ثم يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال: الآية26]، وهذه الآية لا تزال في نفس السياق: في الحث على الاستجابة؛ لأن ثمرة الاستجابة لله -سبحانه وتعالى- تلمس في الواقع، وإذا تحرك المؤمنون بناءً على هذه التوجيهات والتعليمات من الله -سبحانه وتعالى-، يمنحهم الله -سبحانه وتعالى- الخير، والعزة والنصر والتأييد، وينقلهم من وضعية وظروف صعبة إلى وضعية وظروف أكثر بكثير.
في هذه الآية المباركة يذكِّر المسلمين تاريخياً بما كانوا فيه قبل الهجرة إلى المدينة من استضعاف، وقلة، وخوف، ولا يمتلكون قوةً عسكرية، وتهديد، وظروف صعبة على المستوى الاقتصادي، ثم بعد ذلك كيف مكنهم الله -سبحانه وتعالى- في المدينة، آواهم فجعل لهم منطقة مهيأة يأوون إليها فيسكنون فيها ويقطنون فيها، وهيأ لهم أيضاً أرزاقاً طيبة، وسع لهم في أرزاقهم بعد الظروف الصعبة، هيأ لهم أيضاً أن يصبحوا أمة؛ بدلاً مما كانوا قلائل جدًّا، أن يصبحوا أمة تتكون وتجتمع وتقوى، ويصلح حالها، وتتحرك؛ ثم أيدهم بنصره مثلما حصل في معركة بدر.
هذا درس مهم لهم، ثم هو درس للأمة في كل زمن، في كل عصر، وللمؤمنين الذين يعيشون هذه التجربة في تحركهم؛ فيتحركون في بداية الأمر من واقع قلةٍ، استضعافٍ، خوفٍ، تهديد، ثم يمنحهم الله -سبحانه وتعالى- التأييد والنصر، ويؤويهم، ويمكنهم، فتتغير أحوالهم إلى الأفضل، وهذه الآية لها فوائد مهمة جدًّا في أحوال متعددة، هي في البداية تعطي أملاً للمؤمنين أنهم إذا تحركوا، إذا استجابوا فإن الله -سبحانه وتعالى- مهما كانت ظروفهم صعبة، مهما كانوا يعانون من القلة والاستضعاف وقلة الإمكانيات، فإن الله -سبحانه وتعالى- يمدهم، فهي ما قبل ذلك هي أمل، هي تعزز الرجاء في الله -سبحانه وتعالى-، هي وعد صادق من الله -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين أن ينقلهم إلى هذه الوضعية المتقدمة.
ثم ما بعد ذلك، ما بعد أن ينتقلوا إلى هذه الوضعية هي تذكيرٌ لهم كيف كانت ثمرة الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى- في واقع حياتهم، كانت نصراً، وكانت عزاً، وكانت قوةً، وكانت تمكيناً، وكانت سعةً في الرزق والحال، فهي ثمرة مهمة جدًّا، المفترض أن يزدادوا استجابةً، أن يكونوا أكثر تفاعلاً، وأكثر استجابةً، وأكثر اندفاعاً وطاعةً والتزاماً عملياً؛ لأن البعض من الذين آمنوا قد يتحرك وينطلق حتى في المراحل الصعبة، ولكن بعد أن تتغير الأحوال إلى هذا المستوى المريح والإيجابي من التمكين الإلهي، والتأييد بالنصر، والسعة في الرزق، والإيواء، ويصبح الإنسان ضمن واقعٍ فيه استجابة واسعة، يبرد تفاعله، تتغير نفسيته، يتجه بعيداً عن الاهتمام العملي، إلى التركيز على الراحة والدعة، ويخلد إلى الأرض، وإلى متاعها، وإلى الراحة فيها، وتقل عنده الاستجابة؛ فيصاب بالفتور، والكسل والإهمال، ويضعف اهتمامه، ويستهين بتنصله عن المسؤولية، يستبسط ذلك، ثم تراه وقد بدأ يهمل في كثير من الأعمال والمسؤوليات، يتنصل عن كثيرٍ من الأعمال المهمة، يغيب عن كثيرٍ من الأعمال المهمة، ويرى نفسه وكأنه قد أكمل ما عليه، وعلى حسب التعبير المحلي [ودى] خلاص ما عاد عليه منقود، وهذه حالة تحصل لدى البعض، أنهم قد ينطلقون لمراحل معينة وحتى في الظروف الصعبة، وبروحية إيجابية، بدافعٍ جيد، ولكن عندما تتغير الأحوال نحو الواقع الأفضل والتمكين الإلهي تتغير نفسياتهم، وقد تتغير الاهتمامات، عند التمكين تتجه النفس للتركيز على المناصب، للتركيز على الأطماع المادية، للتركيز على المكاسب الشخصية، للتركيز على السمعة والبروز الشخصي، وهذه تمثل حالة من الانحراف الخطير جدًّا على الإنسان،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثانية والعشرون: 1441هـ 15-05- 2020م.
يوم الفرقان (5) استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.