رصدة و حققه و جمعه / عبدالفتاح حيدرة
لفترة قريبة كانت مهمة ووظيفة الذباب الالكتروني هي الشتم ورفع التريندات والتخوين، وفجأة تضاءلت هذه المهمة بسبب نشاط المنصات الاجتماعية لكشف تلك الشبكات واغلاقها، وحاليا نشهد جيل جديد، لديها المضمون الثقافي والسياسي الذي تريد تمريره بأسلوب خطابي جديد تدير معارك تقررها أجندة معينة وتترك معارك أخرى يفترض قيامها، لتخلق أثر تلك المعارك في قضايا تعزز فيها النقاشات العامة، على مجريات السياسية، التي لها علاقة بتدعيم مقولات ثقافية أو تيارات سياسية بعينها، ليبقى السؤال ما هي دورة حياة الذبابة الإلكترونية الجديدة بدءا من التفاعل الآلي مع قضايا تركز هجماتها على القضايا الأخلاقية و الانقسام السياسي و الدين و قوانين الأسرة و الموقف من فلسطين و التشكيك في التيارات الثقافية الرئيسية و القضايا التاريخية الانقسامية و التشكيك في الهويات و الخلافات المذهبية والعرقية، وصولا للاحتراف والوصول لكونه حساب أقرب للحقيقي..؟!!!
إن الجيوش الالكترونية التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي و لدول عربية مطبعة مع اسرائيل ودول إقليمية و عالمية، لم تعد مجرد حسابات تجييش رقمي فقط، بل أصبحت تعمل وفق منظومة تخضع لمفاهيم الهندسة الاجتماعية، و الهندسة الاجتماعية هي تخصص في العلوم الاجتماعية يدرس الجهود المبذولة للتأثير على الموقف الشعبي والسلوك الاجتماعي على نطاق واسع، سواء من قبل الحكومة أومجموعات خاصة، وتقوم بإدارة عمل فرق الذبابة الجديدة التي أصبحت خاضعة لأجندة تحريرية محكمة بمعنى أنها تحدد بذكاء خطاباتها، ومشاريعها الاجتماعية وأولويات الخطاب، ولا تأخذ هذه الحسابات خط العداء الواضح ضد من تستهدفهم، بل تندمج في خطاباتهم، تحمل نفس صورهم الرمزية، وولاءاتهم الأساسية (دين - عقيدة - مذهب - قيادات - دول) و تنحاز في المجمل للاتجاهات الثقافية العامة، ليست شيء شاذ ومنبوذ من الأساس، ولا تستخدم أساليب لفظية قبيحة، وإنما تمارس دورة حياة تفاعل يومية تقليدية..
تتوزع أدوار الذباب الجديد، بحيث أن كل مجموعة لها قائد متعلم ويفهم ما يفعل، ويراقب مؤشرات التفاعل ويوجه باستمرار حسب المعطيات، وحين تتحرك هذه الشبكة لا تبادر بالتغريد او النشر في القضايا، فأغلب تغريداتها اجتماعية، وإعادة نشر لمحتوى عام، ولكن يتركز تفاعليها في الردود والنقاشات في حسابات الآخرين، وحين تتحرك مجموعة من تلك الشبكات في قضية محددة، ينقسمون إلى فريقين (مؤيد / معارض) لتوزيع الآراء وفرزها، واتاحة الفرصة للجدل والأقسام، و تميل أغلب هذه الشبكات إلى اختراق الضحية، أو الطرف المهاجم، بآلاف الحسابات الموالية للضحية، تتكلم بنفس منطقه، وبنفس محدداته الرئيسية، ولكنها دوما تجنح للإرباك وقت احتداد النقاشات، مثل قصة كلام اصحاب (عمران)، وهنا يتم اختيار قضايا محددة لاشعال النقاش وحرق الضحية، مثلا لو لديك دولة "ضحية" ستهاجم هذه الحسابات بعض مشاريع التنمية، مثلا، ولو كنت جماعة دينية، ستفتعل هذه الحسابات معارك دائمة مع خصومك بشكل وقح، ولو كنت مجتمع سيسعون لإبراز أسوأ الظواهر الاجتماعية بغرض تعميم الفحش أو إبراز الهوامش داخل المجتمعات على أنها رئيسية..
هناك نشاط تجاري أصبح موجود خلف تلك الحسابات، فبخلاف الحسابات التي تعمل تحت مظلة أجهزة استخبارات أو دول، هناك شبكات تجارية تعزز نجاح يوتيوبر ، أو تناقش ظهور فنان، أو تحاول إسقاط منافس هنا وهناك، لكن أخطر تلك الشبكات هي التي تعمل على أجندة ثقافية، ففي دول معينة، تحاول بعض الشبكات تصعيد أجندة أخلاقية معينة، وتضخيم حسابات بعينها، وظواهر اجتماعية، بهدف خلخلة البُنى الثقافية للمجتمعات و التيارات السليمة المستهدفة، ترتبط بتلك الشبكات أنشطة تجارية وثيقة، بمعنى هناك حسابات بيع على الواتس و انستغرام و فيسبوك وتويتر لمنتجات نادرة أو مميزة، وخلال عمليات البيع "اونلاين" يتم اختراق أجهزة، أو الوصول لمعلومات حساسة، تحت غطاء النشاط التجاري الذي يستهدف بإعلانته فئة اجتماعية أو وظيفية معينة، وهذه الشبكات تعمل وفق أجندة سياسية دقيقة، بمعنى أنها لم تعد تحرق نفسها في مواجهات كبيرة وضخمة، بل مثلا في (اليمن) تعمل فرق الذباب الالكتروني على تفتيت وإفشال اي تجربة اقتصادية في ظل الحصار ، عبر إشعال نقاشات مجتمعية على كل عمل تقوم به هيئتي الزكاة والاوقاف وشركة النفط والبنك المركزي ، وتسريب نقاشات من كل جهة، وهكذا..
اما في نقاشات المتدينين، والقضايا الاجتماعية، يأخذون فيها صيغة متطرفة لدى الطرفين، بحيث أن إشعال أي نقاش هو في النهاية يخدم تفكيك المستقر اجتماعيا، هناك مشاهير على شكل حمقى (مثل المومري) أو اختلاق حسابات لشخصيات كبيرة مثل (حساب مفتي الجمهورية شمس الدين او صالح هبرة) أو صناعة منصات ثقافية مثل منصة وعي ومنصة مركز المخا ومنصات للدراسات الاستراتيجية ، يدعمونها بكثرة ويخضمون تفاعلاتها بهدف تعزيز اختراقها للنقاش العام محليا و خارجيا، و هذا النشاط بالمناسبة تستخدمه "اسرائيل" بكثرة، بجانب الدول المطبعة التي تحوم في فلكها، وأصبحت لهم مراكز عمل مشتركة محليا وفي دول إقليمية و أوروبية، و هذا النشاط تم فضح أسلوب مشابه له تماما في تقارير اختراق الاستخبارات الروسية للنقاش العام الأمريكي في الانتخابات وكذلك في موجة أزمة الكونغرس وهناك أبحاث منشورة فيما يتعلق بهذا الأمر..
أن صراعات الوعي و صراعاتنا الثقافية الفترة القادمة لم تعد بريئة، وأن الذباب الإلكتروني سوف تجده رفيقك في معركتك أحيانا ويدعمك بالأدلة الثقافية أو الشرعية، وكذلك سيعزز خطاباتك أحيانا ليخرجها عن نطاقها نحو نطاق احتراب ثقافي هو يريده، وأن المعرفة والوعي المتعلق بفهم وتحليل تلك الأنماط والشبكات أصبح مهم لكل جهة أو شخص مهتم بدخول المجال العام ويحمل فكر اجتماعي أو سياسي، فقد تجد حساب لفتاة "محجبة" ، تتبنى رأي متصادم مع صريح الاسلام، برأي متضمن تشكيك في سورة قرآنية كاملة (تبت يدا أبي لهب وتب)، ليتفاعل معها ذباب وهمي لرفع التفاعل، فتأخذه صورة منه ، وتتناقله صفحات كبرى تابعة لهم، لينتشر بين الناس كجدل عقائدي، وهذه الحسابات ليست لأشخاص حقيقيين، بل تديرهم جهات وفرق بهدف تفعيل تلك النقاشات ، وهدفها تشجيع الآخرين ممن قد تكون لديهم نوايا لاتخاذ رأي جديد وشاذ عن العموم، هي محاولات حثيثة منظمة للإلهاء تقف خلفها جهات كبيرة، ومن بين المجتمعات المستهدفة بكثافة من هذا الجيل من الذباب الإلكتروني هي (اليمن اولا، وبعدها تأتي الجزائر - المغرب - مصر -الكويت - قطر - فلسطين- الأردن - لبنان - السعودية - السودان- تونس)..