الأمة الإسلامية فيما تعاني منه اليوم، وفيما عانت منه في الماضي، جزءٌ كبيرٌ من هذه المعاناة يعود إلى وضعها الداخلي، ففي واقعها الداخلي تعاني من الظلم، تعاني من غياب العدل، تعاني من الانحراف الثقافي والفكري، وانتشار المفاهيم الظلامية، والأفكار والثقافات الخاطئة، والعقائد الباطلة، تعاني في داخلها من الصراع، من الظلم، من الشتات، من الاختلاف والتفرق، تعاني على كل مستويات ومجالات الحياة في كل اتجاه: في وضعها الاقتصادي تعاني، في وضعها السياسي تعاني… في كل واقعها تعاني، وهذا شيءٌ غير طبيعي؛ لأنه ليس نتاجاً وثمرةً لانتمائها للإسلام، الإسلام هو دين الله العظيم، ومبادئه وقيمه وأخلاقه وشرعه ونهجه هو يبني حياةً مميَّزة، حياةً عظيمة، حياةً راقية، هو يهيِّئ للمجتمع الذي ينتمي إليه، ويتمسك به بشكلٍ صحيح، ويلتزم به بشكلٍ صحيح، أن يحظى بحياةٍ كريمةٍ تسودها مكارم الأخلاق، يتحقق فيها العدل، يقوم فيها الحق، تجتمع فيها الكلمة على التقوى، تعتصم فيها الأمة بحبل الله -سبحانه وتعالى-، تتعاون على البر والتقوى، يكون أبناء هذا المجتمع بعضهم أولياء بعض، على أساسٍ من هذه المبادئ والقيم العظيمة والمهمة، يكفل له أن يبني حضارةً إنسانيةً راقية؛ لأنها تعتمد على مبادئ إلهية وقيم عظيمة، وعلى نهجٍ قويم، وعلى تعليمات مصدرها الله -سبحانه وتعالى- من حكمته، من رحمته، من علمه، فالحالة السليمة لواقع مجتمعٍ ينتمي إلى الإسلام، ويلتزم بالإسلام، هي على هذا النحو: مجتمع يسوده الحق، والعدل، والألفة، والأخوة، اجتماع الكلمة على أساسٍ من هذه المبادئ والقيم، فلماذا أصبحت هذه الحالة غريبةً إلى حدٍ كبير عن واقعنا كأمةٍ مسلمة، وأصبحت حالةً نادرة، فأصبح الكثير من أبناء مجتمعنا ينظر إليها كحالة خيالية؟ عندما نتحدث عن الواقع الصحيح الذي هو نتاجٌ للتمسك بالإسلام كيف يكون، ثم نرى الفجوة الكبيرة بين هذا وبين الواقع الذي تعيشه الأمة، يرى البعض في ذلك حالة شبه خيالية، أو حالة شبه أسطورية، وكأنها ليست حقيقية.
الحقيقة أنَّ الأمة الإسلامية منذ أمدٍ بعيد وعلى مدى قرونٍ متتالية عانت إلى حدٍ كبير، ودخل إليها كل هذا الدَّخْل السلبي، وهو عبارة عن حالةٍ من الانحراف والتحريف، كانت نتيجته هذه الحالة في واقعها: أن يحل الظلم محل العدل في الأعم الأغلب، أن يحل الضلال والظلام على كل المستويات: الفكرية، والثقافية، والعقائدية، والمفاهيم المتعلقة بالحياة، بدلاً عن النور إلى حدٍ كبير، ولدى فئة كبيرة من أبناء الأمة، وهكذا أن تدخل بقية السلبيات التي كان لها تأثير واضح في الانقسام الكبير بين أبناء الأمة، وفي الاختلاف، والتفرق، والشتات، والصراع، والتنازع…إلخ.
حالة انحرافٍ وتحريفٍ تمثل السبب الرئيسي، ومصدر هذا الانحراف والتحريف كان ثنائيان حذَّر رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- الأمة منهما، ومن دورهما السيء، هما: سلاطين الجور، وعلماء السوء، الطغاة المتجبرون، الذين يتربعون ويتقلدون مقاليد الحكم في هذه الأمة، ويسيطرون عليها من موقع الحكم والسلطة، وإلى جانبهم علماء السوء، الذين يقفون إلى صفهم، ثم يشرعنون لهم كل ممارساتهم الإجرامية والمضلة، ويبررونها، ويقدِّمون لها الفتوى، ويقدِّمون المفاهيم الخاطئة والمضلة التي تشرعنها، وتروِّج لها، وتبررها، وتهيِّئ لها، وتوجد لها القابلية في الساحة الإسلامية، والسياق التاريخي لهذا الانحراف ولهاذين الثنائيين كانت ذروته في التاريخ الإسلامي متمثلةً ببني أميَّة.
بنو أميَّة كانوا هم في ذروة هذا الانحراف، وعلى رأس هذا الانحراف والتحريف الكبير في واقع الأمة، ومن يومهم الأول، هم كانوا في بداية الأمر في الصدارة في محاربة الإسلام ورسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، لمَّا انتصر الإسلام وتثبتت أركانه، وعجزوا عن محاربته بشكلٍ واضحٍ وصريح، وأرغموا على الدخول في هذا الإسلام؛ لأنه انتصر، وأصبح مسيطراً على الساحة العربية، اتجهوا وحملوا لواء النفاق في داخل هذه الأمة، ثم عندما وصلوا إلى مقاليد الحكم وسيطروا على السلطة في الساحة الإسلامية، تحرَّكوا بشكلٍ رهيبٍ جدًّا، يقودون هذا المسار التخريبي السلبي من الانحراف والتحريف، ومحاربة خط الهداية، والصراط المستقيم، والامتداد المحمدي الأصيل، بدءاً من محاربتهم للإمام عليٍّ -عليه السلام-، ومحاربتهم للإمام الحسن -عليه السلام-، ومحاربتهم للإمام الحسين -عليه السلام-… وهكذا بشكلٍ مستمر.
في تحركهم التخريبي والسلبي اتجهوا لنقض عرى الإسلام عروةً عروة، (واتخذوا دين الله دَغَلا، وعباده خَوَلا، وماله دُوَلا)، ووصلت الحالة الرهيبة جدًّا من حالة الانحراف والتحريف في زمنهم إلى المساس بالمقدسات والمعالم الكبرى لهذا الدين، وهذا يدلل على مستوى الانحراف والتحريف الذي وصلوا إليه، وأنه بلغ الذروة، بلغ حداً خطيراً، ولولا الجهود الكبيرة والعظيمة في خط الهداية ورموزه، وفي الجهود التي بذلها أخيار الأمة وصالحها في هذا الطريق؛ لكانوا تمكنوا بالفعل من الطمس الكلي لمعالم الإسلام، ولكانوا نجحوا في الانحراف الكلي بالأمة؛ حتى لا يبقى للحق صوتٌ، ولا يبقى للهداية راية.
بلغ الأمر في زمنهم أنهم تمكَّنوا أو وصلوا إلى درجة المساس بأهم ما لدى المسلمين من مقدسات ذات رمزية عظيمة في الدين، فمثلاً: الإساءة إلى الرسول -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، الإساءة والاستهتار بالقرآن الكريم، الإساءة أيضاً والاستهتار بالمقدسات والمعالم الإسلامية، فهم من بلغ بهم الحال أنه إلى جانب تحريفهم لمعاني ومفاهيم القرآن الكريم، أسسوا للسخرية والاستهتار بالقرآن الكريم، إلى درجة أنَّ أحد ملوكهم رمى القرآن الكريم، رمى المصحف الشريف بالسهام، واستهتر به ومزقه، إلى درجة أيضاً أنهم أحرقوا الكعبة لمرة، وهدموها بالمنجنيق لمرةٍ أخرى، إلى درجة استباحتهم لمدينة رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، وقتلهم لسكان المدينة من المهاجرين والأنصار وذراريهم، إلى درجة حربهم لعترة رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، وقتلهم لتلك الصفوة من أخيار الأمة، وأبرار الأمة، وعظماء الأمة من آل رسول الله ومن معهم، فما فعلوه ليس بالهين ولا بالقليل، منتهى ما نتوقعه: هو المساس بمثل هذه المقدسات المهمة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاه السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد1442هـ