ثم قال -جلَّ شأنه- فيما بعد هذه الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 54-56].
يقدم في هذه الآيات المباركة كذلك الرؤية العملية التي هي رؤية تمثِّل نجاحاً للأمة، ومضمونة النجاح؛ لأنها تحظى بالدعم من الله -سبحانه وتعالى- والتأييد من الله -سبحانه وتعالى-، لا بدَّ من هذه المواصفات القرآنية، التي قدَّمها القرآن الكريم، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ}، وهذا وعد إلهي، وعد من الله أنه سيأتي بهؤلاء القوم؛ إنما كيف يسعى الإنسان ليكون منهم، ليكونوا هم الذين يواجهون هذا الخطر وهذا العدو من داخل الأمة، بكل نجاح، بكل اقتدار، وبنصرٍ وتأييدٍ من الله -سبحانه وتعالى-.
يقدم هذه المواصفات: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، عن طبيعة علاقتهم بالله -سبحانه وتعالى-، {ذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، في واقعهم الداخلي، في إخوتهم فيما بينهم من التعامل، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فهم على العدو أعزة، أقوياء، جريئين، ويمتلكون العزة الإيمانية، {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وهم يتحركون وينهضون بمسؤولية الجهاد في سبيل الله بكل ما تشمله من مجالات: على المستوى العسكري، على المستوى الأمني، على المستوى الاقتصادي، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي... كل ميدان من ميادين هذه الحياة، وكل مجال من مجالات هذه الحياة ينطلقون فيه استجابةً لله -سبحانه وتعالى-، ووفق الرؤية التي رسمها الله -سبحانه وتعالى-.
يقول عنهم: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ لأن الله يعلم كم سيكون الإعلام في خدمة اليهود، كم سيشتغل الإعلام وكل وسائل اللوم تحت كل العناوين، حتى العنوان الديني، من كل من يعملون لخدمة اليهود، ولكن هؤلاء القوم الذين يتحركون بهذه الفاعلية هم على هذا المستوى الراقي، فلا يكترثون ولا يبالون بلوم اللائمين، {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.
ثم يؤكِّد على قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، فيما يحصِّن الأمة من التولي لليهود والنصارى بالإيمان بولاية الله -سبحانه وتعالى-، وما يندرج تحتها وامتداداتها الممتدة إلى الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، إلى الإمام عليٍ -عليه السلام-، ثم يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، لتكون النتيجة الحتمية لهذا التولي العملي الذي يدخل تحته الكثير من التفاصيل العملية، والالتزامات العملية، لتكون النتيجة الحتمية قوله -جلَّ شأنه-: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
فنجد في الرؤية القرآنية عرضاً مهماً وواضحاً، يبين لنا ما هي عناصر النجاح التي نحتاج إليها في مواجهة هذا الخطر وهذا التحدي، ونجدها تتجه بشكلٍ رئيسي إلى داخل الأمة: يأتي التحذير من التولي إلى داخل الأمة، يأتي الحديث الذي يعبئ الأمة بالعداء لأولئك باعتبارهم أعداء، يبين كل جوانب خطورتهم، ليتبين لنا أنَّ طبيعة المعركة معهم ليست معركةً محدودة، ولا تقتصر على مجالٍ دون مجال، وأنها تدخل إلى كل المجالات، وأنه خطرٌ يمتد إلى الناس إلى واقعهم، وقد وصل بالفعل، وصل من خلال النشاط التضليلي الهائل الذي يأتي عبر كثيرٍ من الوسائل إلى مختلف بلدان عالمنا الإسلامي، الذي يستهدف الرأي، يستهدف الفكر، يستهدف الأخلاق، يستهدف السلوك، يستهدف الأمة؛ فيفقدها إحساسها بالمسؤولية، يعمل على إفساد النفوس، وضرب زكاء النفوس.
فالرؤية القرآنية هي تتجه بشكلٍ واضحٍ وبشكلٍ رئيسي إلى تحصين الأمة من الداخل، وبنائها من الداخل، وتربط ما بين الموقف كموقف واضح وصريح وعلني، وفيه خطوات عملية، وتحرك جاد، وما بين كذلك عملية البناء للأمة في كل مجالات الحياة، وما بين أيضاً أن تتحرك الأمة في مسيرةٍ عملية لتصحيح وضعها من الداخل، وأن تكون في حركتها هذه كلها منطلقةً من الركيزتين الأساسيتين: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}[آل عمران: من الآية101]، المنهج الإلهي العظيم، والقيادة الهادية بهذا الكتاب، التي تتحرك بنا على ضوء منهج الله -سبحانه وتعالى- وهديه الواسع.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
يوم القدس العالمي 1441هـ 21-05-2020م.