والقرآن الكريم قدَّم تشخيصاً عجيباً، وبياناً عجيباً، يعني: عندما نرى أنَّ القرآن الكريم وبالخصوص تجاه هذا العدو: العدو من أهل الكتاب، ركَّز بشكلٍ كبير على توجيه خطابه إلى الأمة فيما يتعلق بواقعها الداخلي، نجد هذا من الشواهد التي تزيد الإنسان إيماناً بالله -سبحانه وتعالى-، وإيماناً بكتابه، وإيماناً بأنَّ القرآن وآياته البينات وهديه العجيب أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة، ويعلم ما في الصدور، يعلم بذات الصدور، يعلم بخفايا النفوس؛ لأن القرآن الكريم جعل حديثه بشكلٍ رئيسي في هذا الموضوع يتوجه إلى الأمة في واقعها الداخلي محذراً لها وفق عنوانين: من التولي لهذا العدو، ومن الطاعة لهذا العدو، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، وكان هذا من العجيب، في بداية الأمر عندما تلحظ هذه النصوص القرآنية كيف {الَّذِينَ آمَنُوا} ويفترض بهم أن تكون منطلقاتهم في هذه الحياة على أساس هدي الله وتوجيهاته، أن يكونوا مطيعين لله -سبحانه وتعالى-، أن يترسخ عندهم مبدأ الطاعة لله فوق كل شيء، وأن يبنوا مسيرة حياتهم على هذا الأساس، أن يكون ولاؤهم لله -سبحانه وتعالى-، وأن يؤمنوا بولايته، فيكون التولي لله -سبحانه وتعالى- بالنسبة لهم التزاماً عملياً في مسيرة حياتهم، يبنون عليه مواقفهم، يبنون عليه توجهاتهم، يبنون عليه أعمالهم، يبنون عليه كل ما يتعلق بمسؤولياتهم في هذه الحياة، فكيف يأتي التحذير لهم من أن يطيعوا مَنْ؟ يطيعوا فريق الشر، فريق الغدر، فريق الكفر من أهل الكتاب، من أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء بدلاً عن الله -سبحانه وتعالى-، في الوقت الذي لا يزالون يعتبرون أنفسهم من الذين آمنوا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وفي الوقت الذي تعتبرون أنفسكم لا زلتم فيه أنتم الذين آمنوا تتجهون هذا الاتجاه: بالطاعة أو بالولاء لأهل الكتاب، لهذا العدو، ولفريق الشر من أهل الكتاب، ويقدِّم المسألة بأنها في غاية الخطورة، في الوقت الذي يحذِّر منها، يقدِّمها بأنها في غاية الخطورة، إلى درجة أنها ستمس بانتمائك الإيماني، بمصداقيتك في إيمانك؛ لأن هناك يقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، وهناك في الآية الأخرى يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، بعد أن قال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة: من الآية51].
ولاحظوا حتى في قوله -جلَّ شأنه-: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فهم في واقع الحال يتولون بعضهم بعضاً، في الوقت الذي لا يزال اليهودي يهودي، والنصراني نصراني، من حيث الانتماء العقائدي، لكنه التوجه في الموقف، والتوجه في العمل، والتوجه في المؤامرات ضد هذه الأمة، وغير غريبٍ في واقعهم ذلك؛ لأنها تشابهت قلوبهم، أهدافهم، نواياهم، توجهاتهم، وكذلك لما عندهم هم في واقعهم من الخلل الكبير، ليس عندهم تركيز أصلاً على الالتزام الإيماني، والإنساني، والأخلاقي، والقيمي، منطلقاتهم منطلقات أخرى، بعيداً عن أي التزام ديني، أو أخلاقي، أو إنساني، أو قيمي بالنسبة لهم، لكنَّ حالنا كمسلمين، حال الذين آمنوا، يفترض أن يكون مختلفاً عنهم، حيث المنطلقات تبنى على أساس أن تكون منطلقات محسوبة بحساب الإيمان، بحساب القيم، بحساب الأخلاق، بحساب المبادئ الإلهية، وهذا ما يفترض أن ندرك به أننا نختلف عنهم؛ وبالتالي لا يمكن أن نجتمع معهم في موقف، في توجه، في مسار عملي، في سياسات واحدة، في توجهات واحدة؛ لاختلاف المواقف في منطلقاتها؛ وبالتالي في أهدافها وغياتها ونتائجها، وهذا ما يجب أن يجعلنا في اتجاه مختلفاً عنهم.
أمَّا هم فمن الطبيعي، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، من الطبيعي أن يكونوا كذلك، فهم متشابهون في السوء، في الكفر، في المكر، في الغدر، في الشر، في الفساد، في الإجرام، في الأطماع، في النزعة الاستعمارية... إلى غير ذلك،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثامنة والعشرون: 1441هـ 22-05-2020م.
واقع الأمة تجاه أهل الكتاب: المسارات والعواقب الوخيمة.