عن أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" قال: خطب رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثنَى عَلِيه، ثُم قَال، يعني ما بعد مقدمه الخطاب: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُم شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَرَضَ اللَّهُ "عَزَّ وَجَلَّ" صِيَامَهُ، وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلَةٍ مِنْهُ بِتَطوُّعِ صَلَاةٍ، كَمَنْ تَطَوَّعَ سَبْعِينَ لَيْلَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور، وَجَعَلَ لِمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيرِ وَالبِرِّ كَأَجْرِ مَنْ أَدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ "عَزَّ وَجَلَّ" فِيمَا سِوَاه، وَمَنْ أدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ "عَزَّ وَجَلَّ" فِيهِ، كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ "عَزَّ وَجَلَّ" فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الصَّبْرَ ثَوَابُهُ الجَنَّة، وَهُوَ شَهْرُ المُوَاسَاةُ، وَهُوَ شَهْرٌ يَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فِي رِزقِ المُؤْمِن، وَمَنْ فَطَّرَ فِيْهِ مُؤْمِناً صَائِماً كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّه "عَزَّ وَجَلَّ" بِذَلِكَ عِتقُ رَقَبَةٍ، وَمَغْفِرةٌ لِذنُوبِهِ فِيمَا مَضَى. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُوْلَ اللَّهِ لَيسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُفَطِّرَ صَائِماً، فَقَالَ: إِنْ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ، يُعطِي هَذَا الثَوَابَ مَنْ لَا يَقِدِرُ إِلَّا عَلَى مَذْقَةٍ مِنْ لَبَنٍ يُفَطِّرُ بِهَا صَائِماً، أَوْ بِشَربَةٍ مِنْ مَاءٍ عَذْبٍ، أَوْ تُمَيراتٍ، لَا يَقِدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك، وَمَنْ خَفَّفَ فِيهِ عَنْ مَمْلُوكِهِ خَفَّفَ اللَّهُ "عَزَّ وَجَلَّ" حِسَابَهُ، فَهُوَ شَهْرٌ أَوَلُهُ رَحَمْةٌ، وَأَوسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ إِجَابَةٌ وَعِتْقٌ مِنْ النَّارِ، وَلَا غِنَى بِكُم عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَانِ تُرضُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِمَا، وَخَصْلَتَانِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا، أَمَّا اللَّتَانِ تُرضُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِمَا: فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه، وَأَنِّي رَسُوْلُ اللَّه، وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا: فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ حَوَائِجَكُمْ وَالجَنَّةَ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى العَافِيةَ، وَتَتَعوَّذُونَ بِهِ مِنْ النَّار)).
هذا هو النص الوارد، وهو نصٌ مهمٌ ومفيدٌ جداً، وفيه ما يكفي ويفي للفت أنظارنا، وتهيئتنا نفسياً وذهنياً لشهر رمضان، والاهتمام به.
عندما نتأمل ما ورد في هذا النص، ففي بدايته في قوله: ((إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُم شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر))، يبين لنا ما يتميز به شهر رمضان المبارك عمَّا سواه من الشهور؛ لننظر هذه النظرة: أنه يتميز عمَّا سواه على المستوى الزمني، وما فيه- ما في شهر رمضان- من البركات، من النتائج المهمة، من الفرص الكبيرة، من كل ما يمثِّل أهميةً كبيرةً جداً لنا، في أنفسنا، وفي حياتنا، وفي مستقبلنا الأبدي عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذه النظرة- بنفسها- لها أهميةٌ كبيرةٌ؛ لأن البعض من الناس يعتاد أن ينظر إلى شهر رمضان كشهر عادي، وكأنه مثل غيره من الشهور، ما يتميز به عمَّا سواه من الشهور هو فقط الروتين في الطعام والشراب الذي يختلف عن غيره، أو نظره قاصرة، لا يعي حجم هذه الفرصة، أهمية هذا الشهر المبارك وما فيه من الخير والفرص العظيمة للإنسان.
شهر رمضان المبارك مِن أهم ما فيه هو ليلة القدر، ليلةٌ مهمةٌ جداً، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يُقَدِّرُ فيها أمور عباده، لها علاقةٌ بنا في تدبير أمورنا، في تقرير مصائرنا، فيما يكتبه الله لنا، أو علينا، في واقع حياتنا، ليلة تدبير الأمور، على المستوى التفصيلي في تقدير الله وتدبيره لشؤون عباده، وهي ليلةٌ عظيمةٌ أنزل الله فيها القرآن؛ كما قال "جَلَّ شَأنُهُ": {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1]، وكما قال "جَلَّ شَأنُهُ": {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (1) فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: 1-2]، ليلة ذات أهمية كبيرة، وذات فضل عظيم جداً؛ نزل فيها كتاب الله (القرآن الكريم)، لكل ما له من أهميةٍ وفضلٍ عظيم وشأنٍ كبير، هو حجة الله على عباده، ونوره لعباده، وهديه لعباده، وهو نعمته العظيمة التي لا تماثلها أي نعمةٍ من النعم، نعمة الله العظيمة على عباده: القرآن الكريم، كتاب الهداية، كتاب النور، الذي باتِّباعه والاهتداء به تتحقق النجاة، والفلاح، والفوز، والسعادة، والكرامة، والخير كله، ويمثل صلةً بيننا وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
ولذلك لشهر رمضان علاقة قوية بالقرآن، والصلة بالقرآن الكريم، التي تتعزز في واقعنا من خلال شهر رمضان المبارك، كما قال الله تعالى عنه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، وأحوج ما نحتاج إليه، لخير الدنيا والآخرة، للفلاح، والنجاح، والفوز، والكرامة، والسعادة، هو الهدى، نحن بحاجة إلى هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إلى إرشاده، إلى هديه، إلى نوره، إلى أن يبصِّرَنا، أن يعلِّمنا، أن يدلَّنا هو على طريق الخير، على طريق الفلاح، على طريق النجاة، وهذا ما عمِلَه لنا من خلال القرآن الكريم، الله- من خلال القرآن الكريم- خاطبنا، ووجَّهنا، وعلَّمنا، وأرشدنا، ونبَّهنا، وحذَّرنا، وأنذرنا، وبصَّرنا، وفهَّمنا، وعلَّمنا.
القرآن الكريم فيه توجيهاته، كلماته، هديه، تعليماته، التي هي حق، ونور، وهدى، وشفاء، ونحن في أمسِّ الحاجة إليها، ونحن في مسيرة حياتنا إن لم نهتدِ بهدى الله، لا بديل عن ذلك إلا العمى والضلال، إلا التخبُّط والتَّيه، إلا الجهالة والغفلة، إلا الشقاء والخسران. وهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو أساس لنجاتنا أيضاً، لا نجاة لنا إلَّا من خلال تمسكنا بهدى الله، واهتدائنا بهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
فما للقرآن الكريم، ما له من أهمية، وعظمة، وشأن كبير، وقيمة عالية جداً، ككتاب هداية تضمَّن كلمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأتى فيه نور الله، الذي يبصِّرُنا ويضيء لنا أمام كل الظلمات المعتمة والمتراكمة، كل ما لهذا القرآن الكريم من أهمية كبيرة جداً، ندرك من خلاله عظمة تلك الليلة، أنها ليلة أتى فيها هذا النور، نزل فيها الوحي الإلهي، أتت فيها رحمة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ القرآن الذي يقول الله عنه: {هُدًى وَرَحْمَةً}، رحمة الله أتت في تلك الليلة، نزلت في تلك الليلة المباركة، إضافةً إلى ما يمثله القرآن الكريم من أهمية ودورٍ أساسي، وتضمَّن الرسالة الإلهية، وهو إرث الرسالات الإلهية بكلها، ومحتوى التعاليم الإلهية، ومحتوى كتب الله السابقة، التي تضمَّنها، ولخَّصها، واحتواها، وقدَّمها، وما فيه من الهدى الواسع والمعارف الواسعة، وما يصنعه من وعيٍ عالٍ وبصيرة عالية، وما له من أثر نفسي وتربوي، هو كما قلنا: يمثل صلة، يصلنا بالله؛ لأن وراء القرآن من نزَّل القرآن، الله يعِدُنا "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" عندما نهتدي بهديه أن يُمِدَّنا برعايته الواسعة والشاملة، بنصره، بالبركات، بالخيرات، بما وعد به في آياته المباركة من وعود كثيرة وعظيمة ومهمة في الدنيا وفي آجل الآخرة، هذا شيءٌ مهم.
فإذاً هي ليلة لها أهمية كبيرة، في صلتها بتدبير شؤوننا، وتقرير مصائرنا، وما يكتبه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" فيها لنا، فعندما ندرك أهمية هذه الليلة، وأنها في ذلك الشهر، فلنعي أنه إذا أردنا أن نستفيد غاية الاستفادة من تلك الليلة، وأن نحظى فيها من بركات الله ومما يمُنُّ به ويكتبه فيها من الخير في الدنيا والآخرة؛ فعلينا أن نستعد لها من بداية الشهر، من لا يهتم بالشهر، فلن يظفر بليلة القدر، من لا يهتم بالشهر بنفسه، يعني: بكله، عنده اهتمام من بداية الشهر، يعني: لو فكر إنسان بطريقة خاطئة، وقال: [أنا سأتساهل، وأهمل، ولن أركِّز على الاستفادة من شهر رمضان إلى أن تأتي العشر الأواخر مثلاً، قد تأتي العشر الأواخر وأنت على المستوى النفسي والذهني غير مهيئ أصلاً للاستفادة من تلك الليلة المباركة، عليك أن تُعِدَّ نفسك، أن تهيئ نفسك؛ لكي تُقبِل إلى الله في تلك الليلة الإقبال المطلوب، الذي هو بالمستوى الإيماني الراقي، الذي يؤهلك ويهيئك لأن تتقبل نفحات الرحمة الإلهية، وأن تفوز بما وعد الله به، وأن تكون جديراً برحمة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" والفضلِ والخير الذي يَمُنُّ به على الذين استجابوا له وأقبلوا، لم يغفلوا، ولم يتنكروا، ولم يتجاهلوا عطاياه، ورحمته، وفضله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم-
كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
تهيئةً لشهر رمضان المبارك 1444