مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

ولذلك يؤكد الله “سبحانه وتعالى” في آياتٍ كثيرة على هذه الحقائق، وينبهنا إليها في القرآن الكريم، منها قوله “جلَّ شأنه”: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: الآية28].

 

هذا الإيمان بهذه الحياة الأخرى، وأنها آتية، وأن هذه الحياة ليست إلا جزءاً بسيطاً في مقابل تلك الحياة، وأن الإنسان في الأساس مخلوقٌ للأبد، والفناء بالنسبة له حالة عارضة، وحالة فاصلة، ينتقل بعدها إلى حياةٍ أخرى، له أهميةٌ كبيرةٌ جدًّا:

 

أولاً: كي لا نتشبث بهذه الحياة، ويكون كل اهتمامنا متوجهاً نحوها، على حساب هذه الحياة الآخرة الأبدية المهمة، وهذه نقطة مهمة جدًّا؛ لأن الكثير الكثير من الناس اتجهوا بكل اهتماماتهم إلى هذه الحياة، وغفلوا بشكلٍ تام عن الحياة المستقبلية الأبدية الدائمة، وبذلك تورطوا في الكثير من المعاصي، وأعرضوا، وهذا يؤثر حتى على استقامة هذه الحياة؛ لأنه كما قلنا: هناك ترابط ما بين هذه الحياة والحياة الأخرى، وهذا ركز عليه القرآن الكريم كثيراً، ومن ضمن ذلك في قوله “سبحانه وتعالى”: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 123-126]، فهنا نجد الربط ما بين هاتين الحياتين، استقامتك في هذه الحياة، هو خيرٌ لك في هذه الحياة نفسها، وهو أيضاً أساسيٌ لا بدَّ منه في أن تستقيم حياتك الأخرى الأبدية والدائمة.

 

إذا لم تستقم على أساس هدى الله في هذه الحياة، فأنت ستكون خاسراً في هذه الحياة، لو نلت منها ما نلت، ولو حصلت منها على ما حصلت، فأنت لا بدَّ خاسر؛ لأن ما يميز أيضاً هذه الحياة عن الحياة الأخرى: أن هذه الحياة ممزوجةٌ بالمنغصات، ممزوجةٌ بالخير، والشر؛ والسعادة، والشقاء؛ واليسر، والعسر؛ والسقم، والعافية، مع أنها حياة محدودة، مؤقتة، قصيرة، هي أيضاً ممزوجةٌ بالخير والشر، ليس فيها خيرٌ خالص، ولا شرٌ خالص، ولا شقاءٌ دائم، تتنوع حالات الإنسان فيها، الإنسان فيها يمر بحالات مختلفة، بحالات متنوعة، أحياناً في يسرٍ، وأحياناً يكون في عسر؛ أحياناً في عافية، وأحياناً يكون في حالة سقمٍ ومرض؛ أحياناً في غنىً، وأحياناً في حالة فقرٍ وشدة؛ أحياناً في حالة فرح، وأحياناً في حالة حزن، وهكذا، حالات مختلفة، حالات متنوعة، وأحوال متنوعة.

 

هذا فيه درس كبير لهذا الإنسان: أولاً يبين لنا حقيقة هذه الحياة؛ حتى لا نؤثرها على تلك الحياة الآخرة، الأبدية؛ لأن تلك الحياة على العكس من هذه الحياة:

 

خيرها خالصٌ، ليس فيه أي منغصات، ولا لحظة واحدة، عندما تكون في نعيمها لا يمكن أن تعتريك لحظة واحدة، أو ذرة واحدة من الشقاء، أو الغم، أو الحزن، أو الألم، أو الهم، أو الضجر، أو الضيق، أو العناء، أو التعب، هي حياةٌ نعيمها نعيمٌ خالصٌ من أي منغصات، ولا لمستوى لحظة واحدة.

 

والشر فيها كذلك هو شرٌ خالص، في الحياة الآخرة الشر خالص، لا يمكن أن يكون هناك لحظة واحدة من الراحة، ولا لحظة واحدة يفارقك فيها الألم، والعناء، والوجع، والشدة، والعذاب.

 

فخيرها خالصٌ، وهو على أرقى مستوى، نعيمٌ عظيمٌ جدًّا، وشرها إذا كان الإنسان في تلك الحياة، إذا كان خاسراً وإلى العذاب، فشرها خالصٌ، وعذابها خالص، وعلى مدى مليارات السنين، وعلى مدى ذلك الزمن الذي لا انقضاء له، وتلك المدة التي لا نهاية لها، لا يمكن أن تحظى حتى بلحظة واحدة، ولا بثانية واحدة، من الراحة، ولا بلحظة واحدة من أن يفارقك فيها الألم، والوجع، والعذاب، والشدة، والضيق، والعذاب النفسي والجسدي.

 

فإذا كان هذا هو حال كلٍ من هاتين الحياتين، أفلا يجدر بنا أن نحرص على أن نسير في الاتجاه الذي فيه الخير لنا في هذه الحياة، وفي تلك الحياة المستقبلية الأبدية؟

 

عندما نسير على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، فالله سيمن علينا بالحياة الطيبة، سنحظى في هذه الحياة برعايةٍ واسعة من الله “سبحانه وتعالى”، ولن نكون في حالة خسارةٍ أبداً، حتى عندما نواجه العناء، فهو عناءٌ مكتوبٌ لنا، عندما نواجه شيئاً من عناء هذه الحياة، من عسرها، أو من ضيقها، عندما نضحي ونحن في إطار العمل في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ونحن في إطار الاهتداء بهدى الله “سبحانه وتعالى”، ونحن نتحرك على أساس ما وجهنا الله إليه، أي عناءٍ يحصل لنا ونحن في حال ذلك هو عناءٌ مكتوب، لك فيه ما يقابله، وأنت في نفس الوقت تكون في حالة رضى عن الله “سبحانه وتعالى”، بل إنه سيكون عاملاً مهماً في أن يدفع بك أكثر وأكثر إلى الاهتمام بما يؤمِّن لك تلك الحياة الأبدية الدائمة، وأنت في الأساس لا تكترث؛ لأنك تدرك أنه وحتى إن نالك شيءٌ من العسر في هذه الحياة، أو من العناء في هذه الحياة، فأنت متجهٌ بآمالك لتلك الحياة الأبدية، والسعادة الخالصة، التي لا يكدر صفوها أي عناء، ولا أي ضُر، ولا أي شر، ولا أي كدر، ولذلك أنت في حالة رضى عن الله “سبحانه وتعالى”، أنت لا ترى نفسك خاسراً، حتى لو كان الثمن أن تضحي بنفسك، أن تقتل شهيداً في سبيل الله، هذه بالنسبة لك ليست خسارة، تنتقل بعدها شهيداً، في حياة الشهداء إلى يوم القيامة، رابحاً، تنال حياة أفضل من هذه الحياة، ثم تأتي أيضاً مرحلة الحياة الآخرة، التي هي حياةٌ سعيدةٌ للأبد في جنة المأوى.

 

عندما تقدم شيئاً من مالك، عندما تواجه العناء والجهد في حياتك، وأنت في هذا الطريق، الذي تضمن به مستقبلك الأبدي، والسعادة الدائمة، فأنت في حالة رضى؛ لأنك تدرك أنه: إن نالني شيءٌ محدودٌ يسيرٌ من العناء، فهو في مقابل أنني سأرتاح الراحة الدائمة، الراحة الأبدية، سأسعد السعادة العظيمة على أرقى مستوى.

 

والحال مختلف، الحال مختلف لمن لم يحسب حساب الحياة الآخرة، لمن لم يحسب حساب حياتين يعيش فيهما؛ وإنما حياة واحدة، هي هذه الحياة، لن تصفو له هذه الحياة، لن تصفو له أبداً، حتى وإن كان له إمكانيات، وحصل على وفرة من هذه الدنيا، وكان لديه أموال، ولديه ممتلكات، ولديه إمكانيات، فهو لن يسعد بذلك، لا بدَّ أن يكون معانياً، لا بدَّ أن تأتيه المعيشة الضنكا، وفق الوعيد الإلهي؛ لأن الله قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}، تختلف هذه الحالة من شخصٍ إلى آخر.

 

البعض قد تكون حياته الضنكا، ومعيشته الضنكا، والضيق الذي يأتيه في حياته، حتى بأمواله، حتى بممتلكاته، حتى بسلطانه، حتى بموقعه الاجتماعي الذي راهن عليه، وكان بالنسبة له أهم شيء، قد يكون سبب عناءٍ له، ولا ينال الراحة النفسية التي يبتغيها، يمكن للإنسان أن يعذب حتى بالمال، ويمكن للإنسان أن يعذب حتى بموقعه في السلطة، أن يكون ذلك سبب اضطرابٍ وقلقٍ مستمرٍ بالنسبة له، وهمٍ دائم، وانشغالٍ نفسيٍ وذهنيٍ على نحوٍ غير طبيعي، ليس فيما يؤمِّل من ورائه الخير عند الله “سبحانه وتعالى”، والمستقبل الأبدي السعيد والمهم.

 

فلذلك لن تصفو له هذه الحياة؛ إنما يأتيه فيها ما يكدرها، وتأتيه فيها المنغصات الكثيرة، فينال أيضاً مع خيرها من شرها، ومن عسرها، ومن آلامها، ومن همومها، ومن منغصاتها الكثيرة.

 

والذي هو في هذه الدنيا قد يجد نفسه أنه أكثر الناس ثروةً، أو أنه أكبر الناس سلطاناً وجاهاً، لا يمكنه أبداً أن يعيش- ولو لفترة مؤقتة محدودة من حياته- بدون أن يعاني من الهموم، من الآلام، من الأمراض، من المشاكل، من القلق، من العوامل الكثيرة التي تنغص عليه حياته هذه، فلن تصفو له هذه الحياة أبداً، وهذا أمرٌ واقعي، قائمٌ في حياة الناس، حتى على مستوى أغنيائهم، وملوكهم، وسلاطينهم، وأصحاب الثروة والجاه والمال فيهم، من يتجه في حياته كل اتجاهه ليستمتع بهذه الحياة، لتطيب له هذه الحياة، لن يحصل له ذلك.

 

لكن إذا كان عند الإنسان توجه على أساس ما يصوره لنا القرآن الكريم، وما يقدمه الله لنا في القرآن الكريم، وما أخبرنا به، عن حياتين مترابطتين، استقامتك في هذه الحياة هي أساسٌ لاستقامة حياتك الأخرى الأبدية ومستقبلك الدائم، هنا سيكون هناك فارق كبير، سيتحقق لك في هذه الحياة ما قال الله “سبحانه وتعالى”: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}.

 

على مستوى المكاسب المعنوية، الراحة والاطمئنان الكبير، وأنت تتحرك في حياتك هذه على نحوٍ هادفٍ، وبأهداف عظيمة جدًّا، ولك صلتك بالله “سبحانه وتعالى”، ترجوه “جلَّ شأنه”، وتعمل على أساس الحصول على مرضاته، وهذا له أهمية كبيرة على مستوى الرضا النفسي، والاطمئنان النفسي، والحياة الطيِّبة، {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، ولا تعني الحياة الطيِّبة ألَّا تواجه في هذه الحياة مشاكل، أو هموماً، أو أمراضاً معينة، أو صعوبات معينة، أو تحديات معينة، أو معاناة معينة، ولا يعني ذلك أنَّ هذه الحياة لم تعد ميدان مسؤولية، ودار ابتلاء، ودار عمل، لا، هذا كله لا بدَّ منه، لكن هناك فارق كبير جدًّا، على المستوى النفسي، وعلى مستوى الواقع، واقع حياتك أنت، في الحالة التي لك فيها صلةٌ بالله “سبحانه وتعالى”، أنت مؤمنٌ به “جلَّ شأنه”، ترجوه، وتخافه، وتحبه، هذه الحياة لديك فيها هذه الصلة العظيمة، التي تزيح عنك أكثر الهموم، وتنال فيها رعاية الله “سبحانه وتعالى”، وفضله الواسع، الذي ينقذك ويقيك من أكثر الأشياء، ثم أنت تشعر بقيمة ما تعمله، وأهمية ما تقدِّمه، ثم آمالك ممتدةٌ إلى مستقبلك الكبير في الآخرة، هذه مسألة مهمة جدًّا.

 

ولهذا سمَّى الله هذه الحياة بالمتاع، بالمتاع، وأنها ليست إلَّا حياةً مؤقتة، هي جزءٌ من وجودك كإنسان، هذا الوجود الذي جزءٌ منه في هذه الحياة، وجزءٌ منه يستمر في مستقبلك الكبير في الآخرة.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الرابعة 1442هـ


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر