هذه المأساة عندما نتحدث عنها يجب أن نعود من واقع انتمائنا للإسلام كشعوب مسلمة، وكشعبٍ يمنيٍ مسلم فيما يعانيه في مقدمة ما تعانيه هذه الأمة، وهو في الطليعة على مستوى المعاناة وعلى مستوى المسؤولية، نتحدث من واقع انتمائنا للإسلام، ماذا تعنيه لنا هذه الأحداث؟ ماذا يعنيه لنا هذا الصراع مع قوى الطاغوت والاستكبار المعتدية والظالمة، والتي سودت صفحة الحياة بجرائمها البشعة والشنيعة والفظيعة، والتي أقلقت واقع الأمة بما جرت إليه وأتت به، وبما حركته من مشاكل وأزمات وفتن، ماذا يعني لنا كل ذلك، وما هو موقفنا تجاه ذلك؟
عندما نعود من واقع انتمائنا للإسلام إلى الله -سبحانه وتعالى- لنعلم منه -جلَّ شأنه- من خلال ما قدمه لنا في كتابه المبارك، في كتابه الكريم، في القرآن العظيم ما يوضح لنا حقيقة هذا الواقع، وما نعانيه فيه، وما تعنيه لنا كل هذه الأحداث، وما ينبغي أن نكون عليه، وما ينبغي أن تكون مواقفنا تجاه ذلك، نعود إلى القرآن الكريم فنجد الكثير والكثير من الآيات المباركة، التي تعلمنا أن الصراع مع قوى الشر، مع قوى الطاغوت، مع قوى الاستكبار، مع قوى النفاق- نفسها- والخيانة والعمالة أمرٌ حتميٌ لابد منه، وأمرٌ واقعيٌ وموجودٌ على مرِّ التاريخ، فلسنا في هذا الزمن أول من نواجه الأحداث، المشاكل، التحديات… وأول من نرى أنفسنا في موقع المسؤولية أن نصبر، أن نضحي، أن نعاني. لا.
على مرِّ التاريخ كان لابد من التضحية، كان لابد من الصمود، كان لابد من الثبات، كان لابد من اقتحام المخاطر ومواجهة التحديات، هذه هي الساحة البشرية التي انقسم فيها البشر منذ بداية وجودهم على كوكب الأرض، انقسموا فيها إلى معسكرين: معسكر الخير، ومعسكر الشر، منذ ابني آدم -عليه السلام- وهو -عليه السلام- أبو البشر، يعني: منذ وقتٍ مبكر في التاريخ بدأ هذا الصراع، وبدأ هذا الانقسام في الواقع البشري.
عندما يأتي البعض من البشر يتجهون في واقع حياتهم بإرادة صادقة وخيِّرة، ليعيشوا في هذه الحياة بناءً على المبادئ الإلهية، والقيم الإلهية، ويعملوا على أن تكون حياتهم مبنيةً على أساس ذلك، فهناك في الواقع البشري من يرفض ذلك حتماً، هناك من يتحرك من واقع الشر بعدوانية كبيرة، يرتكب أبشع الجرائم، يتحرك بالتسلط، والاستئثار، والاستبداد، والظلم، والطغيان؛ ليستحوذ على الواقع البشري بكله، ولا يلتزم، ولا ينضبط للمبادئ والتعليمات التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- لعباده لصالح حياتهم ولاستقامة معيشتهم.
فهذا الصراع موجودٌ على مرِّ التاريخ، والله -جلَّ شأنه- يقول في القرآن الكريم: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146-148]، فالله -جلَّ شأنه- يخبرنا في هذه الآيات المباركة أنه في تاريخ الأنبياء، وعلى نحوٍ متكررٍ وواسعٍ وكبير، {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ} يعني: أنها حالة تكررت كثيراً وكثيراً على مرِّ تاريخ الأنبياء وفي سيرتهم، والأنبياء هم خير البشر، وهم صفوة البشر، وهم الذين لو كان بالإمكان تفادي الصراع وتفادي المشاكل، وأن يتحقق للناس الاتجاه بشكل صحيح في مسيرة حياتهم، أو لأي مجتمعٍ ما أن يتحرك بشكل إيجابي في مسيرة حياته، على أساس التعليمات الإلهية، ودون أن يواجه الصعوبات، والتحديات، والأخطار، والمشاكل، والصراعات… لكان ذلك ممكناً لهم، لكانوا بالأولى أن يتحقق لهم ذلك، لكن يأتي نبيٌ بكل ما هو عليه من قيم وأخلاق ومبادئ عظيمة وخيِّرة تصلح واقع هذه الحياة، فلا يلبث أن يواجه الكثير من التحديات والأخطار، وأن تتجه لمحاربته قوى الشر والطاغوت والإجرام، وتبذل كل جهدها في محاولة القضاء عليه، ومحاولة إزاحته وإزاحة برنامجه الذي فيه الخير للناس من واقع الحياة، وتسعى إلى أن تواجه كل من يلتف حول هذا النبي أو ذاك من أنبياء الله، وتحاربهم بكل ما تستطيع من قوة، وبكل ما أوتيت من قوة، وبكل الوسائل والأساليب، والصراعات- على مرِّ التاريخ- كانت ساخنة جدًّا ساخنة جدًّا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1440هـ/ 19/ يوليو, 2019م.