نحن في البلد مثلاً والواقع على المستوى العربي بشكلٍ عام فيما مضى، حتى على المستوى التاريخي، على مدى مئات السنين، وفي الزمان الماضي، كانت هذه النعمة متوفرة جداً، وكانت من أكبر الثروات الموجودة لدى العرب، ولدى المسلمين بشكلٍ عام، ثروة ضخمة، وكان هناك اهتمام باقتنائها، وعناية بها، وإدراك لأهميتها كثروة ضخمة، وثروة حقيقية، وإلى درجة أنه مع توفرها بشكلٍ كبير في كل المراحل الماضية، في كل الزمن الماضي إلى درجة أنَّ الأروش، والديات، والمهور، كانت في كثيرٍ من المناطق تقدَّر بها، وكان يعتمد عليها في ذلك، كان يعتمد عليها في دفع الديات، في دفع الأروش، في دفع المهور، فكانت ثروةً ضخمة يعتمد عليها الإنسان، يعني: حتى إلى درجة أن تقوم مقام النقد في كثيرٍ من الأمور المهمة التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة مثلاً، فكانت ثروةً حقيقية، وثروةً متوفرة، يقتني الكثير منها، البعض يقتنون منها بالآلاف، البعض يتقنون منها بالمئات، ثم لا تكاد المنازل تخلو من اقتنائها، يعني: على المستوى الأسري كل أسرة يكون لها البعض من الأبقار والأغنام، سواءً على مستوى الضأن أو الماعز، المناطق التي تتوفر فيها الإبل كذلك يصبح اقتناؤها على مستوى كل أسرة، أن تقتني شيئاً منها، وباقتنائها يصبح هناك ثروة لدى من يقتنيها، ثروة حقيقية، ومصدر دخل، ومصدر غذاء- كما قلنا- لا مجال معه لسوء التغذية.
في الأرياف بشكلٍ عام إلى ما قبل عقود من الزمن، إلى ما قبل عشرات السنين، عندنا في اليمن في الأرياف لا تكاد تخلو أسرة من أن يكون لديها بقرة، أو أكثر من بقرة، وأن يكون لديها البعض من الغنم، سواءً ضأن أو ماعز، هذا كان متوفراً بشكل كبير، ويتوفر معه ماذا؟ تعمر الموائد، الموائد (موائد الطعام)، ما هناك أزمة، يتوفر الحليب، يتوفر اللبن، يتوفر السمن، يتوفر اللحم، يتوفر... وهكذا، إضافة إلى اقتناء غيرها، اقتناء الدجاج مثلاً، في الأرياف ما كادت تخلو أسرة من أن تقتني الدجاج، ويتوفر لها البيض، البيض البلدي بشكلٍ مستمر، ويتوفر مع ذلك غذاء صحي، لم يخضع لمواد حافظة، وتأثيرات في ألاعيب الصناعة، طازج، حليب طازج يومياً، ولبن طازج يومياً، ويأتي البيض يومياً، ومن دون مشقة، فهذه النعمة كانت متوفرة بشكل كبير، وكانت- كما قلنا- مصدر دخل نقدي، الإنسان يمكن أن يبيع: أن يبيع من الإبل، أن يبيع من البقر، أن يبيع من الغنم، أن يبيع من منتجاتها أيضاً، فيتوفر له المال، ومصدر غذاء مستمر؛ وبالتالي لم تكن كثيراً من الأسر تعاني من همّ توفر الغذاء.
الآن عند الكثير من الأسر همّ في كيفية توفير الإدامات، توفير الحليب مشكلة، توفير الزبدة أو السمن مشكلة، توفير البيض مشكلة على كثير من الأسر، البيض غالي الآن، وأصبحت هذه تمثل مشكلةً وهماً لكثيرٍ من الأسر؛ لأننا مع عقودٍ من الزمن مضت حصل فيها تيه، أولاً ابتعاد عن النعم والمنعم العظيم عن الله "سبحانه وتعالى"، غفلة، لم يبق الاهتمام بالشكل المطلوب في الإقبال إلى الله، في التمسك بدينه كمنهجٍ للحياة، ونظامٍ للحياة، والتفاعل مع نعمه "سبحانه وتعالى"، وحصل أيضاً ارتباط بالخارج في كل هذه العقود التي مضت من الزمن، ارتباط كلي بالخارج، توجه كلي نحو الخارج؛ وبالتالي عدم اهتمام بالإنتاج الداخلي في كل شيء، في كل شيء، وهذه كانت خسارة كبيرة لبلدنا، نتج عنها- وخسارة كبيرة في سائر البلدان العربية- نتج عنها أن ينتشر الفقر إلى حدٍ كبير، وأن تطرأ علينا مشاكل كبيرة في ظروف حياتنا، وألَّا نبقى أمةً منتجةً تمتلك ثروات حقيقية، تستثمر نعم الله "سبحانه وتعالى"، وتتوجه إليه بالشكر.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة الدروس الرمضانية، بتاريخ 25 رمضان 1442هـ