الكاتب : هاشم احمد شرف الدين
في الجزء الأول ذكرنا تأثير الإعلام على المجتمع بمختلف فئاته، خاصة بعد ثورة الاتصالات، ووسائل التفاعل الاجتماعي (السوشل ميديا)، والتي بات الإعلام عبرها غير محدود ولا منضبط، وتحدثنا عن حرب غير عسكرية عبر المصطلحات الإعلامية، وفي حين قصر الإعلام في مواجهة هذه الحرب فعلت كذلك مؤسسات التنشئة الأخرى كالمساجد والمدارس والجامعات.
إن هذا العدوَّ يشُــنُّ علينا حربًا ثقافيةً عامة منذ قرون، وتمكن من غزونا ثقافيًا لأن وسائل تضليله كثيرة ومتنوعة، لقد صنع اليهود ـ عبر التأريخ ـ العقائد الباطلة وقدموها لنا كعقائد إسلامية، وعلى الدوام يسعون إلى تضليل شباب المسلمين والإنسانية جمعاء بتقديم صورة مشوهة ومزيفة عن الإسلام وتقديمه الجماعات التكفيرية الوهابية الإجرامية الوحشية على أنها النموذج الذي يصنعه الإسلام، وللأسف نجح العدو في استقطاب الناس من داخل الإسلام، وتنفير الناس الذين خارجه.، فصار الكثير من الشباب وهّابيين تكفيريين يشتغلون لصالح أجندة العدو، وتناقصت أعداد الملتحقين بالإسلام في العالم بنسبة كبيرة سنويًا.
لقد استخدم العدو الإعلام أيضا لتضليلنا في تقديم نماذج القدوة، من خلال الترويج لبعض الشخصيات وإضفاء حالة من التقديس والإعجاب بها ليوظفها لاحقًا في إقناعنا بمؤامراته ومخططاته، وفي الوقت ذاته عمل على تضليلنا من خلال تشويه الشخصيات الإسلامية الجديرة بالاحتذاء، فتجاهلهم ابتداء، وقدمهم بصورة مشوهة بعد ذلك، وعمل على إفقاد ثقة الناس بهم، لأنه يعلم أنهم سيكونون مواجهين له بفاعلية.
ويعمل العدو عبر الإعلام على تضليل الناس لاختلاق هوة بين القيادة والأمة بكثير من الشائعات المغرضة، وتحميل القيادة تبعات مواجهتها للعدو ومقاومتها له، والجميع يلمس اليوم كيف يعمل العدو بكل تركيز على فصل الشعب عن قيادته الحكيمة الممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله تعالى من خلال العديد من الفبركات والأكاذيب والشائعات والحرب النفسية، في محاولة لحث الناس على التمرد عليه.
كما ضللنا العدو من خلال حرف البوصلة عن العدو الحقيقي، فصرف الأنظار عنه كإسرائيلي وأمريكي، وأخذ يوجهنا صوب الفاعلين الأساسيين في مواجهته كعدو، ونجح لدى الكثير من أبناء الأمة في تقديم نفسه كشريك وصديق حريص علينا وراع للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وحاول العدو تضليلنا عبر الإعلام ليعمل على إفقادنا الإحساس بقيم الانتماء للدين وللعروبة، وصار البعض يطالب بالتشرذم والانفصال فضلا عن العمل نحو تحقيق الوحدة والاعتصام بحبل الله، وبات البعضُ لا يخجل أَوْ يتحرّج من إعلان ازدرائه لثقافة الجهاد وللمجاهدين.
من جهة أخرى أخذ الاعلام يضلل الناس اقتصادياَ باقترابه من أن يكون إعلانا لا إعلاما، يستهدف الجمهور بكم هائل من الرسائل الإعلانية المباشرة وغير المباشرة، مما أشاع ظاهرة الاستهلاك.
وأخذت تتلاشى من الإعلام التناولات الفكرية والثقافية والتنموية في مقابل ازدياد مواد التسلية والترفيه على حساب المواد الأخرى، ويحدث هذا ـ في الوقت نفسه ـ مع الزيادة في عدد القنوات الفضائية عبر العالم.
كما أخذ الإعلام المضلل يستهدف شرائح بعينها كالشباب والمرأة، مقدمًا لهم نماذج القدوة في هيئات مغايرة لمقتضيات وتكوين الشخصية الإسلامية، وذلك عبر العديد من الأعمال الدرامية العربية والأجنبية المدبلجة إلى العربية، كما مجّد المغنين والمغنيات، والفن الهابط عمومًا، وقام بكسر الحواجز شيئًا فشيئًا عبر نوعية البرامج التي تعرف باسم "تلفزيون الواقع"، كما راح يقلل من شأن اللغة العربية والمتحدثين بفصحاها.
وللأسف فقد أسهم إعلام الأمة في تمرير التضليل الإعلامي إلينا عن طريق الشراء أحيانا وتحت شعار المعونات الثقافية أَوْ بروتوكولات التعاون أحيانا أخرى لتلبية ومواجهة احتياجاته اللانهائية لتغطية ساعات البث والمساحات المقروءة، دوت الالتفات إلى ما قد تحمله هذه الواردات من قيم وسلوكيات أَوْ أفكار وتوجهات ومعايير ونماذج متباينة مع خصائص المجتمع، حيث تنعدم العلاقة بين كثير مما يقدم من مضامين وأشكال الواقع الاجتماعي والثقافي لهم، مما يؤثر بدوره على المدى البعيد بفعل التأثير التراكمي لوسائل الإعلام على منظومة القيم والأفكار، وينعكس بالتالي على الإطار الدلالي للأفراد، وعلى نسق الحياة الثقافية والنظم الاجتماعية، خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب الذين ولدوا وشبوا في ظل الفضائيات حيث السماء المفتوحة.
ولا يفوتنا التنبيه إلى أن شاب اليوم هو طفل الأمس، ذلك الذي وجد نفسه مستغرقا في بيئة التلفزيون منذ نعومة أظافره، حين كان جهاز التلفزيون أسهل وسيلة يتعامل معها داخل المنزل، وحين كان والداه يتركانه فتراتٍ طوال أمامه من أَجل قضاء أعمالهم ومتابعة مشاغلهم، فما يصل إلى مرحلة الشباب إلا وقد أصبح متوحدًا بما يبث عبر القنوات الفضائية ومتحالفًا معه، وحينها تكون هذه القنوات الفضائية قد أحكمت قبضتها عليه كإنسان، فتسهل عمليات توجيهه وتغيير قيمه والتلاعب به وبأعصابه وعواطفه كيف شاءت.
لقد ضللنا العدو عبر الإعلام وضلل إعلامنا، فصار وصرنا معه نروج لمصطلحاته التي يضعها مبرراتٍ لاستهدافنا كمصطلح "الإرهاب"، وراح ورحنا معه ننقل أي خبر ينشره العدو لمجرد النقل، أَوْ بدافع الحصول على تميز "السبق الإخباري"، غير منتبهين أننا نفتح ثغرة يستغلها العدو بتمرير مصطلحاته وتسريباته وشائعاته التي تخدمه، وقد يكون لها آثار سيئة في أوساط الناس توجد بلبلة وتوجد ضعفًا...يتبع.