الآيات المباركة في (سورة المائدة) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، هي تُحَذِّر بأشد التحذير من التَّوَلِّي لهم، من اتِّخاذهم أولياء، اتِّخاذهم أولياء:
- يشمل التأييد لهم في الموقف.
- يشمل كل أشكال التعاون معهم ضد الإسلام والمسلمين.
- يشمل أيضاً الخضوع لهم، والطاعة لهم، والتعامل معهم كجهة آمرة، مُقَرِّرة، مُوَجِّهة في مختلف شؤون الحياة.
وهذه حالة خطيرة جدًّا، إلى درجة أنه يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، يعني: يصبح حكمه عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وفي كتاب الله كحكمهم، كما لو كان يهودياً، أو نصرانياً، يعني: قضية خطيرة جدًّا، إخلال كبير جدًّا في انتمائك الإيماني وانتمائك الإسلامي، إلى أسوأ مستوى يمكن أن تتصوره، وتصبح محسوباً منهم في ما هم عليه: من إجرام، من إضلال، من طغيان، من فساد، وشريكاً لهم في كل ذلك، فالمسألة في غاية الخطورة.
الكثير من الناس يستبسطونها، ويتهاونون تجاهها، ولاسيَّما مع غياب التثقيف الديني، والتعليم الديني، والتوجيه الديني الذي يبيِّن أهميتها ويركِّز عليها، في كثيرٍ من أبناء الأُمَّة، ليس هناك نشاط توضيحي، تبيني، تفهيمي للناس، فمع غياب هذه المسألة من أوساط الناس، يستبسطها الكثير من الناس:
- يستبسطها في واقعه هو؛ فيتحرَّك بما فيه خدمة لليهود والنصارى، أو تأييد لمواقفهم ويستبسط المسألة، أو رضا لما يفعلونه، أو أي شكلٍ من أشكال الموالاة لهم.
- أو لديه تقبُّل بمسألة سيطرتهم على هذه الأُمَّة، وفرض إملاءاتهم على هذه الأُمَّة، وتدخُّلهم في كل شؤون هذه الأُمَّة، وهذا التَّقَبُّل هو بعينه مسألة التَّوَلِّي لهم واتِّخاذهم أولياء.
- أو تَقَبُّل المسألة لمن هم لديهم سلطة، نفوذ، أمر ونهي فيه، وهو خاضعٌ لهم، يتقبَّلها لغيره، لكن فيما يؤثِّر عليه أيضاً.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في التحذير منهم، أيضاً حذَّر من هذه المسألة في آيات كثيرة، آيات أخرى، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، لأن المسألة ليست مسألة عادية وبسيطة؛ لأنها تتَّجه في تأثيراتها السيئة على التزاماتنا الدينية، والإيمانية، والأخلاقية: في المبادئ، في المواقف، في الأخلاق... في كل شيء.
القرآن الكريم، كتاب الهداية من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي قال الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، هو يُقَدِّم الهداية الواسعة لنا، في كل ما نحتاج إلى الهداية فيه، هو يُرَسِّخ لدينا نحن كمسلمين النظرة الصحيحة تجاههم كأعداء، تجاه اليهود وأوليائهم من النصارى؛ باعتبارهم أعداء لنا بكل ما تعنيه الكلمة؛ بل اليهود أشد عداءً من غيرهم من كل الأعداء لهذه الأُمَّة كأعداء؛ ولهـذا يقول عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، فكيف تتولى عدوك، الذي هو يعاديك، كل أنشطته، كله برامجه، كل توجهاته، كل سياساته، هي عدائية، تستهدفك بشكلٍ عدائي، وإن كانت مخادعة، وإن كان فيها تلبيس، أو خداع؟!
يُقَدِّمهم كأعداء حاقدين جدًّا، أشد حالات الحقد؛ ولهـذا قال عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، هذا يُعَبِّر عن حقد شديد؛ بل قال عنهم أيضاً: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، وهذا من الحقد الشديد، أنه لا يريد لك أي خيرٍ إطلاقاً حتى من الله، أي خير مهما كان، كل أنواع الخير، يعني: لو تمكَّنوا من أن يمنعوا عنَّا الأوكسجين الذي نتنفسه لمنعوه، لا يريدون لنا أي خير، أي عِزَّة، أي كرامة، أي نهضة، أي خير في أي شأنٍ من شؤون الحياة، في كل ما تتناوله أيَّ خير.
وهم- في نفس الوقت- مخادعين ومضلِّين، يعني: أعداء يستخدمون أسلوب الإظلال، قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، وهم يعملون على هذا الأساس: الإضلال، والخداع للأُمَّة، وكل العناوين التي يخادعون بها الأُمَّة كعناوين جذَّابة ومغرية؛ إنما يستخدمونها للإظلال لهذه الأُمَّة، فهم يريدون لهذه الأُمَّة أن تضل، أن تضيع في كل شيء: في دينها ودنياها، أن تكون أمها ضائعة.
وكأعداء مفسدين أيضاً، قال عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة:64]، (يَسْعَوُنَ): لديهم نشاط مكثَّف، وجاد، ومتسارع، ومستمر، في الإفساد الشامل، الإفساد في الأرض في كل مناحي الحياة.
كذلك القرآن الكريم يبيِّن لنا كثيراً عن أساليبهم الخطيرة، الهادفة إلى تطويع الأُمَّة، يعني: هم يعملون إلى أن تتحوَّل هذه الأُمَّة إلى أُمَّة مطيعة لهم، التطويع أسلوب خطير جدًّا، وهم أعداء في نفس الوقت، لكنهم يعملون على تحويل هذه الأُمَّة إلى أُمَّة مطيعة لهم: حكوماتها مطيعة لهم، شعوبها مطيعة لهم، احزابها، سياسيوها، كوادرها بكل أشكالهم، نخبها... الكل يكون مطيعاً لهم، ويتحوَّل إلى مطيع لهم: يتقبَّل بإملاءاتهم، يتأثَّر بأفكارهم، يتقبَّل ما هو منهم، يتَّجه الاتِّجاه الذي يريدونه هم... وهكذا.
ومع هذا الخطر من جهتهم هم، هناك حالة خطيرة من داخل الأُمَّة تلتقي بهذا الخطر، هي: حالة الانحراف في داخل الأُمَّة، المتمثلة بحركة النفاق، وما يتماهى معها، ممن يشملهم العنوان القرآني: في قول الله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، وهو عنوان يشمل فئات واسعة، من الذين لديهم اختلال كبير في عمق إيمانهم، في واقعهم النفسي، في قلوبهم، وأنواع المرض التي تعني: اعتلال معنوي، وإيماني، وأخلاقي، خلل في هذه الجوانب، أنواع كثيرة جدًّا:
- لدى البعض من الناس هو: الشك، هو الريب.
- لدى البعض من الناس هي: الأطماع والأهواء.
- لدى البعض من الناس هي: المخاوف.
- لدى البعض من الناس هو: الميل بدوافع أو بأخرى.
الأنواع كثيرة جدًّا، ليس السياق في كلامنا هو الحصر لها، لكن البيان على أنها حالة تتَّجه من داخل الأُمَّة، يعني: حالة تتحرَّك من داخل الأُمَّة على هذا الأساس: تدفع بالأُمَّة نحو اتِّخاذ اليهود والنصارى أولياء، فهي تُرَوِّج لذلك، تسعى لذلك، تضغط لذلك، تتحرَّك بقدراتها بإمكاناتها، بوسائلها الإعلامية؛ لإقناع الآخرين بذلك، للدفع بالآخرين بذلك؛ لأنها تركِّز على أن تُقَدِّم ما تعتبره تودُّداً إليهم، خدمةً لهم، تَقَرُّباً إليهم، وبمسارعة، (مسارعة) اهتمام كبير، المفترض بحسب النظرة القرآنية هي المسارعة إلى العداء لهم، إلى اتِّخاذ موقف منهم، والمسارعة إلى طريق مرضاة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لكنَّ هذه المسارعة معاكسة، في اتِّجاه يخدمهم.
فالآيات القرآنية هي تبيِّن خطورة هذه الحالة من الانحراف، والسلبيات الكبيرة لها، وتبيِّن- وبيان ممن؟ من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي له عواقب الأمور، القائل "جَلَّ شَأنُهُ": {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}- كيف النتيجة لهذه الحالة من الانحراف، التي تتَّجه نحو اتِّخاذهم أولياء، بالولاء لهم في الموقف، وبتمكينهم من السيطرة على هذه الأُمَّة، والانصياع لمؤامراتهم، لتوجهاتهم، للمواقف التي يدفعون إليها، والتَّقبُّل بما يقدِّمونه على كل المستويات، وبمسارعة واهتمام كبير، الله يؤكِّد أنَّ العاقبة لهذا التَّوَجُّه، لهذا الانحراف، للذين يسيرون وفق ذلك: في المسارعة فيهم، العاقبة هي الندم والخسران، أن يصبحوا نادمين وخاسرين، وهذه حقائق قرآنية، مهما- في ظروف معيَّنة- كان الواقع بالنسبة للبعض واقعاً يطمئنون إليه، في حساباتهم السياسية وغيرها، لكن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو من يملك أن يصنع المتغيرات الكبيرة، وأن يُنَفِّذ وعيده الحق، وأن تجري سنَّته التي تجري في مسيرة الحياة، وهو القادر "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على تنفيذ ما توعَّد به؛ ولـذلك هذه حقائق حتمية، حقائق حتمية، تتحقق بلا شك: أن يصبحوا خاسرين، وأن يصبحوا نادمين.
الآيات القرآنية، التي رسَّخت كيف تكون نظرتنا ورؤيتنا صحيحة وفق هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كيف يكون اتِّجاهنا كَأُمَّة، كمسلمين، بما يحمينا، يحمينا من الانزلاقة والتَّوَرُّط في الاتِّجاه الذي لا يفيدنا؛ إنما يمكِّن الأعداء، وفي نفس الوقت تكون عاقبته الخسارة والندم، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هذا السياق قال "جَلَّ شَأنُهُ": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}[المائدة:54]؛ لأنه سياق ارتداد، الخضوع لليهود وأوليائهم من النصارى، والاتِّجاه لموالاتهم على مستوى الموقف، وعلى مستوى التعاون معهم في إطار الموقف، والمساندة لهم في إطار الموقف، وعلى مستوى التَّقَبُّل بهم كجهة آمرة، مقرِّرة، متحكِّمة، تفرض إملاءاتها، تتدخَّل في شؤون حياتنا المختلفة: في التعليم، في التثقيف، في الخطاب الديني، في الإعلام، في التأثير على الرأي العام، في الاقتصاد... في مختلف شؤوننا، وهم يحرصون على ذلك، يعملون على أن يقولبوا وينظِّموا واقع هذه الأُمَّة بما يخدم مصالحهم، والذي يخدم مصالحهم ما هو؟ ما يكون ضلالاً، ما يكون انحرافاً، ما يكون تحريفاً، ما يكون زيغاً، ما يكون انصرافاً عن هدي الله وعن الحق، فالحالة ستكون حالة ارتداد، {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]، ثم قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:55-56]، فالآيات المباركة قدَّمت الولاية كأساس إيماني، يحمي الأُمَّة من ولاية أعدائها اليهود والنصارى، أساس إيماني يمثِّل حماية للأُمَّة، وتحصين للأُمَّة في هذا السياق نفسه، وأيضاً يصلها: يصل الأُمَّة التي تتَّجه على هذا الأساس، ومن يتَّجهون على هذا الأساس برعاية الله، وهدايته، ونصره، ويجعلها في موقع الصراع مع أولئك الأعداء، الذين هم أعداء مضلُّون، مفسدون، حاقدون، مجرمون، ظالمون، أبرز عنوان هو الظلم من عناوينهم، مما يعبِّر عن توجُّهاتهم، أعمالهم، سياساتهم، مواقفهم.
فالأُمَّة في إطار الصراع معهم، تكون في إطار مهمة مُقدَّسة؛ ولهـذا قال: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ}[المائدة:56]، تواجه شر، وطغيان، وإجرام، وظلم، وإضلال، وفساد اليهود، وأوليائهم من النصارى، في إطار مهمةٍ ومسؤوليةٍ مقدَّسة، ومنطلقٍ إيماني، ومهمة مُتَّصِلَة بالله في هديه وتعليماته، وهذا ما أراده الله للأُمَّة الإسلامية: أن يكون لها هذا الموقع في الصراع مع اليهود، موقع أنها تؤدِّي مسؤوليةً مهمةً مقدَّسة:
- فهي أُمَّة الخير، التي تواجه شرَّ اليهود.
- وهي الأُمَّة القائمة بالقسط والعدل، التي تواجه ظلم اليهود، وهم أظلم الناس، وأسوأ الناس ظلماً، وأشدُّ الناس ظلماً.
- وهي الأُمَّة التي تتحرَّك بقيم الحق، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، في مواجهة منكرهم، وفسادهم، وإجرامهم.
- وهي الأُمَّة التي تحمل الهدى والنور للبشرية، في مواجهة ضلالهم، وإضلالهم، وظلماتهم.
هذا الموقع الذي أراده الله للأُمَّة، وهي في ذلك كله تكون مُتَّصِلةً بهدى الله، تتحرَّك على أساس تعليماته، وتعتمد عليه، وتثق به، وتحظى برعايته ونصره؛ فتؤدِّي هذا الدور وهي في واقع الحال حزب الله، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، يكون التَّوَلِّي لله، ولرسوله، وللذين آمنوا في هذا السياق، هو هذا الاتِّجاه: هو التَّحَرُّك من هذا الموقع الذي أراده الله للأُمَّة في أداء مسؤولياتها الإيمانية والمقدَّسة والعظيمة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مناسبة يوم الولاية 1446هـ