إن المتأمل في شريعة الإسلام الحنيف يجد فيها العظمة والجلال، خاصة في العبادات المتنوعة، والخيرات الكثيرة، التي من خلالها يستطيع العباد أن يصلوا إلى الكمال المنشود، والدرجات العالية في جنات النعيم، سواء كانت تلك العبادات قلبية أو قولية أو بدنية أو مالية، وسواء كانت الفائدة المرجوة منها تعود على الفرد أو الأسرة أو المجتمع، وسواء كانت في الدنيا أو الأخرة .
فمن هذه العبادات الجليلة والعظيمة هي الصدقات، وهي مستحبةٌ، ولها أجرٌ عظيمٌ في تماسك المجتمع، وبث روح المحبة والمودة والتكافل، وقد جاءَ في فضلها آياتٌ كثيرةٌ منها قولُ المولى جلَّ جلالُه:{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} وقولُه سبحانه:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}وقولهُ سبحانه:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ويقولُ الحبيبُ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم:(اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ)[البخاري ومسلم].
وقد تكونُ الصدقةُ سراً وعلانيةً لقولِ المولى سبحانه:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ولقولِ الحبيب المصطفى صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم:(إنَّ صدقةَ السرِ لَتُطْفِئ غضبَ الرب، وإنَّ الصدقةَ لَتطفئ الخطيئة)[أمالي أحمد بن عيسى] ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم:(إِنَّ صَدَقَةَ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ تَزِيدُ فِي العُمرِ ، وتَمْنَعُ مِيتَةَ السُّوءِ ، وَيُذْهِبُ الله بِهَا الْكِبْرَ وَالْفَخْرَ)[ابن حبان وغيره] ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم:(دَاوُوا مرضَاكُم بالصدقةِ)[شرح التجريد وأصول الأحكام].
وأفضلُ الصدقةِ هي أن تكونَ على القريب المحتاج ، وَذلكَ لما رُوِيَ عَن الإمامِ زيدِ بنِ عَلِيٍّ عَن آبَائِهِ عَن الإمامِ عَلِيٍّ عليهم السلام قالَ:(مَا مِنْ صَدَقَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى ذِي رَحِمٍ أَو أَخٍ مُسْلِمٍ . قَالُوا: وَكَيفَ الصَّدَقَةُ عَلَيهِم ؟ قالَ: صِلاتُكُمْ إِيَّاهُمْ بِمَنزِلَةِ الصَّدَقَةِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)[مسند الإمام زيد عليه السلام].
وقد جاء في السنة النبوي المطهرة أنها تطفئ غضب الله سبحانه، وتمحوا الخطيئة، وتقي مصارع السوء، ونار جهنم، كما أنها دواء للأمراض:(داووا مرضاكم بالصدقة) وأن الله جل جلاله يدفع بها أنواعاً مِن البلاءِ .
فما أعظمها وما أجلها من عبادة، نتقرب بها إلى المولى سبحانه، خاصة في ظل هذا العدوان الغاشم علينا، من دول الاستكبار العالمي، الذي فاقم من الشدة والمحنة والمعاناة، وأنتج كثيراً من الفقراء والمساكين والمعسرين والأرامل والأيتام والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة .
وأيضاً ما أعظم أجرها خاصة في هذه الأيام والساعات الرمضانية المباركة، فبادروا أيها المؤمنون إلى الفضل الجزيل، وتأملوا قوله تعالى:{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ}[البقرة:272] وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[الحديد:18].
فأقرضوا المولى سبحانه يضاعف لكم الأجور يوم المجازاة:{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة:245].
ولنعلمَ يقيناً أنَّ النَّصرَ والرزقَ يكونُ بمواساةِ الفقراءِ والضعفاءِ وأهلِ الحاجةِ، يقولُ الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ) فمطلوبٌ من كل ضعيفٍ ومحتاجٍ ونازحٍ وفقيرٍ الإكثارُ من الدعاءِ والصلاةِ والطاعاتِ المختلفة، ومطلوبٌ مِن الأغنياءِ، النظرُ إلى الفقراء والمحتاجينَ ومواساتُهم، وسدُّ جوعِهم وحاجتِهم، فاللهَ اللهَ في الفقراءِ، وفي المساكينِ، وفي النازحينَ، وفي الأيتام، وفي الأراملِ، وفي الجرحى، وفي أسرِ الشهداء، وفي الأسرِ
المتعففةِ العزيزةِ:{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ، يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً، وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ}.
واعلمُوا يقيناً أيها الأغنياءُ أنَّ للفقراءِ والمساكينِ والمحتاجينَ حقًّا في أموالِكم:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــ
بقلم / أ.حفظ الله زايد