يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، يعني: إضافةً إلى الجنتين اللواتي قد مرَّ الحديث عنهن: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}[الرحمن: الآية50]، {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}[الرحمن: من الآية54]، {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}[الرحمن: من الآية56]… إلى آخر ما مرَّ، نجد أنَّ الله أضاف إلى ذلك: الحديث عن جنتين أيضاً، تضاف إلى تلك الجنتين، فيكون المجموع- كما قلنا- أربع جنات، كل جنة منها يتوفر فيها أصناف الفواكه، والأشجار من الزينة والجمال، والمنظر البهيج جدًّا، إضافةً إلى ذلك: ما مرَّ من النعيم.
{وَمِنْ دُونِهِمَا}، يعني: الأقرب إلى مقرك الرئيسي، الأقرب إلى قصرك، فهناك أربع جنات قد تكون- والله أعلم- متواصلة وممتدة، فالأقرب إلى قصرك، وإلى مقرك الرئيسي {جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، تجاه هذا النعيم العجيب الذي أعدَّه الله لكم.
{مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن: الآية64]، هاتان الجنتان، خضرتهما خالصةٌ جدًّا، وشديدة الخضرة، كل جنةٍ منها شديدة الخضرة، إلى درجة أن يكون لونها أدهم، يعني: أخضر غامق، شديد الخضرة جدًّا، فمنظره أجمل؛ لشدة خضرته، وخلوص خضرته، وما فيه من الزينة والجمال، حتى يكاد أن يكون من شدة خضرته مائلاً إلى شيءٍ من السواد، لكنه خضرة غامقة جدًّا، فمنظره بهيجٌ وجميلٌ جدًّا، في غاية الروعة والجمال، حينما تطل من قصرك ومن نوافذ قصرك عليه؛ تبتهج بذلك المنظر البهيج الرائع جدًّا.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن: 65-66]، في كل جنةٍ من هاتين الجنتين عين ماء نضَّاخة، وهي بشكل نافورة، تضخ الماء نحو الأعلى، وبغزارةٍ كبيرة، ليست ضعيفة، بالكاد تكاد تسكب، لا، عين فوارة ونضَّاخة، تضخ الماء إلى الأعلى على شكل نافورة، فتشكل منظراً جميلاً وبهيجاً، وفي نفس الوقت مستمراً، لا ينقطع، هذا الماء الذي يطلع إلى الأعلى على نحو نافورة، وبشكل جميل جدًّا، ويجري من خلاله الماء لكلٍّ منهما، الآن النوافير في الحدائق وعند القصور مما يعتمده البشر، كمنظر جميل، وجو منعش.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن: 67-68]، في كُلٍّ من هاتين الجنتين تتوفر الفواكه، وأشجار الزينة، والفواكه بمختلف أصنافها، تشكِّل منظراً جميلاً، بتنوعها، بتنوع فواكهها وأشكالها، تشكِّل منظراً جميلاً، إذا نظرت أحياناً إلى سوق الفواكه وهي منظَّمة، وترى منظرها بهيجاً وجميلاً ورائعاً، فكيف هو منظر الجنة؟! إضافةً إلى أنها ضمن ترتيب وتنظيم من الله “سبحانه وتعالى”، بديع السماوات والأرض، الذي يجعلها وفق ترتيبٍ عجيبٍ جدًّا، وتهيئةٍ عجيبة، وتركيبةٍ عجيبةٍ جدًّا، فريدة، وذات منظر جميل للغاية.
يتوفر فيها النخل والرمان، يتوفر فيها من مختلف أصناف الفواكه، ويتوفر فيها من هذه الأشجار المعروفة لدى الكثير من الناس؛ لأن الكثير من الفواكه قد لا تُعرف هنا أو هناك، في منطقة أو أخرى، ولكن قد تكون هذه من أكثر الفواكه شهرةً ومعرفةً، إضافةً إلى أنها من أروع الفواكه، ومن أحسن الفواكه، ومن أجمل الأشجار في نفس الوقت، النخيل إذا كان مرتوياً ومستقيماً، يكون منظره جميلاً جدًّا، الرمان- كذلك- إذا كان راوياً، وبأزهاره، وبثماره، يكون منظره جميلاً جدًّا؛ وبالتالي تتوفر هذه الأشجار، ومنها الأشجار ذات الطابع الجمالي، وتكون هي الأقرب إلى مقرك الرئيسي وإلى قصرك.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية69]، فواكه الجنة وأشجارها لا تتأثر بأي عوامل سلبية، لا عوامل مناخية، ولا غير مناخية، ولا من عطش، لا يأتي لها عطش، الماء متوفرٌ بشكلٍ مستمرٍ، وبدون انقطاع، وبكل غزارة، الجو نفسه جوٌ يبقى معتدلاً على الدوام، ليس هناك بردٌ قارس، ولا حرارةٌ شديدة، وليس هناك آفات، ولا أمراض، ولا أي عوامل مؤثرة سلباً تعتري هذه الأشجار، وهذه النباتات، ولا تحتاج إلى أي عناء، لا إلى حراثة، ولا إلى سقي، ولا إلى رعاية، ولا إلى حراسة وانتباه من اللصوص، ولا إلى غير ذلك.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة التاسعة 1442هـ