وأيضاً على المستوى الزراعي والمستوى العملي: أن نتنبه من خطورة التكدس والهجرة من الريف إلى المدن، من أكبر المشاكل، ومن أكبر السلبيات أن يهاجر الناس من الأرياف لغير ضرورة، وأن يتكدسوا في المدن، وفي المقدمة صنعاء، لربما الملايين قد هاجروا خلال هذه السنوات إلى صنعاء وقطنوا فيها، ربما البعض لهم عذرهم من محافظات محتلة، من مناطق قد تكون في مناطق الاشتباك والقتال، لا يستطيعون الاستقرار فيها، لكن البعض قد يكون أيضاً ذهب هكذا لمجرد الراحة (طلب الراحة في المدينة)، وترك منزله في الريف، وترك مزارعه في الريف، ليس هناك ظروف عسكرية، أو لظروف الحرب أجبرته مثلاً على أن يهاجر، وليس هناك أيضاً ظروف عملية فرضت عليه أن يستقر في منطقة معينة أو في مدينة معينة، وترك المزارع، ترك الأماكن التي يمكن... ترك البعض الثروة الحيوانية، واستقر داخل صنعاء في شقة.
هذه قضية خطيرة على الناس، لها أضرار كبيرة؛ لأنها لها أعباء اقتصادية، أنت عندما تهاجر من منزلك إلى شقة في صنعاء مثلاً تتحمل عبء الإيجار، أضفت عبئاً اقتصادياً، التزاماً مالياً إضافياً على نفسك، أو حملته الآخرين إذا كان على غيرك، على حساب أشياء أخرى ستكون مهمة ومفيدة، في نفس الوقت أنت تعطل دورك الإنتاجي، لا تشتغل في مزرعة، لم يبقَ لديه ثروة حيوانية: لا أغنام، ولا أبقار، ولا حتى الدجاج، وأصبحت فقط تعيش التزامات مالية وكلفة في المعيشة؛ لأن كلفة المدينة في المعيشة أكبر من الكلفة في الريف، فهذا له تأثيرات سلبية جدًّا، هذا يقلل من الإنتاج، يتحول الملايين من الناس إلى غير منتجين، إلى عبئ على أنفسهم وعلى غيرهم، وتصبح الحياة حياة صعبة، وقد يلجأ البعض إلى أسباب محرمة، أو وسائل غير مشروعة، بهدف الحصول على المال؛ ليغطي التزاماته، احتياجاته لأسرته، وهذه قضية خطيرة جدًّا، يمكن للبعض أن يهاجروا إلى أماكن- إذا اضطروا للهجرة- يتاح لهم فيها أن يواصلوا نشاطهم الزراعي أو نشاطهم في تربية الثروة الحيوانية، ومن المهم العناية بتربية الثروة الحيوانية، للأسف الشديد هناك تقصير كبير في هذا الجانب، في الماضي كنا أكثر وأحسن حالاً من الآن بكثير، كانت الكثير من الأسر تمتلك الدجاج، البقر، الغنم، هذه ثروة مهمة، من أهم الثروات، والآن الكثير لم يعد لديه لا أبقار، ولا أغنام، ولا دجاج، ويصبح حتى توفير البيض من المتطلبات التي لا بدَّ منها من الخارج بالدولار، وكأننا شعب لا يمكن أن يربي حتى بقرة، ولا دجاجة، ولا ينتج حتى أبسط متطلبات الحياة.
من العار، ومن الإثم، ومن التقصير، ومن الغبن أن يتجه الناس بهذا الشكل بشكل مستمر، أن يتحولوا إلى أمة غير منتجة، لا تنتج حتى البيض، لم تعد تمتلك حتى الدجاج، ولا أغنام، ولا أبقار، ولا تنتج زراعة... ولا أي شيء هذه قضية خطيرة جدًّا لنحرص على أن نبقى أمةً منتجةً، وأن يكون هذا جزءاً من اهتماماتنا الدينية، كما قلت: من جهادنا، من عملنا الصالح الذي نتقرب به إلى الله؛ لكي نكون أمةً قوية، لربما كلما تقوى الإنتاج الداخلي كلما قل احتياجنا إلى الشراء من الخارج، إلى الاستيراد، هذا يخفف حتى من الضغط على العملة، من ارتفاع الدولار، من ارتفاع الأسعار، وفي نفس الوقت له آثار أهمية وهو مسألة استراتيجية يجعل منَّا أمةً قويةً في موقفها، وفي مواجهة أعدائها، وفي تحملها للصراع وللأعباء، أعباء هذا الصراع، هذه من المسائل المهمة.
الاستفادة من الأمطار في زراعة الحبوب، هذه مسألة مهمة جدًّا، وسيقدم علينا، أو قد أتى- أصلاً- الموسم، وربما في بعض المناطق سيأتي قريباً موسم ووقت البذر للذرة، وهذه فرصة كبيرة جدًّا على المطر على نعمة المطر، هذا شيء مهم جدًّا، والعناية به مسألة مهمة جدًّا.
الاهتمام على المستوى الثقافي والتوعوي مهم جدًّا، وأن يتحرك المعنيون بذلك بشكلٍ مستمر في الريف، في المدن، العناية بهذا الجانب مسألة مهمة، والتربويون كذلك.
مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الظرف بالتحديد الحذر من وباء كورونا، وباء كورونا الذي دخل إلى البلد، لم تتم عملية الضبط للمنافذ والدخول والخروج بالشكل المطلوب، كان هناك ضغط كبير جدًّا، كان هناك حتى عملية تهريب، ووصل هذا الوباء إلى البلد، ينبغي أخذ الحيطة والحذر، ومن دون فزعٍ وترويع؛ لأن الحالة المعنوية من أهم متطلبات مواجهة هذا الوباء، يجب أن تكون الحالة المعنوية عالية جدًّا، مع الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى- مع العمل بطاعة الله وتقوى الله -سبحانه وتعالى-، والالتزام العملي والحذر من المعاصي والحذر من الفساد، وفي نفس الوقت الأخذ بعين الاعتبار البعض من الإجراءات المطلوبة في التوقّي والحذر من هذا الوباء.
نصل- في نهاية المطاف- إلى الحث على إخراج الفطرة (فطرة العيد)، فطرة العيد هي من الواجبات المهمة جدًّا، ولها أهمية كبيرة في ألَّا يكون أحدٌ من الفقراء جائعاً في يوم العيد؛ لأنه من البؤس الشديد، ومما يعبر عن ضعف في التكافل فيما بين أبناء المجتمع المسلم، عندما يكون البعض يعيشون في يوم العيد وحاجتهم متوفرة وزادهم متوفر، والبعض لا يمتلك حتى القوت، حتى ما يأكل، فإخراج الفطرة هي مسألة مهمة جدًّا، ولها علاقة مهمة جدًّا بتكفير ما قد يكون الإنسان كفر فيه في شهر رمضان، لها إيجابية على هذا المستوى، وزيادة لتطهير نفسية الإنسان، وتتمة مباركة لفريضة الصيام، فليحرص الجميع على إخراج الفطرة؛ لمواساة الفقراء في يوم العيد.
كذلك الفهم لمعنى العيد، وأنه ابتهاج واحتفاء بتوفيق الله -سبحانه وتعالى- لإكمال هذه الفريضة المهمة جدًّا، وهو شكر لله -سبحانه وتعالى- على ما هدى إليه، ولذلك تأتي صلاة العيد وفيها التكبير المتكرر، وفقاً لقول الله -سبحانه وتعالى- في آيات الصيام {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: من الآية185]، فنحن في العيد نبتهج بأن الله وفقنا لأداء هذه الفريضة ومنَّ علينا بذلك، ومنَّ علينا بهذه الفريضة المباركة، وبصيام شهر رمضان وقيامه، وما فيه من البركات والخيرات، والآثار الإيجابية النفسية والمعنوية.
ختاماً نتوجه إليكم جميعاً أيُّها الإخوة والأخوات، إلى كل أبناء أمتنا الإسلامية، إلى المجاهدين المرابطين في الجبهات بالتهاني والتبريك بقدوم عيد الفطر المبارك...
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لنا ولكم في يوم عيدنا وفطرنا، وأن يتقبل منا ومنكم صيام هذا الشهر وقيامه، إنه سميع الدعاء، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
مسك الختام: الاستقامة والحفاظ على الرصيد الإيماني.
المحاضرة الرمضانية التاسعة والعشرون:1441 هـ 23-05-2020م.