الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية المباركة يقدِّم لنا الصورة الصحيحة عن المعارف الإلهية وأثرها في الإنسان، لاحظوا أيها الأعزاء، في كثيرٍ من الحالات قد يبدأ الخطأ بدءً من الهدف من التعلم والتعليم، عندما يكون الهدف الرئيسي لمسألة التعلم والتعليم هو الهدف المادي، [أنا أريد أن أتعلم لأحصل على وظيفة فأحصل على مرتب]، هنا يبدأ الخطأ، ثم يكون لهذا الخطأ آثار سليبة على طول المسيرة التعليمية والعملية، نحن- في البداية- يجب أن نعرف لماذا نتعلم؟ ما الهدف من هذا التعلم؟ نحن أمةٌ مسلمة، نرتبط بالله -سبحانه وتعالى- حتى في أهدافنا في هذه الحياة، أهداف مسيرة هذه الحياة، ننشد رضا الله -سبحانه وتعالى- من كل عمل، ومن كل سعيٍ نسعى فيه.
الله -سبحانه وتعالى- هو نصب أعيننا، هو وجهتنا، إليه المصير، ورضاه هو الهدف الأول الذي نسعى للوصول إليه. أن يكون الهدف أن تحصل على مقام معنوي، أو أهداف مادية تكون هي الأهداف بنفسها. هذا هو الخطأ بعينه، هذا هو الذي ضَيَّعَنا كأمة، لاحظوا في الأمم الأخرى هم يحرصون على أن يرتبط الإنسان بأهداف كبيرة كأهداف رئيسية لمسيرته التعليمية، أهداف رئيسية جامعة تبني أمتهم كأمة، أمة متحضرة، أمة قوية، أمة لها أهداف كبيرة، حتى أنها تنشد دوراً عالمياً.
لو نأتي مثلاً إلى العملية التعليمية في أمريكا، أو في اليابان، أو في أوروبا، أو في الصين، لا نجد أهدافاً فردية، ولا نجد الإنسان يرتبط بهدف شخصي ضيق ومحدود: [يريد أن يتعلم؛ كي يحصل على وظيفة؛ كي يحصل على مرتب، والسلام ختام، وانتهى الموضوع]. لا، لهم أهداف كبيرة، يحرصون على أن ينشؤوا أمماً كبيرة، قوية، متحضرة، متمكنة، ذات حضور عالمي، وأكثر من هذا، بطموحات استعمارية، يفكر أن يتعلم؛ لكي يكون له دور كبير حتى على المستوى العالمي، أن أمته هي الأمة الأقوى في هذا العالم، أن تكون أمة ذات منعة، ذات إمكانيات هائلة، أن تتمكن من استغلال كل موارد هذه الحياة، وكل ما في هذه الحياة من نعم وإمكانيات لما يحقق لها الرفاهية والسعادة. أهداف عامة، وأهداف كبيرة.
نحن رسم لنا الإسلام أهدافاً أعظم، وأهدافاً أسمى، وأهدافاً أكبر، وجعل مسيرتنا التعلمية مسيرة بناءٍ لك كإنسان؛ كي تكون إنساناً بناؤك لكي يتحقق فيك التكامل والنضج الإنساني، تكون إنساناً زاكياً، تتحلى بمكارم الأخلاق، تحمل نفساً زكية غير مدنسة، نفساً تتربى على مكارم الأخلاق، وتكون إنساناً راشداً، حكيماً، متنوراً، تحمل المعارف الصحيحة، والرؤية الصحيحة، والفهم الصحيح، ولهذا نقيس أهمية هذا التعليم الصحيح بأثره العظيم في الإنسان.
هدى الله له هذا الأثر في الإنسان، يعلمك لكي تعمل، ويعلمك لكي تزكو، ويعلمك لكي تتحرك كمسؤول في هذه الحياة يتصرف ويعمل بشكلٍ صحيح، ويعلمك لكي تكون مرتبطاً بمنهج الله -سبحانه وتعالى- المنهج العظيم؛ لأنه في النهاية العملية التعليمية لها منهج، هذا حاصل في كل الدنيا: العملية التعليمية لها منهج، هذا المنهج يتضمن معارف معينة، مقروءات معينة، أفكاراً معينة تقدم للإنسان لكي يؤمن بها، ولكي يقتنع بها، ولكي يتحرك في هذه الحياة على أساسها وبالاستفادة منها، نحن كأمةٍ مسلمة لدينا أعظم منهج، والله -سبحانه وتعالى- حينما قال في هذه الآية المباركة: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، يعلِّمنا المعارف التي لا وجود لها عند بقية البشر، معارف لا يمكن الحصول عليها إلَّا من الله، من خلال ما قدَّمه في كتابه المبارك من هذه المعارف العظيمة جدًّا، والأفكار الصحيحة التي نستفيد منها أفكاراً صحيحة وتصورات صحيحة عن هذه الحياة، وعن واقع هذه الحياة، وعن أهداف هذه الحياة، عن مسيرة هذه الحياة.
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}؛ لأن هذا يؤسس لنا أولاً الاستقلال الفكري والثقافي، وهذه من أهم المسائل على الإطلاق، لا يمكن لنا- كأمة- أن يتحقق لنا استقلال سياسي، واستقلال اقتصادي، واستقلال في واقعنا كأمة، إن لم يتحقق لنا الاستقلال الثقافي والفكري، وهذه الآية تبين لنا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- ربطنا به في مسألة المعارف والثقافة؛ لكي نحصل على الاستقلال الفكري والاستقلال الثقافي، وربطنا بأعظم مصدر للمعارف المعارف الإلهية التي يعلمنا الله بها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: من الآية282]، معارف من الله، علوم من الله، الذي يخبرنا بها هو الله -سبحانه وتعالى- ولهذا قال: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}، وأيُّ شيءٍ أعظم من هذا! هل هناك أحد أعلم من الله؟ هذه هي المعارف الصحيحة: معارف من الله -سبحانه وتعالى- ثم أيضاً يحمينا من المفاهيم الظلامية والتصورات الخاطئة التي تضل الإنسان، والتي يخطئ بها الإنسان، وينحرف من خلالها في مسيرة حياته، ولهذا أثر سيء في واقع الحياة بكلها، ثم نلحظ الأثر المميز والبناء الصحيح للإنسان من خلال هذه المعارف في نفس الإنسان وفي مفاهيمه، ثم بالتالي في اهتماماته وأعماله وسلوكياته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة اختتام المراكز الصيفية 3 ذو الحجة 1440هـ/ 20 أغسطس, 2019م