{اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} إذا كنتم نسيتم كل ما قد عايشتموه من التجارب في حياتكم، مما يشعركم بالضعف والعجز والحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى- مما يساعدكم على تعزيز حالة الخوف من الله -سبحانه وتعالى- والافتقار إلى الله -سبحانه وتعالى- إلى رعايته، إلى حمايته، إلى دفاعه، إلى أن ينقذكم، أن يغيثكم. ضعفكم في مقابل سخطه، عقوبته، قدرته، جبروته، عذابه، إذا نسيتم كلما كان في الحياة على مستوى واقع الإنسان الشخصي، وواقع الحياة من حوله، والتاريخ من قبله، فأمامكم في المستقبل هذا الحدث العظيم الهائل الكبير، هذا الأمر المهول جدًّا، {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}، (زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ): القيامة، وهذا الحدث الرهيب والهائل، الآتي القادم والقريب، تحدث القرآن الكريم عنه حتى التسميات بتسميات مزعجة، تسميات كبيرة، هائلة، عبارة: القيامة، الساعة، الحاقة، الصاخة، الواقعة، الطامة الكبرى… تعبيرات كثيرة في القرآن الكريم تنبهنا إلى عظم هذا الحدث الهائل.
يوم القيامة الآتي حتمًا للحساب والجزاء للبشرية بكلها هو يومٌ عظيم، هو يومٌ عظيم، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} [هود103-104]، أجل سينقضي ويأتي. يوم القيامة يوم الحساب ويوم الانتقال إلى الجزاء، يأتي بحدثٍ هائل ينهي وجود هذا العالم، ويدمِّر هذا العالم بكله، وفي المقدمة الأرض التي نعيش عليها، مهد البشرية، التي عليها استقرار البشرية وحياتهم منذ وجود آدم -عليه السلام- وهذا الزلزال العظيم الذي به دمار هذه الأرض بكلها، وليس دمار منطقة بسيطة منها، أو مساحة محدودة، أو دولة أو قُطر هناك، أو أن تكون نسبة هذا الزلزال لدرجة خراب المنازل وتضرر الممتلكات. |لا|، شيءٌ عظيم؛ لأنه زلزال يصل إلى درجة التدمير لهذا العالم، يصل إلى درجة النسف للجبال بكلها.
إن حجم هذا الهول أمام ذلك الزلزال العظيم هو للدرجة التي عبّر عنها القرآن بقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: الآية2]، إن حالة الذهول وحالة الرعب أمام ذلك الزلزال العظيم الذي تهتز له كل الأرض، وتنسف منه كل الجبال، وتتبخر منه كل البحار، ويدمر فيه كل هذا العالم بأسره، في بداية هذا الزلزال المهول العظيم حالة الذهول، حالة الرهبة، حالة الخوف، حالة الفزع، حالة الدهشة، لدرجة أن تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت، الأم المرضعة التي هي أكثر شيءٍ إشفاقًا وعلاقةً وحميميةً ورأفةً- في واقع البشر وفي واقع الكائنات الحية- برضيعها الصغير، الذي هي عادةً حتى عند الفزع، أو عند القلق، تبادر لاحتضانه، وتبادر لتفقده، وتحرص على الانتباه له، لكن أمام هذا الحدث العظيم. |لا|، تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت.
لو نلحظ مثلًا- على سبيل المثال– قصة القصف الجوي الآن في الدنيا- مثلًا- ترى في كثيرٍ من مشاهد القصف الجوي الذي استهدف المنازل حتى في العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا وشعبنا المسلم العزيز، في كثيرٍ من حالات القصف الجوي لكثيرٍ من المنازل- مثلًا– والأسر، ملحوظ أن الأمهات عند الإحساس بهذا الخطر يبادرن إلى احتضان أطفالهن الصغار، بالذات الرضع، وتجد مشاهد متعددة للقصف الجوي وترى الأم وقد استشهدت هي ورضيعها وهي تحتضنه، استشهدت مع رضيعها وهي تحتضنه، بادرت عند الإحساس بالخطر، هذه فطرة، وهذا شيء قائم في واقع الحياة، لكن بالنسبة لهول زلزال القيامة وزلزلة الساعة المسألة مختلفة، هو لدرجة من الذهول والعظم والرهبة والفزع أن كل إنسان ينسى الآخرين، هو مشغولٌ بنفسه، حالة الرعب والفزع والاندهاش لدرجة أن لا ينتبه لأي شيءٍ آخر، وأن لا يقلق على شيءٍ آخر، مستوى القلق على النفس، والذعر، والخوف، والرعب على النفس ينسي الإنسان، وينسي الأم حتى رضيعها، أما كل ذات حمل فتسقط حملها، كل ذات حمل، كل امرأة، كل كائن حي حامل يسقط حمله، من الدهشة والرعب والرهبة الشديدة.
الناس في أول هذا الحدث المهول والمهيب والعظيم يكونون في مستوًى رهيب من الذهول وكأنهم سكارى، وكأنهم فقدوا عقولهم، فقدوا تركيزهم، اندهاش شديد جدًّا، يفقدون معه القدرة على التمييز، القدرة حتى على قراءة هذا الحدث، [ما الذي يحدث؟! ما الذي يحصل؟!]، حالة من الذهول الشديد جدًّا، يفقد الإنسان قدرته على التماسك الذهني والنفسي، ويندهش لدرجة وكأنه سكران، فاقدٌ لتمييزه، فاقدٌ لإدراكه، عاجزٌ عن قراءة وفهم ما يحدث، {وَمَا هُم بِسُكَارَى}. |لا|، هي حالة اندهاش، ذهول، رهبة، فزع شديد جدًّا، فقدوا إدراكهم، وتماسكهم الذهني، وتماسكهم في التفكير والفهم والنظرة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
السلسلة الرمضانية 1439هـ – المحاضرة السادسة
أبريل 18, 2019م