.
أمَّا الشهيد الصَّمَّاد "رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه" فهو ذلك الرئيس الذي دائماً يحمل روحية الجندي، وروحية المواطن البسيط، وروحية من يشعر بأن مسؤوليته هي الخدمة لشعبه، أن يكون خادماً لأبناء شعبه، لأبناء بلده، ولم تتغير هذه الروحية بالنسبة له، فاتجه بكل جد، بكل اهتمام لأداء هذه المسؤولية وهو لا يتغير، يحمل التواضع بشكلٍ مستمر، يحمل الاهتمام بأداء مسؤوليته والعمل، ويتحرك في إطار العمل النشط ليلاً ونهاراً، وليس فقط وقت دوام محدود، بل يهب كل وقته لأداء هذه المسؤولية ولهذا العمل.
ومما يتميز به هو ذلك الاهتمام، والعمل النشط والدؤوب في خدمة شعبه، في متابعة القضايا المهمة، في الاهتمام بالتصدي للعدوان، في تكثيف اللقاءات بالناس، اهتمام وعمل نشط ليلاً ونهاراً.
مما تميز به كنموذج في أداء المسؤولية هو سعة صدره، وموقع المسؤولية كلما كان أعلى، كلما كان يتطلب سعة الصدر بشكلٍ أكبر، الإنسان في موقع المسؤولية كلما كبرت مسؤوليته، كلما واجه الكثير من التحديات، والصعوبات، والمشاكل، وحمل الكثير من الهموم، مع ما يواجهه من لوم، من عتاب، من انتقاد، من إساءات، كم يواجه الإنسان في موقع المسؤولية، والمسؤوليات الحساسة يكون الإنسان فيها- عادةً- أكثر عرضةً لذلك، أن توجه إليه الإساءات، الانتقادات، أن يواجه الصعوبات والتحديات، أن يتحمل الكثير من المشاكل، أن يحمل الكثير من الهموم، مما هو- عادةً- يؤثر على نفسية الإنسان، وعلى سعة صدره.
فموقع المسؤولية وبالذات كرئيس يحتاج إلى سعة صدر، إلى تحمل كبير، تحمل لكل ذلك: ما تواجهه من هموم، ما تواجهه من مشاكل، ما تواجهه من تحديات، ما تواجهه من صعوبات في الواقع العملي، والصعوبات في الواقع العملي كثيرة، في ظروف كتلك الظروف التي أتى الشهيد الصَّمَّاد ليتحمل المسؤولية أثناءها، في وقت ذروة التصعيد على بلدنا، شدة الحصار على بلدنا، المعاناة الكبيرة لشعبنا، الوضع الرسمي المتردي، والذي هو متأثر بشكلٍ كبير جداً بكل تأثيرات الماضي في داخله، ما فيه من العوائق، ما فيه من التحديات، والصعوبات، والتعقيدات، واقع تعقيداته كثيرة، إن جئت إلى مؤسسات الدولة، فهي في الواقع ليست مؤسسات بما تعنيه الكلمة، شكلياً هي مؤسسات شكلياً، هي بشكل مؤسسات، لكن كيف هو نظامها؟ كيف الواقع بالنسبة للكثير من كادرها والموظفين فيها، ممن يتأثرون بتأثيرات الماضي في اهتماماتهم، في ولاءاتهم، في مواقفهم؟ كيف هو حجم الصعوبات في الواقع المادي والإمكانات (إمكانات الدولة)، والوطن المحتل منه مساحة شاسعة، بالذات منابع الثروة في الوطن، من أول ما ركَّز عليها الأعداء، وحرصوا على احتلالها، والسيطرة عليها، ونهبها، وحرمان الشعب منها، فهذه التعقيدات الكثيرة والمشاكل الكثيرة التي يواجهها من هو في ذلك الموقع مع المؤسسات الرسمية نفسها، التي لها شكل المؤسسات، وفي داخلها الكثير من التعقيدات والاختلالات، وفيها الكثير ممن لا تزال لديهم أجندة، أو ارتباطات، أو علاقات، أو تأثيرات سلبية تؤثر على الأداء، ومن يسعى منهم لإعاقة أي عمل أو نجاح... إلى غير ذلك، حجم العدوان، وهو تحالف دولي إقليمي محلي، وضغطه الكبير على البلد، وعلى كل شيء في هذا البلد، الواقع في مثل هذه الظروف التي فيها أيضاً تعقيدات كثيرة في الوضع الداخلي، والحاجة إلى جهود كبيرة للحفاظ على الصف الوطني، ففي ظل كل تلك التعقيدات عادةً ما تتأثر نفسية الإنسان في مستوى التحمل، في مستوى سعة الصدر، في مستوى طبيعة وطريقة التعامل مع الناس، لكن الشهيد الصَّمَّاد "رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه" كان معروفاً لدى الجميع بسعة صدره، بحسن خُلُقه، بجميل أسلوبه في التعامل والمنطق والاحترام للناس، بالقرب من الناس، بالقرب من المجتمع، بالقرب من المسؤولين، بعلاقاته الواسعة والإيجابية، بلقاءاته وأنشطته المكثفة والواسعة، وهذه ميزة كبيرة في سعة الصدر، وسعة الأفق، والاستيعاب للناس، والقرب منهم، والتعامل معهم بالاحترام والتكريم، وهذه ميزة كبيرة جداً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
كلمة السيد القائد بمناسبة الذكرى السنوية
لاستشهاد الرئيس الشهيد صالح علي الصَّمَّاد 1444هـ