مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

لقد جاء الهدى على أعلى مستوياته، وجاء الهدى في أبين آياته وأحكمها وأكثرها تفصيلا ووضوحا، أي هدى كنت تنتظره؟ كان بالإمكان أن نهديك هذا النوع من الهدى، كما يفسرون هذه الآية: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يقولون: على طريقة القسر والإلجاء، أن يمسكك بإذنك إلى المسجد ويضعك بين الماء تتوضأ غصبا عنك، ويرفعك غصبا عنك وتصلي غصبا عنك، وأربعة أو خمسة ملائكة بأيديهم سياط يضربونك وهم وراءك أينما ذهبت.

 

لكن هذا ليس هدى، أنت حينئذ لست إنسانا. إنك إنسان لك درجتك ولك كرامتك. ماذا سيكون الإنسان حينئذ إذا كان على هذا النحو؟ ماذا يقال له؟ قد يقال له: حمار، هل كنت تريد في الدنيا هذه: أن تساق كما يساق الحمار؟ إن الله قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء: من الآية70) حملك في البر على هذه الدواب، وهداك هداية توفر لك الكرامة وفيها كرامتك، وتحركك فيها وأنت تطبق أي شيء منها هو كرامة لك وعز لك، في حياتك وأنت تتناول طعامك وشرابك بشكل تكون فيه مكرماً، أنت واقف منتصب القامة تصل بطعامك عن طريق يدك إلى فمك، لكن تلك الحيوانات الأخرى التي سخرت لك هي من تتناول طعامها بفمها.

 

أفكنت تنتظر أن تساق في هذه الدنيا كما تساق تلك الحيوانات التي كرمناك بأن جعلناك تُحمل عليها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؟ لو كنا نريد أن نساق كتلك الحيوانات التي نسوقها في البر. هل كنت تنتظر من الله أن يسوقك كما تسوق الحمار الذي تركبه، وهو يقول لك: إنما سخر ذلك الحمار لك، تكريما لك، وأنه من مصاديق تكريمه لك أن سخر لك تلك الحيوانات؟

 

إذاً فالهدى هو في متناولك على أعلى درجاته بالشكل الذي يتناسب مع تكريمك، ولكنك من أهنت نفسك، من أصبحت في واقعك كما قال الله عنك: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: من الآية44) أنت تريد أن تتهرب من التكريم حتى في وسيلة الهداية لك، وأنت من ترفض أن تتناول طعامك وشرابك على غير طريقة التكريم، أما الهدى من الله وهو أكرم من طعامك وشرابك فتريد أن يقدم لك على غير شكل التكريم، أليس هذا الذي نريد؟

 

الله جعلنا نتناول طعامنا وشرابنا بطريق مشرفة وكريمة، لكننا نريد أن يعطينا الأهم من الطعام والشراب بشكل مهين، أن يجعل أربعة من ملائكته مع كل شخص منا، وبأيديهم السياط والحبال فيسوقون كل واحد منا كما يساق الحمار. كيف سيقول لك الملك وهو يسوقك بالسوط؟ تفضل أو كما تقول للحمار، أنت تقول للحمار: تفضل اخرج، أو تفضل ادخل، أو تقول بعبارات أخرى لا تعني أكثر من عبارات الدفع والسوق؟

 

يجب أن نفهم تكريم الله لنا، وأن تكريمه لنا في هدايته، وأن من الحكمة أن تقدم هدايته لنا بالشكل الذي يتناسب مع تكريمنا. أما أن يكرمنا فيما يتعلق بتناول الطعام والشراب ثم لا تكون الهداية بالشكل الذي فيها تكريم لنا وعن طريقة أنفسنا، نحن نعقل، نفهم، نوقن، نثق، نصدق. ننطلق نتلمس آثار الكرامة في كل جانب من جوانب هدايته لنا. أليس هذا بوسعنا؟ وسترى كيف سيصل الناس وتصل أنت إلى العزة، أليست العزة للمؤمنين؟ إذاً فكنت ممن يقترح على الله أن يكون أولياؤه كالحمير،

 

إذا كنت تنتظر هداية من ذلك النوع (القسر والإلجاء) هو يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: من الآية8) العزة للمؤمنين، هل ستكون العزة لأولياء الله أن يساقوا كما يساق الحمير عن طريق ملكين أو ثلاثة بعد كل شخص منهم؟ ليست هذه عزة.

 

أو لم يحرم الإسلام التعذيب للإنسان حتى وإن كان كافراً؟ التعذيب في السجون محرم وفي القوانين الدولية أيضا، من ضمن بنود حقوق الإنسان القائمة التي فيها تنظيم لحقوق الإنسان ورعاية حقوقه كقانون دولي، تحريم تعذيبه في السجون؛ لأنه يتنافى مع كرامته، يتنافى مع كرامته. {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} هل تريد أن ترى هدى من هذا النوع الذي كنت تقترحه على الله سبحانه وتعالى، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يعمله. انظر إلى السجون إلى التعذيب هناك هدى بوسائل التعذيب،

 

أليس السجان يحاول فيك أن يهديك لأن تطيع السلطة، بتلك الطريقة: بتعذيبك بالقيود وبالكهرباء وبوسائل أخرى؟ هل ذلك تكريم للسجين، أو أنه إهانة ممن يفعله؟ هو إهانة. الله لا يمكن أن تكون هدايته للآخرين على هذا النحو؛ لأنه الكريم وهو العزيز هو من يريد أن يكون أولياؤه كرماء وأعزاء.

 

{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يجب أن نفهم هذه: أن الله قد هدانا وشاء هدايتنا لكن على الشكل الذي فيه كرامتنا، حتى وهو يعبّدنا لنفسه - سبحانه وتعالى - يقول لنا: إن تعبيد أنفسنا له هو حريتها، هو كرامتها، هو عزتها وقد وضع في الحياة - في الحاضر والماضي من الحياة - أمام كل جيل الشواهد، الشواهد على أن العبودية لله هي الكرامة وهي العزة، وهو سبحانه وتعالى يعبدك لنفسه ليس كأي ملِك آخر يحاول أن يطوعك لنفسه، هنا إذلال، هنا إهانة، هنا قهر. أما من جانب الله سبحانه وتعالى فهو تكريم وعزة وتكريم الله لنا وعزته لنا تمثلت في هدايته على هذا النحو الذي قدمه لنا.

 

ثم انظر في القرآن الكريم تجد أن خطابه معك على الشكل الذي يراعي تكريمك، يراعي كرامتك حتى وهو يوجهك إلى أن تنفق في سبيله، ألم يقل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} (البقرة: من الآية245). ويقول: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: من الآية16) يتحدث مع الناس بمنطق لطيف، وبأسلوب رحيم، وبأسلوب يُخجل الإنسان أمام الله، لماذا؟ كم الفرق بيننا وبين الله، من نحن؟ من نحن في واقع أنفسنا بالنسبة لله؟ لا مقارنة لكنه كرمنا وهو يتحدث معنا بنحو يوحي بتكريمه لنا.

 

نحن من نرى أنفسنا أذلاء أمام أشخاص يذلون أنفسهم لأمريكا وإسرائيل، نبدو أعزاء أمام الله سبحانه وتعالى، ونبدو كباراً في مواجهة الله سبحانه وتعالى، نبدو كباراً ونتحدى ونرفض وكم هو الفارق بين الله وبين أولئك الذين نذلل أنفسنا لهم، ونطوع أنفسنا لهم، أليس الفارق كبيراً؟ أليسوا هم في واقعهم إنما هم عبيد أذلاء لله؟ وقد يكون الكثير منهم في قائمة {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: من الآية44).

 

فنذلل أنفسنا لمن هم أضل من الأنعام ولا نذلل أنفسنا لله سبحانه وتعالى، وتذليل أنفسنا له هي الكرامة، هي العزة.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

 

 

(معرفة الله وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

 

 

 

بتاريخ:22من ذي القعدة1422 هـ

 

الموافق: 4/2/2002م

 

اليمن – صعدة. 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر