يبقى لنا الآن أن نتحدث عن الولاية، ما هي الولاية؟ طبعاً الحساسية كبيرة حول هذا الموضوع، ومن الطبيعي أن تكون حساسة ما دام المسألة كان فيها آنذاك: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: من الآية 67] فلا بد وأن تكون حساسة في كل مرحلة من مراحل التأريخ.
الولاية ليست مجرد فكرة خاصة، وصناعة مذهبية، صنعتها طائفة معينة من أبناء الأمة. |لا| الولاية: هي حالة قائمة في واقع البشرية، حالة قائمة موجودة عند كل البشر، حتى خارج الساحة الإسلامية، طبعاً نقصد بالمفهوم الأعم (حالة الولاية) بمعنى: ما من طائفة في هذه الدنيا، ولا من فئة في هذا العالم (من أبناء البشر) إلا ولها ارتباط بجهة معينة، برموز معينين ترتبط بهم على أنهم المصدر والجهة التي تقتدي بها، تتأثر بها، تستلهم منها تعاليمها وتوجيهاتها، تُقدس ما يقدم من جانبها من آراء ومن أفكار، وتعتبرها مسارها الذي تعتمد عليه كمنهج، كمواقف، كمسار في الحياة، هذا شيء قائم حتى في خارج الساحة الإسلامية، يعني: بين اليهود، والنصارى، والوثنيين… كل البشر هم على هذا الأساس، وسواء كانوا أصحاب انتماء ديني (بالمعنى الشائع والمنتشر)، أو بغير ذلك، يعني: (طائفة، أو فئة)، كل فئات الدنيا لها رموز معينون، لها قادة، لها قدوات ترتبط بهم، تتأثر بأقوالهم، بآرائهم، بأفكارهم، وتعتبر أن المفترض بكل الناس أن يحذو حذوها في أن يرتبطوا بتلك الجهة التي آمنت بها، وآمنت بأفكارها وثقافاتها وما تقدمه، ولهم مكانتهم وعظمتهم وأهميتهم؛ فهي حالة قائمة.
في الساحة الإسلامية كذلك، كل الطوائف الإسلامية، كل المذاهب الإسلامية لهم ارتباطات برموز معينين، ينظرون إليهم على أنهم هم أهل الحق، وأهل الحل، وأهل العقد، وأنهم من ينبغي أن تؤخذ أقوالهم، وأن يؤمن الآخرون بأفكارهم، وأن يتقبلوا منهم ما يقدمونه، وأنهم القادة والقدوة والأسوة، والذين يفترض الارتباط بهم من كل أبناء الأمة، والحذو حذوهم من كل المنتمين للإسلام… هذه حالة قائمة في الإسلام، في الساحة الإسلامية حالة حاضرة، وخارج الساحة الإسلامية حالة قائمة، فقط حساسية غريبة وعجيبة تجاه الولاية من المنظور القرآني، وعلى وفق ثقافة الغدير (ثقافة يوم الولاية).
هذه المسألة تحظى بحساسية من أكثر الأطراف، ويُنْظَرُ إليها بتعقد كبير (عقدة عجيبة جدًّا)، على نحوٍ يدخل فيه العصبية المذهبية، تدخل فيه إشكالات كثيرة وتعقيدات كثيرة؛ تؤثر على الكثير من الناس حتى في التحقق من هذه الثقافة، في التعرف على هذه المفاهيم، وأحياناً تنقل (أو تصاغ) مفاهيم أخرى، تحسب على الناس، وهم بريؤون منها؛ بهدف التشويه الكبير جدًّا.
على كُلٍ، الولاية حسب ما قدمها القرآن الكريم في الآية القرآنية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }[المائدة:55-56] ثم في النص المرافق لها في حديث النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وبلاغه -صلوات الله عليه وعلى آله- نص يمكن أن نقول: نص نبوي توأم مع النص القرآني، يعني: مترابط كل الترابط مع النص القرآني، على صلة وثيقة بالنص القرآني ومتشابه معه في التسلسل: (إِنَّ اللهَ مَوْلَاي وَأَنَا مَوْلَى المُؤْمِنِين أَوْلَى بِهِم مِنْ أَنْفُسِهِم، فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ)، كذلك (اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ) في مقابل {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
نأتي لنتحدث بقدر ما يسعنا الوقت ويتاح لنا إن شاء الله. النص القرآني واضحٌ جدًّا، يتحدث عن الولاية باعتبارها ولاية الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، وهذه المسألة مهمة جدًّا؛ لأن العقدة والعصبيات المذهبية جعلت هذا المبدأ المهم والكبير في القرآن الكريم والإسلام العظيم، يهمّش إلى حدٍ كبير، ويتعامل معه الكثير بتوحش ونفور وابتعاد، والكل يريد أن يمر عليه مروراً عابراً، كثير من المفسرين سرعان ما يحاول أن يتخلص منه، لم يحظَ بالاهتمام الذي يفترض أن نهتم به كمسلمين، بعيداً عن العقد المذهبية، والعصبيات الطائفية، والبلايا هذه، والمشاكل التي أثّرت على الأمة، وحجبت عن الكثير نور الهداية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من خطاب السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة يوم الولاية 1438هـ
ثقافة الغدير ومعنى الولاية.