((بروحٍ مسؤولة، نخرج برؤيةٍ واحدة، بموقفٍ واحد، بنظرةٍ واحدة، بوعيٍ واحد، هذا هو ما تفقده الأمة))، تفقده الأمة وهي في أمسِّ الحاجة إليه؛ لأنها لا نجاة لها إلَّا إذا تحركت على هذا الأساس: في موقفٍ عملي، بروحٍ عملية، بروحٍ مسؤولة، بموقف موحد، بتوجُّه موحد، بتحرُّك عملي موحد؛ أمَّا تلك الحالة التي تتعامل فيها الأمة وتتعاطى مع تلك الهجمة عليها بمجرد تحليلات متباينة، رؤى متباينة في الحد الإعلامي والتعليق الإعلامي، دون موقفٍ عملي، هذا لا يفيدها.
ثم تحدث كثيراً عن النقطة الأساسية: ترسيخ الوعي بأننا أمة مستهدفة، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنها تغيب من الذهنية العامة، لا يستحضرها الناس بشكلٍ مستمر، ثم لا يكون التوجه العملي بناءً عليها، بل على العكس من ذلك، يحاول البعض من أبناء أمتنا أن يقدِّم لنا أعداءنا كأصدقاء، نتحالف معهم، نحتمي بهم، البعض من أبناء أمتنا (أنظمة وحكومات) يطلبون من أمريكا الحماية لهم، ويقدِّمون لها كل شيء، في مقابل أن توافق لتقوم بهذا الدور، سيفتحون لها كل شيء، ويقدِّمون لها كل شيء، وهذه نظرة خاطئة جداً، وتجاهل لهذه الحقيقة، التي لا ريب فيها.
يقول: ((نحن نعرف جميعاً إجمالاً أن كل المسلمين مستهدفون، أو أن الإسلام والمسلمين هم من تدور على رؤوسهم رحى هذه المؤامرات الرهيبة، التي تأتي بقيادة أمريكا وإسرائيل، ولكن كأننا لا ندري من هم المسلمون))، يقول: ((المسلمون هم نحن أبناء هذه القرى المتناثرة في سفوح الجبال، أبناء المدن المنتشرة في مختلف بقاع العالم الإسلامي، نحن المسلمين، نحن المستهدفون، ومع هذا نبدو وكأننا غير مستعدين أن نفهم، غير مستعدين أن نصحوا، بل يبدو غريباً علينا الحديث عن هذه الأحداث، وكأنها أحداث لا تعنينا، أو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا، أو كأنها أحداث وليدة يومها)).
يعني: الشيء المؤسف أيضاً هو: حالة الغفلة الطويلة في واقع المسلمين، العدو يتآمر عليهم منذ زمن طويل، بدأ العدو مؤامرته عليهم في أواخر حقبة الاستعمار الأوروبي المباشر، والاحتلال المباشر لبلداننا العربية والإسلامية، ثم أتت عملية التجزئة والتقسيم، ثم قام البريطاني أيضاً بتسليم الدور في الاحتلال لفلسطين إلى العدو الإسرائيلي، وقام بدعم العدو الإسرائيلي مع بقية الدول الأوروبية، ثم أتى الأمريكي ليخلف البريطاني في دور الحماية والإسناد بالدرجة الأولى، والشراكة مع العدو الإسرائيلي، وكل مراحل زرع الاحتلال والعدو الإسرائيلي في أرض فلسطين على مدى عقد من الزمن، والأمة غافلة، غافلة عمَّا يشكله من تهديد وخطورة، وعن خطورة ما حدث، بدءاً بالاحتلال لفلسطين، والاحتلال للمقدسات في فلسطين، وما يجري على الشعب الفلسطيني المظلوم منذ البداية، غفلة مستمرة، وهكذا تستمر الأحداث، المؤامرات الكثيرة على أبناء أمتنا، وعلى شعوب منطقتنا، وهناك غفلة عن كل ذلك، تستمر دون توجُّه إلى تحرُّك، تَحرُّك فاعل.
هذه الحالة السائدة من الغفلة، واللاهتمام، واللاوعي، هي لخدمة الأعداء، وهم حرصوا على ذلك، وعملوا على أن تستحكم حالة الغفلة، حالة اللامبالاة، عدم الانتباه لمؤامراتهم، لمخططاتهم، لأعمالهم ضد هذه الأمة؛ ولذلك يقول: ((إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على ماذا؟ يدل على خبثٍ شديدٍ لدى اليهود، أن يتحركوا عشرات السنين، ونحن بعد لم نعرف ماذا يعملون، أن يتحركوا لضربنا عاماً بعد عام، ضرب نفوسنا من داخلها، ضرب الأمة من داخلها))؛ لأنهم اشتغلوا على ضرب هذه الأمة في كل شيء: في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب التعليمي والثقافي والإعلامي... على كل المستويات، والأمة غافلة عنهم، لا تتنبه لأفعالهم، لمؤامراتهم، لمخططاتهم، وتتحرك ضدهم في ذلك، ((ثم لا نعلم من هم المستهدفون، أليس هذا من الخبث الشديد، من التضليل الشديد، الذي يجيده اليهود ومن يدور في فلكهم؟))، فالحالة هذه حالة غفلة رهيبة جداً، غفلة جعلت الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية في العالم العربي وغيره، لم يعودوا يستشعرون المسؤولية أمام الله تجاه ما يحدث، ولم يعودوا يحسوا بهذا الخطر والاستهداف؛ فتهيأت الظروف أمام أعداء هذه الأمة، ووجدوا الساحة أمامهم مفتوحة، غير محصَّنة، وهذا واقعٌ مطمع، يطمعهم أكثر وأكثر في الاستهداف لهذه الأمة.
عندما تحرَّك السيد حسين بدر الدين "رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ" في تلك المرحلة الخطيرة جداً، أمام تلك الأجواء التي حصلت فيها حملات ترهيب كبيرة من جانب الأمريكيين، ومن يدور في فلكهم، ثم أيضاً تماهى في ذلك واتَّجه في ذلك معظم الحكام، ومعظم الأنظمة في بلدان أمتنا، فحالة الترهيب تلك كانت قد أثَّرت على الكثير من أبناء هذه الأمة، فأصبحت حالة الخوف حالة خطيرة، أصبح الخوف من أمريكا حالة تسيطر على الحكام، الحكومات، المسؤولين، في النخب كذلك، مختلف أبناء هذه الأمة من النخب نفسها يعيشون حالة خوف حقيقي من أمريكا، واتَّجهت هذه الحالة إلى الشعوب، الشعوب خوفهم الكبير كان من أنظمتهم الخائفة من أمريكا، والمتماهية مع أمريكا؛ لأن المشكلة بالنسبة للأنظمة، ليست فقط في حالة الخوف، بل معظم الأنظمة لم تكن مستعدة أن تتحمل مسؤولية، وأن تتبنى أي موقف جاد ضد السياسات الأمريكية، والهجمة الأمريكي والإسرائيلي؛ لأن الكثير من الأنظمة والحكومات هي- أصلاً- لا تحمل تطلُّعات، وتوجُّهات، ومواقف، وقضايا هذه الأمة، وهذه الشعوب، كثيرٌ من الحكام يهمهم مصلحتهم، مناصبهم، مواقعهم، هو يريد أن يؤمِّن- الكثير منهم- لنفسه استمراره في السلطة، وأن يفعل مع الأمريكيين أي شيء في مقابل ذلك، فاجتمعت حالة الخوف من جهة، وحالة عدم القناعة بتبني أي موقف من جهة ثانية؛ أمَّا في حالة الشعوب، فهي شعوب تغلب عليها حالة الخوف من حكوماتها، وأنظمتها، وحكَّامها بأكثر من الخوف من أمريكا. وتحدث السيد حسين بدر الدين الحوثي "رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ" عن هذه النقطة؛ لأنها كانت تشكِّل عائقاً حتى في مجتمعنا، في مجتمعنا خوف الناس من السلطة، من ردة فعلها، من موقفها، وهي تتجه لتسابق الآخرين، وتحاول أن تسبق بقية الحكومات والزعماء في الاسترضاء للأمريكي، والتودد للأمريكي، والتضحية بكل شيء، بحريَّة الشعب، باستقلال البلد... بكل شيء، من أجل استرضاء الأمريكي، فكانت هذه تمثل إشكالية تؤثر على الكثير من الناس.
ولذلك قال: ((عندما نتحدث عن القضية هذه، وعن ضرورة أن يكون لنا موقف، هل نحن نحسُّ بخوفٍ في أعماق نفوسنا؟ وخوف ممن؟ بالطبع قد يكون الكثير يحسون بخوف أن نجتمع لنتحدث عن أمريكا، وعن إسرائيل، وعن اليهود، وعن النصارى، ولكن ممن نخاف؟ هل أحدٌ منكم يخاف من أمريكا؟ لا، هل أحدٌ منكم يخاف من إسرائيل؟ لا، ممن تشعر بأنك تخاف منه؟ من هو الذي تشعر بأنك تخاف منه عندما تتحدث عن أمريكا، عندما تتحدث عن إسرائيل، عندما تلعن اليهود والنصارى؟ إذا شعرنا في أعماق أنفسنا بأننا نخاف الدولة؛ فإننا نشهد في أعماق أنفسنا على أنَّ هؤلاء هم ماذا؟ هم أولياء لليهود والنصارى، أي دولةٍ كانت يحدث في نفسك خوفٌ منها؛ فإنك في قرارة نفسك تشهد بأنَّ تلك الدولة هي من أولياء اليهود والنصارى، هذه واحدة، وإلَّا ما الذي يمكن أن يخيفني من جانبهم إذا ما تحدثت عن أمريكا وإسرائيل، وعن اليهود والنصارى)).
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
الذكرى السنوية للصرخة 1445هـ