مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

قرأنا في سورة الرحمن في الحديث عما فيها من النعم، وما عرضه الله لنا من النماذج من النعم العامة، وكيف هي على أرقى مستوى، وتحدَّثنا على ضوئها عن كثيرٍ من النعم، وهناك أيضاً حديثٌ واسعٌ جداً في القرآن الكريم عما أنعم الله به، بدءاً من الحديث عن تجهيز هذه الأرض بمتطلبات احتياجاتنا كافة، الأرض بكلها ككوكب نعيش عليه، هيَّأها الله لحياتنا من كل الجوانب، ووفر فيها كل متطلبات حياتنا، فهو “جلَّ شأنه” يقول: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الأعراف: الآية10]، فهيَّأ فيها ما نحتاج إليه لمعيشتنا، ومكننا، هيَّأ لنا فيها الحركة، العمل، السعي فيها للإنتاج، فأتى التمكين مع ما أعدَّ فيها من النعم، وما جعل فيها من المعايش، ما نحتاج إليه لمعيشتنا، فهيَّأ فيها ما نحتاج إليه من المعايش، وجعل حتى في البشر أنفسهم على المستوى المعرفي والذهني، وعلى مستوى ما منحهم من طاقات وقدرات، وهيَّأ لهم من وسائل وأسباب ما يصلون فيه إلى معايشهم، وما تتوفر لهم من خلاله احتياجاتهم ومتطلباتهم الأساسية.

 

يقول “جلَّ شأنه” أيضاً عن الأرض: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا}[الحجر: من الآية19]، يعني: جعلها مبسوطة، هي كروية، ولكنها مبسوطة، وليست كلها أماكن شاهقة، ومعلَّقة، وصعبة الحركة، {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ}[الحجر: من الآية19]، الجبال التي تثبتها، وتجعلها مستقرةً، لا تكون مضطربةً، حتى لو كانت في حركة، فهي حركة من دون اضطراب يؤثِّر على حياة الإنسان، والجبال بنفسها كثيرٌ منها جعلها الله مغطاة بالتراب؛ حتى يتهيَّأ عليها السكن، والزراعة، والاستفادة منها، وكثيرٌ منها أودع الله فيها أصناف وأنواع من المعادن، ويستفيد الإنسان منها في عملية البناء، ويستفيد الإنسان منها في أغراض كثيرة، مع أنها تقوم بمهمة رئيسية في استقرار حياة البشر على الأرض؛ باعتبارها رواسي.

 

{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ}[الحجر: من الآية19]، مختلف النباتات، مئات الآلاف من النباتات المتنوعة، والتي لها فوائد متنوعة، تنفع هذا الإنسان، شيءٌ منها: في غذائه، شيءٌ منها: في طبه وعلاجه، شيءٌ منها: في ملبسه وكسائه وأثاثه، شيءٌ منها: في مسكنه ومتطلبات عمرانه… فوائد كثيرة جداً، إضافة إلى فائدتها على الأرض نفسها فيما يتعلق بالأوكسجين، والتمثيل الضوئي ومنافع أخرى، وفائدتها أيضاً للثروة الحيوانية التي يستفيد منها الإنسان كذلك، وكلها بشكلٍ متوازن، وبقدرٍ مناسب.

 

{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}[الحجر: من الآية20]، ما تحتاجون إليه في معيشتكم، في أكلكم، في شربكم، في غذائكم، في متطلبات حياتكم، في وسائل دخلكم، {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ}[الحجر: من الآية20]، الدواب والحيوانات الأخرى التي هي خارج إطار اهتمامكم في هذه الحياة.

 

وهكذا أيضاً يذكِّرنا بهذه النعمة، ويلفت نظرنا إلى استثمار هذه النعم، من منطلق أنه استخلفنا على هذه الأرض، وجعل لنا هذا الدور المهم في استثمار نعمها وفق توجيهاته وهديه، يقول “جلَّ شأنه”: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك: الآية15]، هو “سبحانه وتعالى”، هو ربنا الذي يجب أن نعبده، وأن نشكره، وأن نتحرك في استثمار نعمه وفق توجيهاته وتعليماته؛ لأنها التعليمات الصحيحة التي يتهيأ لنا من خلالها الاستثمار لنعمه على أرقى مستوى، وبما يحقق لنا التكامل المعنوي والمادي، والسمو الروحي مع بعض.

 

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا}، هيَّأ الله لنا الأرض لنعمل عليها، لنتحرك عليها، لنسافر فيها، لنعمل فيها الأشياء الكثيرة جداً وهي مهيأة لذلك، مسخَّرة لذلك، وهذا عامل مهم جداً في التمكين في النعمة، كان بالإمكان أن تكون هذه الأرض كثيرة الزلازل جداً، ومضطربة، ومليئة بكلها بالبراكين، وفي وضعية غير مستقرة، فتكون الحياة عليها صعبةً جداً، لكن الله هيَّأ لنا أن تكون ذلولاً: مستقرةً، وتستقر الحياة عليها، وأن يتهيَّأ لنا فيها الكثير من الأعمال والأشغال في ظاهرها وباطنها.

 

{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}، مطلوب منا أن نستثمر هذه النعم، أن نتحرك في هذه الأرض، أن نعمل، لا يمكن أن نستفيد من هذه النعم ونحن نعتمد على البطالة، والجمود، والكسل، والإهمال، والقعود، لا بدَّ من الحركة، من الأخذ بالأسباب، والله “سبحانه وتعالى” زوَّد الإنسان في مداركه ومعارفه، وهداه وألهمه، وجعل له أيضاً في وسائل هذه الحياة ما يستفيد منه، {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، فهيَّأ المعايش، وهيَّأ الأسباب والوسائل، ومع ذلك سخَّر، يقول “سبحانه وتعالى”: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}[لقمان: الآية20]، نعمة التسخير هي نعمةٌ عظيمةٌ جداً؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” خلق هذه النعم، نعم كثيرة جداً، وموارد ضخمة جداً للثروات التي يحتاج إليها الإنسان، ويستفيد منها الإنسان، وينتفع منها الإنسان في شتى مجالات حياته، ولكن مع ذلك سخَّر، فهو جعل هذه النعم وفق نظم، وجعل فيها خصائص يستفيد الإنسان من خلالها بأشكال كثيرة، وبأساليب متنوعة، وبأشكال متعددة، فيكون لك في استخدام أي نعمة من النعم طرق كثيرة، وفوائد كثيرة، ومنافع متنوعة، وهذه من النعم العجيبة جداً التي أنعم الله بها على الإنسان.

 

في مسألة التسخير يأتي الحث لنا في القرآن الكريم إلى التفكير، والتفكر، ودراسة هذه الأشياء، دراسة هذه النعم، معرفة ما أودع الله فيها من الخصائص والمنافع، وكيفية استثمارها، والانتفاع بها، والاستخراج لها، وإعادة إنتاجها بأشكال متنوعة ومتعددة.

 

أيضاً النظم والسنن الكونية، والقوانين الكونية، التي أودعها الله في السماوات وفي الأرض، وفيما يتعلق بمختلف ما خلقه لنا في هذه الحياة، وأتى أشياء كثيرة جداً، مما يدرس الآن في علم الفيزياء، وفي علم الكيمياء، ما يجعل لدى الإنسان إمكانية واسعة لاغتنام هذه الثروات، والانتفاع من هذه المنافع التي أوجدها الله “سبحانه وتعالى”، كل ذلك عن طريق التسخير، الله “سبحانه وتعالى” هو الذي هيأ لنا هذه النعم، وجعل فيها هذه الخصائص، وجعل فيها أيضاً إمكانية أن نستثمرها وننتفع منها بأشكال متعددة، ثم الوسائل لذلك، الوسائل التي نحتاج إليها في ذلك، الله “سبحانه وتعالى” هو الذي هيأ لنا هذه الوسائل، التي ساعدتنا في حركتنا في الحياة، وفق نظم جعلها وفق تدبير وتهيئة وتسخير لهذه الأشياء التي خلقها لنا، فننتفع منها بأشكال كثيرة جداً.

 

عنوان التسخير هو من أهم العناوين في القرآن الكريم، وهو يلفت نظر الإنسان إلى استثمار هذه النعم والحركة فيها، والاستفادة من ذلك، من خلال العلم، التفكير، التجربة، الدراسة، الهداية الإلهية التي تأتي له في ضمن ذلك، في ضمن اهتماماته العلمية الصحيحة، في ضمن اهتماماته، في تجاربه في الحياة، في ضمن توجهه لاستثمار هذه المنافع.

 

{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ}[لقمان: من الآية20]، أسبغها وأتمها، نعم كثيرة جداً ووافرة، {ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}، منها ما هو ظاهر أمام أعيننا مشاهد وملموس، ومنها ما هو باطن:

 

إما باطن في الأرض، في باطن الأرض، نستخرجه من باطن الأرض، مثل ما فيها من الثروة النفطية، والمعادن، والخيرات الكثيرة جداً.

 

أو موجود، إنما خارج إدراك الإنسان، لكنه بالتجربة يكتشفه ويلمسه، مثل ما قصة الأثير، مثل ما يستفيد الإنسان منه في الموجات التي يعتمد عليها في الاتصالات، وفي غير ذلك.

 

وكذلك ما لا ينتبه له الإنسان من النعم ويغفل عنه، وهو كثير في ألطاف الله “سبحانه وتعالى”، وفي رحمته الواسعة، وفي فضله الواسع.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة السابعة عشرة 1442هـ


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر