النماذج التي قدَّمها لنا القرآن الكريم على مستوى الإمكانات، عندما قدم لنا نموذجاً عظيماً هو نبي الله سليمان -عليه السلام- نبي الله سليمان -عليه السلام- مكَّنه الله تمكيناً كبيراً، وملَّكه ملكاً عظيماً، ومنحه قدرات وإمكانات عجيبة جدًّا، ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وتلك القدرات العجيبة التي سُخِّرت له، لدرجة أنَّ الله سخَّر له الرياح، سخَّر له من يمتلكون مواهب وقدرات عجيبة جدًّا، كانوا وزراء في دولته وأعواناً له، من بينهم ما حكاه القرآن الكريم عمَّن عنده علمٌ من الكتاب، وهو من رجال دولته ومن أعوانه، في قصة عرش بلقيس عندما قال نبي الله سليمان -عليه السلام- للملأ حوله: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 38-39] العفريت الذي من الجن قدَّم عرضاً وهو أنه مستعدٌ أن يبادر هو فيأتي بعرش ملكة سبأ، وخلال فترة وجيزة: قبل نهاية الدوام ، (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ): قبل أن ينتهي الدوام الذي يجلس فيه نبي الله سليمان -عليه السلام- في مقر العمل، وقد يكون هذا خلال ساعات مثلاً والله أعلم، أما الذي عنده علمٌ من الكتاب فاستعد أن يأتي به خلال لحظات، قال: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}، الطرف هو هذا (طرف العين)، وارتداده في حركة رمش العين، خلال لحظات، {فلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} خلال لحظات أتى بالعرش من مأرب في سبأ إلى فلسطين خلال لحظات، يعني: قطع مسافة قد تكون- والله أعلم- ألفي كيلو متر، أو ما يقارب ذلك، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك، لا نعرف بالدقة، لكن مسافة بعيدة جدًّا وخلال لحظات أتى بعرشها {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} قدرات عجيبة، إمكانات عجيبة، أصبحت في إطار نبي الله سليمان وتحت أمره وقدرته وسيطرته وتوجيهاته، قدرات خارقة جدًّا وعجيبة، إلى اليوم لم يحصل عليها البشر ولم يصل إلى مستواها البشر، فماذا كانت مشاعره عندما رأى نفسه أصبح يمتلك قدرات كهذه، إمكانات كهذه، وأصبح مسيطراً على جن وإنس وطير وحيوانات، ويمتلك ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، والرياح مسخرةٌ لنقله مع جنوده {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص : من الآية36]: حيث يريد؟
في ظل هذا الجو من الإمكانات الهائلة، والقدرات الكبيرة، والتمكين العظيم، والتسخير العجيب، كيف كانت مشاعر نبي الله سليمان -عليه السلام- هل امتلئ بالغرور والعجب والتكبر أم كيف؟ يحكي القرآن الكريم لنا في تلك اللحظة التي بلغت فيها قدراته وإمكاناته التي مكَّنه الله بها الذروة، المستوى الخارق: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: من الآية40] لاحظوا كيف كان منشداً إلى الله، لم يقل: [أصبحت عظيماً، أصبحت مهماً، أصبحت أمتلك إمكانات وقدرات عظيمة، أصبحت مسيطراً على الجن والإنس والطير]، ثم ينسى الله ويتعاظم نفسه، ثم يتصرف في واقع الحياة في قراراته وأعماله وتصرفاته من هذا المنطلق، كيف يعمل اليوم الزعماء المتكبرون المتغطرسون أليست تعاني منهم البشرية من طغيانهم، وعنجهيتهم وكبرهم، والبشرية ضحية لكبرهم وطغيانهم؟
أما نبي الله -سليمان -عليه السلام- فعلى العكس من ذلك، قال: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي): نعمة من الله أنعم بها عليَّ، الفضل له في ذلك، الحمد له في ذلك، (لِيَبْلُوَنِي): ليختبرني بهذه النعمة العظيمة، (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ): وكان شاكراً، واتجه ليكون شاكراً، فلذلك حالة العجب هي نكرانٌ للنعم، نكرانٌ لفضل الله على الإنسان، وفي نفس الوقت تبعد الإنسان عن الشكر، الشكر حتى في تقدير النعمة على المستوى النفسي والمشاعر، وفي الواقع العملي كذلك تصرفات الإنسان تتأثر بحالته النفسية إلى حدٍ كبير.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الثانية والعشرون مايو 30, 2019م