مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

فهد شاكر أبوراس
في زمنٍ يُروَّج فيه للموت كأقصى درجات الخسارة، ويُصوَّر كنهايةٍ مطلقةٍ بلا عودة، تأتي الشهادة في سبيل الله لتُذكّر الأُمَّــة بأن الموت قد يكون أعلى أشكال الحياة، وأصدق تجليات الوجود.

الشهادة ليست حادثة عابرة، ولا انطفاءً لشمعةٍ في ليلٍ طويل.

بل هي القلب النابض في جسد الأُمَّــة الإسلامية؛ انطلاقةٌ متجددةٌ للروح نحو فسيح البقاء، وتحولٌ جذريٌّ من عالم الزوال إلى عالم الخلود.

إنها الذروة التي يتوق إليها المؤمن الحقيقي، والقمة التي تعلو على كُـلّ مغريات الدنيا وزخارفها.

إنها العطاء الكامل الذي لا يبقي شيئًا، والتاج الذي يُوضَع على رؤوس الرجال بعد أن يقدّموا أغلى ما يملكون في مذبح الإيمان والعقيدة.

الشهادة: عبوديةٌ لا تُمارَس باللسان، بل بالدم

في الشهادة، يلتقي القول بالفعل، وتذوب كُـلّ الفواصل بين الإيمان النظريّ والواقع العمليّ.

إنها التجسيد الحيّ للعبودية الخالصة لله، لا للبشر، ولا للطواغيت، ولا للشهوات.

وقد أرسى القرآن الكريم هذا المفهوم العظيم على أسسٍ راسخة تهدم التصور المادي الضيق الذي يجعل الموت نهايةً مطلقة.

فالحياة الحقيقية ليست في هذه الدار الزائلة، بل في جوار الرب الكريم، حَيثُ الرزق الواسع والنعيم المقيم.

والشهيد، في هذا السياق، لا يموت، بل يُنقل - من دار الابتلاء إلى دار الكرامة، ومن شقاء الدنيا إلى نعيم الآخرة.

الشهادة تحرّر الأُمَّــة من عبودية الخوف

من أعظم ما تخلّقه الشهادة في الوعي الجمعيّ هو تحرير الإنسان من أسر الخوف من الموت.

ذلك الخوف الذي استخدمه الطغاة منذ الأزل سلاحًا لاستعباد الشعوب.

أما الأُمَّــة التي تتربّى على حب الشهادة والاستعداد للتضحية، فهي أُمَّـة لا تقهر.

فيها، يتحوّل الموت من هزيمة إلى نصر، ومن خسارة إلى ربح، ومن فناء إلى خلود.

وتستعلي على تهديدات الأعداء، حتى تفقد أدواتهم الضعيفة كُـلّ مفعول.

الشهادة: مِحْكَةُ الصادقين

الإيمان ليس كلماتٍ تُقال على المنابر، بل استعداد للتضحية بالنفس والمال في سبيل الله.

والشهادة هي الامتحان العظيم الذي يميّز الصادقين من المنافقين.

كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.

فهذه "الصفقة الربانية" لا يقبل عليها إلا من كان صادقًا في إيمانه، واثقًا بوعد ربه، مستهينًا بكل مغريات الدنيا.

الشهادة في مواجهة الهيمنة: خيارٌ استراتيجي

في ظل الهجمة الشرسة التي تواجهها الأُمَّــة من قوى الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا والصهيونية، لم يعد مفهوم الشهادة مُجَـرّد مسألة عقائدية فردية، بل صار خيارًا استراتيجيًّا للتحرّر والبناء والنهضة.

دماء الشهداء هي التي تروي شجرة الحرية، وهي التي تصنع الانتصارات وتدفع ثمن العزة.

والتاريخ يشهد: الأمم الحية لا تُبنى بالخطب، بل بقوافل الشهداء.

وفي ميادين فلسطين واليمن ولبنان والعراق، كتب الشهداء بدمائهم الزكية ملاحم التحرير، وأسسوا بأرواحهم مسيرة العزة والكرامة.

هم الذين وقفوا في وجه أعتى قوى الاستكبار، ورفعوا رؤوس الأُمَّــة، وأعادوا إليها كبرياءها وهويتها.

الشهادة: فاصلٌ بين الحق والباطل

اليوم، لم يعد الموقف من الشهادة مسألة رأي، بل معيارًا واضحًا للتمييز بين أهل الحق وأهل الباطل.

فمن يقف مع العدوّ الأمريكي والصهيوني، ويتوالى معه، فهو خائنٌ للأُمَّـة، وقد خسر دنياه وآخرته.

أما الذين قدّموا أرواحهم رخيصةً في سبيل الله، فقد فازوا بالحسنيين: مقامٌ عند ربهم، وذكرٌ خالدٌ في قلوب المؤمنين.

الشهادة تبني الإنسان ويُبنى بها الوطن

من أعمق آثار الشهادة التربوية أنها تصنع إنسانا صالحًا: معطاءً، شجاعًا، متحرّرا من عبودية الدنيا، حريصًا على خدمة أمته.

وهي تزرع في النفوس روح العطاء والتضحية، فتجعل الفرد عنصرًا فاعلًا في بناء الحضارة، قادرًا على مواجهة التحديات، مستعدًّا لبذل الغالي والنفيس؛ مِن أجلِ مبادئه.

الوفاء للشهداء: بالعمل، لا بالكلام

الوفاء للشهداء لا يكون بالخطب الرنانة أَو العبارات المؤقتة، بل بالثبات على المبادئ التي استُشهدوا؛ مِن أجلِها، ومواصلة المسير في طريق الجهاد، والعمل الدؤوب على بناء واقع إسلامي قوي يتحرّر من الهيمنة، ويعلن الولاء لله ورسوله والمؤمنين.

فطوبى للشهداء الذين كتبوا بأرواحهم خلود الأُمَّــة، ورسموا بدمائهم مستقبلها المشرق!

فهم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، ونورهم يسطع في سماء الأُمَّــة، يهدي الأجيال طريق العزة والكرامة، ويذكّرنا بأن الموت في سبيل الله هو:

حياةٌ لا نهاية لها، ونصرٌ لا شك فيه، وخلودٌ في جنات النعيم.

وإن الأُمَّــة التي تنسى شهداءها وتتخلّى عن معاني الشهادة -مهما علت أبراجها أَو ازدهرت أسواقها- فهي أُمَّـة ميتة.

أما الأُمَّــة التي تتربّى على التضحية والفداء، وتُقدّس شهداءها، وتجعل منهم نبراسًا يضيء دربها، فهي أُمَّـة خالدةٌ لا تموت؛ لأَنَّها تمسك بحبل الله المتين، وتستمد حياتها من معينٍ لا ينضب: معين الإيمان، والتقوى، والاستعداد لملاقاة الله في سبيل إعلاء كلمته.
 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر