ماجد الغيلي
خارطة الطريق التي تم التوصلُ إليها بين أنصار الله والسعوديّة في العام 2023، والتي تمثل الحل السياسي في اليمن، تستمر الأخيرة في المماطلة والتنصل عن تنفيذها على أرض الواقع لضمان إبقاء الوضع في حالة اللا سلم واللا حرب، والتهرب من استحقاقات السلام في مساراته الإنسانية والسياسية والعسكرية، والتي تتضمن إنهاء العدوان والحصار، وصرف المرتبات، والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين، وإخراج القوات الأجنبية من اليمن، وُصُـولًا إلى إعادة الإعمار والتهيئة للحوار السياسي اليمني اليمني تحت إشراف الأمم المتحدة.
خارطة الطريق، إذن، هي نتاج لجولات من التفاوض بين الجانب اليمني، ممثلًا بالوفد الوطني برئاسة محمد عبد السلام، وبين الجانب السعوديّ، واستمرت عدة أشهر عبر الوسيط العماني.
وبينما كان مطلوبًا من السعوديّة، بحكم التوصل إلى هذه الخارطة، البدء في تنفيذها، استمرت المماطلة، بل وبلغت ذروتها بعد أن دخل اليمن رسميًّا وشعبيًّا في معركة الإسناد لغزة بعد السابع من أُكتوبر 2023، في عملية عسكرية أطلق عليها "طوفان الأقصى"، مثلت محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، وكانت -ولا زالت- لها تداعيات على مستوى المنطقة والعالم.
خارطة الطريق واستحقاقاتها:
الآن، وبعد التوصل إلى اتّفاق في غزة بتاريخ 11 أُكتوبر الماضي، بعد نحو عامين من حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، صار لزامًا على الجانب السعوديّ تنفيذ خارطة الطريق، والتي يشمل جزء كبير منها استحقاقات إنسانية من دفع رواتب الموظفين بحسب كشوفات 2014، إلى إعادة إعمار ما دمّـره العدوان، وجبر الضرر، والإفراج عن الأسرى ضمن صفقة تبادل شاملة "الكل مقابل الكل"، وإنهاء الاحتلال، وانسحاب القوات الأجنبية، وُصُـولًا إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي اليمني، سواء من خلال دعم مرتزِقة محليين أَو أجانب أَو تشكيل كيانات تخدم أجندة الخارج، والتوقف عن نهب ثروات البلد، وعن توريد الأموال إلى البنك الأهلي السعوديّ، والتعامل مع اليمن على أَسَاس من الندية والاحترام المتبادل.
لماذا المماطلة من الجانب السعوديّ في تنفيذ الخارطة حتى الآن؟
تقف عدة أسباب خلف استمرار المماطلة السعوديّة في تنفيذ ما تم الاتّفاق عليه بناءً على خارطة الطريق، منها -على سبيل المثال- محاولة إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، في حالة من اللا سلم واللا حرب، أطول مدة ممكنة، والاستمرار في التضييق على الشعب اليمني بمنع إنجاز استحقاقاته، في محاولات دؤوبة لتثويره ضد قيادته في صنعاء.
كذلك، لإتاحة الفرصة لشذاذ المرتزِقة في اليمن، المختلفين في كُـلّ شيء، والمتفقين في شيء واحد -كما يُراد لهم- وهو مواجهة أنصار الله، تحت قيادة ما يسمى "مجلس القيادة الرئاسي" المُشكل سعوديًّا؛ بهَدفِ جمع طاقاتهم وتسخير إمْكَاناتهم مجتمعين ضد المكون الوطني في اليمن، والمساند لغزة، وهم أنصار الله، ودعم هؤلاء المرتزِقة إماراتيًّا وسعوديًّا، لتحقيق ما فشل التحالف على مدى ثمان سنوات من تحقيقه، وهو "تحرير صنعاء" كما يدعون!
رسائل صنعاء التحذيرية تلقى آذانًا صماء في الرياض، لكن هل يستمر الصمم إلى ما لا نهاية؟
من الأسباب للمماطلة السعوديّة أَيْـضًا، والتي تبدو جلية وواضحة، أن القيادة السعوديّة لا تملك القرار فيما يخص الشأن اليمني.
فهم حتى لم يمتلكوا قرار الإعلان عن عدوانهم على اليمن من أراضيهم، فكان الإعلان من واشنطن، ما يعني أن تنفيذ الخارطة غير مسموح به أمريكيًّا.
فأمريكا تريد أن يظل الوضع في اليمن بلا حَـلّ وبلا أفق، وتريد فرض إرادتها وإخضاع اليمن لأدواتها في المنطقة، وهو الأمر الذي ترفضه صنعاء رفضًا مطلقًا.
وهي بذلك، من موقع الحق، تظل بين الفترة والأُخرى ترسل الرسائل تلو الرسائل إلى الجانب السعوديّ، لعل وعسى أن يلتزم بما تم التوصل إليه في خارطة الطريق.
وللأسف، كُـلّ الرسائل التي تطلقها صنعاء -سواء رسائل النصح أَو رسائل التحذير- لم تلقَ آذانًا صاغية في الرياض، التي فضلت أَو قرّرت أن تظل صماء لا يُسمعها صوت الحق والعقل.
آخر تلك الرسائل ما أطلقه القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء العلامة محمد مفتاح خلال تدشين ذكرى الشهيد السنوية، والذي أكّـد فيها أن اللعبة السعوديّة لن تستمر، وأن الشعب اليمني الذي قدم قوافل الشهداء سيواجه ويسقط كُـلّ تلك المؤامرات، مذكرًا في ذات الوقت بأن معادلة "البنك بالبنك، والمطار بالمطار، والميناء بالميناء"، التي أطلقها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لم تسقط.
هذه التحذيرات في توقيتها وطريقتها تحمل رسائل قوية لا مجال لها إلا النفاذ إلى القيادة السعوديّة لتنظر فيها.
لأن مزيدًا من المماطلة وكسب الوقت قد يؤدي إلى خلق حالة كبيرة من التعبئة والتحشيد لتوجيه السخط والاحتقان الشعبي ضد الجانب السعوديّ، وُصُـولًا إلى وضع خيار الحرب على الطاولة بشكل جدي، يصبح عندها التهديد بضرب أهداف سعوديّة حساسة أمرًا لا مفر منه.
لأن القيادة في صنعاء لن تلعب على وتر الوقت كما تفعل السعوديّة التي فشلت في ذلك، بل على العكس، صنعاء ستقوم بتنفيذ خطوات وخيارات تحظى بتأييد شعبي وتلبية لمطالب شعبيّة، ولن تتوانى في تحقيق ذلك، ولتحصل ألف ألف مشكلة -كما أكّـد قائد الثورة- فالكرة الآن لا تزال في ملعب الطرف الآخر وهو السعوديّ.
فَــإنَّ أجاد ركلها مسرعًا بتنفيذ الخارطة، كان بها، أَو ستركلها صنعاء بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة تستهدف الهيلمان الذي يقوم عليه الاقتصاد السعوديّ، ويُرهن بقاءه بوجوده.
والعاقل من يفهم الأمور ويقوم بما يجب عليه تجاهها.






