يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال: الآية 9].
تاريخياً: عند الوصول إلى وادي بدر، منطقة بدر هذه فيها وادٍ، ووصل المسلمون مساءً إلى الضفة الأقرب إلى جهة المدينة، الناحية من الوادي والضفة من الوادي التي إلى جهة المدينة المنورة، وصلوا مساءً واستقروا، كان قد سبقهم الأعداء، وهم في الضفة الأخرى (في الناحية الأخرى) على حافة الوادي، وقد سيطروا على آبار المياه الموجودة في الوادي وبالقرب منه، وهم معسكرون في تلك الجهة، وصل المسلمون مساءً واستقروا وعسكروا في حافة الوادي الأقرب إلى المدينة، وبقوا ليلتهم تلك استعداداً للمعركة في النهار، في صبيحة تلك الليلة، عندما وصلوا واستقروا وعسكروا في تلك الجهة في حافة الوادي الأخرى، كانوا يعيشون الوضع النفسي القلق تجاه المعركة المقبلة، ولكنهم توجَّهوا إلى الله -سبحانه وتعالى-، والتجأوا إليه، واستغاثوه، وطلبوا منه النصر، وطلبوا منه المعونة والتثبيت، وهذه هي الحالة الإيجابية الصحيحة، هي تربية القرآن، وهي تربية الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، التي نتعلم فيها أن نلتجئ دائماً إلى الله -سبحانه وتعالى-، فالتجأوا إلى الله بالاستغاثة، وطلب النصر منه -سبحانه وتعالى-، وهم يرجون منه النصر، هو ربهم، هو رب العالمين، هو الرحيم، هو العظيم، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، عندما استغاثوا الله -سبحانه وتعالى-، عندما التجأوا إليه، عندما طلبوا منه النصر؛ استجاب لهم، فقال -جلَّ شأنه-: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}، استجاب لهم -جلَّ شأنه- بهذا المدد من ملائكته، الذين وصلوا كتعزيزات؛ ليقوموا بدورٍ مهمٍ في تلك المعركة.
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: الآية 10]، الله -سبحانه وتعالى- جعل هذا المدد، والذي وصل خبره إلى المسلمين والمجاهدين في تلك الغزوة عن طريق الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، جعل الله هذا المدد بشارةً لهم بالنصر، وطمأنةً لقلوبهم، وإشعاراً لهم بأنهم ليسوا لوحدهم في ميدان المعركة، أنَّ الله معهم، وأنه قد أمدَّهم بملائكته، وأنها قد وصلتهم هذه التعزيزات التي هي بعدد يفوق عددهم أضعافاً مضاعفة، عدد المسلمين كان لا يزيد على ثلاثمائة شخص إلَّا عدداً قليلاً، تختلف الروايات في هذه الزيادة كم كانت : ثلاثة عشر، سبعة عشر… أو نحو ذلك، فكان لهذا تأثير معنوي إيجابي كبير في نفوسهم يساعدهم على الاطمئنان.
الدروس المهمة من الآيتين المباركتين
وعندما نعود إلى الدروس المستفادة من هاتين الآيتين المباركتين، نجد أنَّ من أهم لوازم المعركة ولوازم الصراع عموماً في المعركة، وما قبل المعركة، وفي كل ميدان من ميادين الصراع: الالتجاء الدائم إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا بدَّ من هذا: من الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى-، أولاً: من واقع الشعور بالضعف والحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والإنسان بحاجة دائمة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والأمة بحاجة إلى أن تلتجئ إلى الله؛ ليمدها بنصره، بمعونته، بألطافه، بتأييده، ليرعاها برعايته.
وعندما يعيش الناس هذه الثقة بالله، وهذا الأمل، وهذا الرجاء، فهذا يساعدهم للتحرك في ميدان الصراع والنزول إلى ميدان المعركة بمعنويات عالية، بطمأنينة، بثبات، بأنهم ليسوا في واقعهم سيخوضون هذا الصراع فقط بمستوى ما يمتلكونه من إمكانيات؛ إنما أيضاً بما يأمِّلونه ويرجونه من معونة الله، من تأييد الله -سبحانه وتعالى-، وعندما لا تبقى الحسابات ضيِّقة والتقديرات محدودة، أننا نواجه بهذا العدد، بهذه الإمكانات فقط، بل تعدى ذلك هذا الأمل، وهذا الرجاء المفتوح في فضل الله، في تأييده، في معونته، في نصره، والاعتداد بمعيته، أنه -جلَّ شأنه- معنا إن صبرنا، إن ثبتنا على الموقف الحق، إن بذلنا ما بوسعنا، وأدينا ما علينا، فإنه -جلَّ شأنه- معنا، ينصرنا، يعيننا، يؤيدنا، فهذا له أهميته- وفي نفس الوقت- له نتيجته، الله -جلَّ شأنه- يقول هنا: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، عندما نكون في موقف الحق، عندما نتحرك في مسؤولياتنا وواجباتنا في هذا الموقف الحق، ونلتجئ إلى الله -سبحانه وتعالى-، ونرجوه، ونأمل فضله ونصره وعونه، هو -جلَّ شأنه- الكريم العظيم، وهو الذي قدَّم الوعود المؤكَّدة في كتابه، ولا يمكن أن يخلف وعده، فهو يتدخل، هو يستجيب، هو يأتي بمدده، تأتي منه الرعاية الواسعة المتنوعة، يأتي منه التدخل الواسع الذي يغيِّر به الكثير والكثير من الأمور، ويصنع به الكثير والكثير من المتغيرات التي تساعد على الانتصار في المعركة، التي تدفع عن عباده المؤمنين الذين استجابوا له، وتحرَّكوا على ضوء توجيهاته وتعليماته، وتمسَّكوا بالحق، وثبتوا على موقف الحق، تأتي منه الرعاية الواسعة التي تمثل دعماً لهم، وتساعدهم في الواقع، وتصنع لهم الكثير من المتغيرات التي تساهم في انتصارهم وفي ثباتهم.
وهنا قدَّم المسألة موجَّهةً إلى المؤمنين، لو بقي الحديث هنا كله موجهاً إلى رسول الله، إلى نبي الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-، لقال البعض: [هذا أمرٌ يخص النبي]، لكن يأتي الحديث هنا موجهاً إلى المؤمنين: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، ويأتي الحديث أيضاً بالتوصيفات التي تعبِّر عن طبيعة الانتماء، وعن طبيعة السلوك، وعن طبيعة الموقف، سواءً في اتجاه المؤمنين باعتبار انطلاقتهم الإيمانية وموقفهم الحق، الحق عنوان، والإيمان عنوان، وفي المقابل هناك الإجرام والمجرمون عنوان آخر، الكفر والكافرون عنوان آخر، النفاق والمنافقون عنوان آخر، وهذه العناوين هي التي تجري وتأتي على مصاديقها في واقع الناس عبر الزمن.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة العشرون (يوم الفرقان- 3) 1441هـ