مــن ضمــن مــا في هــذا المســـار هــو:
- تحويل ميناء حيفا إلى ميناء للمنطقة بكلها، ترتبط به كل دول المنطقة، وفي مقدِّمتها: دول الخليج، ثم مسألة التصدير والاستيراد تأتي عبره، وهذا ربط كامل لاقتصاد المنطقة بالعدو الإسرائيلي؛ ليكون متحكِّماً فيه بشكلٍ كامل، في الحركة التجارية بكلها، بما فيها الاستيراد، وبما فيها التصدير.
- أيضاً كان العدو الإسرائيلي يريد أن يشق قناة بديلةً عن قناة السويس، يسمِّيها [قناة بن غوريون]، وتأتي أيضاً في هذا السياق.
- كذلك ربط حتَّى الاتصالات والانترنت للمنطقة العربية بكلها بالعدو الإسرائيلي، وأن تكون عبره، وأن ترتبط المنطقة بكلها به، كل هذه المسارات لا يزال العمل جارياً عليها؛ إنما- كما قلنا- عندما أتت عملية طوفان الأقصى، أسهمت في تأخير كل هذه الخطوات، وإعاقة كل هذه الخطوات.
العدو الإسرائيلي أراد أن يتحكَّم بكل شيء فيما يتعلَّق بهذه الأُمَّة:
- بالميـــاه: الآن هو متحكِّم في المياه على الشعب الفلسطيني، ويريد أن يتحكَّم بها على الشعب اللبناني، وتحكَّم فعلياً على الشعب الأردني، وبات الآن يتحكَّم إلى حدٍ كبير وبنسبة عالية على الشعب السوري؛ ويريد أن يستكمل مستوى سيطرته وتحكُّمه، وصولاً- في نهاية المطاف- إلى نهر النيل، ويتحكَّم على تلك البلدان، وصولاً إلى نهر الفرات، ويتحكَّم على العراق... إلى غير ذلك، يريد أن يسيطر على كل مقومات الحياة لهذه الشعوب في المنطقة، ثم يجعل من تحكُّمه بها وسيلةً لإذلال وإخضاع واستعباد شعوب هذه الأُمَّة، يتحكَّم في المياه.
- يتحكَّم في الاقتصاد: الاقتصاد بكل ما له من أهمية في هذه المنطقة، في العالم بكله.
- كذلك فيما يتعلَّق بالقبول بالنهب والاستباحة للثروات: أن يكون للعدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي الأولوية في كل ما هو مهم في ثروات هذه المنطقة: الثروات الغازية، الثروات النفطية، الثروات الكبرى، تتحوَّل تحت سيطرته، ولمصلحته، وفي إطار نفوذه، ولما يخدمه، مع القبول بالسياسات الَّتي يمليها الأمريكي والإسرائيلي معاً؛ للوصول بهذه الأُمَّة في وضعها الاقتصادي إلى نقطة الصفر: ألَّا تكون أمةً منتجة، أن تكون مجرَّد سوق استهلاكية، ألَّا تمتلك أي قدرات ولا اكتفاء ذاتي في أي مجال مهم في الوضع الاقتصادي... إلى غير ذلك.
في قصة الاتصالات، من العجيب جــدًّا فتح المجال للعدو الإسرائيلي للتغلغل فيما هو قائم في الاتصالات في البلدان نفسها، حتَّى في بعض بلدان دول الخليج، فتحوا المجال من أجل خدمات لبرامج التَّجَسُّس، وهو يتجسَّس عليهم في نفس الوقت! هو يستفيد من ذلك للتجسس عليهم هم، لتثبيت تغلغله في المجال التقني، وفي مجال الاتصالات... وغير ذلك، فتحوا له الأجواء... وغير ذلك.
- في إطار ذلك المسار نفسه: فتح المجال بشكل كامل للتمييع، والإفساد، وطمس الهوية لشعوبنا، وتدمير الروح المعنوية، وتفريغ شباب وشابات أُمَّتنا من المحتوى الإنساني، والأخلاقي، والقيمي، والديني، وصولاً إلى تطويع هذه الشعوب لليهود؛ لتكون مطيعةً لهم، ولتحويل الذخيرة والرصيد الكبير لشعوب أُمَّتنا، والعماد الكبير لها (الشباب)، هذه الثروة البشرية الكبيرة، المهمة، العظيمة، إلى غير ذات جدوى، إلى وضعٍ وواقع ليس لهم فيه أي جدوى ولا أهمية لشعوبهم، يريد أن يحوِّل شباب وشابات هذه الأُمَّة إلى راقصين، إلى سَكْرَى، إلى مدمني مخدرات، إلى تائهين، إلى مائعين، إلى متحوِّلين جنسياً، إلى وضعية دنيئة، وهابطة، ومنحطة، لا يمثِّلون فيها أي قيمة لأُمَّتهم، ولا لأنفسهم، تفريغ للإنسان من محتواه الإنساني، من محتواه القيمي والأخلاقي والديني.
ولذلك فُتح المجال حتَّى في بلاد الحرمين الشريفين، فُتِحت الأبواب على مصراعيها لهذا التوجه، في إطار هذا التوجه: التمييع الكامل للناس؛ ولذلك نرى مثلاً في ذروة الإجرام الصهيوني اليهودي المستهدف للشعب الفلسطيني، هناك مشهد آخر في بلاد الحرمين، ذروة الحفلات الراقصة، الماجنة، العابثة، المستهترة، في صورة مخزية للغاية، وهي الصورة الَّتي يريدونها أن تَعُمّ في واقع أُمَّتنا: أن تتزامن مع كلِّ نكبة، مع كل مأساة، مع كل كارثة، حتَّى في الوقت الذي تستهدف فيه مكَّة أو المدينة، أو يهدموا فيه المسجد الأقصى، أو يدمَّر فيه شعب، أو يباد فيه شعب، أن يكون الجو العام في هذه الأُمَّة هو الرقص لشبابها وشاباتها، والترنح بالسُّكْر، والضياع في المياعة... وغير ذلك، خارج نطاق الواقع، خارج نطاق الواقع بما فيه من تحديات، من مخاطر، من أمور جدِّيَّة، من أمور مهمة، من قضايا مهمة، تتَّصل بمصائر هذه الشعوب، بكرامتها، بحياتها، بدينها، بدنياها، بحاضرها، بمستقبلها... إلى غير ذلك، أن يضيع كل ذلك، هذا المسار لا يزال مساراً قائماً، وسيحاولون العمل عليه بكثافة.
- أيضاً من ضمن هذا المسار: التجنيس لليهود الصهاينة في البلدان العربية بكامل الحقوق، وفوق الحقوق، وتمكينهم من النفوذ على كل المستويات: اقتصادياً، إدارياً، سياسياً... على كل المستويات:
ولـذلك منذ المرحلة الأولى، منذ اللحظة الأولى للتطبيع، بدأت عملية تجنيس بالآلاف، في بعض البلدان الخليجية وعلى الفور، إعطاء جنسيات لليهود الصهاينة في نفس البلدان، وتصل الأرقام في غضون مدة وجيزة جــدًّا بالآلاف، بالآلاف! وهذا يعني لماذا؟ لتمكينهم من أن يتحرَّكوا في تلك البلدان بحقوق المواطنة، وأكثر من حقوق المواطَنة، فوق حقوق المواطَنة، لن يكون أي مواطن في تلك البلدان بمستواهم فيما هو متاح لهم على كل المستويات: في المجال الاقتصادي، في مجال النفوذ الإداري... على كل المستويات، وهم يعرفون كيف يعملون، كيف يخترقون، كيف يتغلغلون في كل المؤسسات وفي كل المجالات، كيف يتحوَّل واقعهم إلى واقع النفوذ المسيطر، المتحكِّم في كل المجالات، يتحرَّكون بشكل هائل جــدًّا؛ لأنهم أصحاب مشروع، أصحاب مخطَّط، أصحاب أهداف، ليس واقعهم كواقع الأنظمة العربية الَّتي هي بلا أهداف، بلا مشروع، بلا خطة، بلا قضية، وتفتح الأبواب لهم، وهم يتَّجهون لتنفيذ أهداف محددة لديهم، أهداف هي تدميرية لهذه الأُمَّة، هي نفس أهداف المخطَّط الصهيوني، وهم يركِّزون على هذا.
في هذا السياق نفسه أيضاً: شراء أراضٍ، الشراء للأراضي وصل إلى درجة أنَّ شركات صهيونية أصبحت تشتري أراضي في المدينة المنوَّرة، وتشتري عقارات في مكة المكرَّمة! إلى هذا المستوى من الاختراق، ما بالك بغير ذلك يعني: من المناطق والبلدان في دول الخليج وفي غيرها؟! عناية قصوى، وهم يدركون كما فعلوا في فلسطين منذ البداية، الشراء للأراضي وللعقارات، ثم الانطلاقة من خلال ذلك إلى ما يواكبه أيضاً من نفوذ وتغلغل في مختلف المجالات، وصولاً إلى فرض سيطرة وتحكُّم في الوضع كله من حولهم، وبالاستناد إلى الأمريكي وشراكةٍ منهم، وهذا مسار من أخطر المسارات أيضاً، الَّتي فتحت لها الأبواب، وأزيحت عنها كل العوائق، وبكل بساطة، تقدَّم كل التسهيلات لتنفيذ ذلك، هذا شيء عجيب جــدًّا، ومن الَّتيه في الواقع العربي!
- مع هذا كله: العمل على تفكيك بلدان المنطقة إلى كيانات صغيرة، متناحرة تحت مختلف العناوين:
عناوين طائفية، عناوين سياسية، عناوين مناطقية، يتحمَّس لها الناس في الوقت الذي لم يعد لديهم أي تفاعل مع القضايا الكبرى، القضايا العظيمة، القضايا المقدَّسة، القضايا المهمة.
وهذا رأينا نموذجه في بعض البلدان، الَّتي قد نجح العدو فيها إلى مستوى معيَّن، إذا كان العنوان طائفياً، يكون التحرُّك له حتَّى بعنوان النفير العام، والعشائر... وغيرها، الكل يتحرك؛ لأن العنوان طائفي، والعدو الإسرائيلي يشتغل على أن تكون مثل هذه العناوين، عناوين تتفاعل معها شعوب هذه المنطقة للتفاني فيها؛ لكن عندما يكون العنوان مواجهة العدو الإسرائيلي بكل شرِّه، وخطورته، وكفره، وظلمه، وطغيانه، وإجرامه، ليس هناك أي تفاعل، بل هناك صدّ، تثبيط، محاربة وتشويه لمن يتحرك في اتِّجاه التصدِّي لذلك الخطر والشر الكبير والمطلق على هذه الأُمَّة؛ بينما إذا كان العنوان عنواناً طائفياً، مذهبياً، فتنوياً، تكفيرياً، ترى التحشيد، ترى الاستجابة، ترى التفاني، ترى الشدة، ترى القوَّة، ترى التحرُّك الجاد بكل أشكاله، التفاعل على أعلى المستويات، عناوين سياسية...
بل تعبئة هذه المنطقة في شعوبها بالأزمات في كل شيء، إلى درجة عجيبة جــدًّا، يندهش الإنسان عندما يشاهد مثلاً واقع مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، محاولة لتحويل كل القضايا البسيطة، كل القضايا الشخصية، كل القضايا الجزئية، إلى أن تتحوَّل إلى أزمات كبرى، إلى سياق الشحن، والتعبئة، والأحقاد، إلى تعبئة بواقع مأزوم للغاية، مأزوم جــدًّا، كل قضية جزئية، أو شخصية، تدخل في عالم مواقع التواصل الاجتماعي لصناعة واقع مأزوم جــدًّا جــدًّا جــدًّا في هذه الشعوب، غارق بالهموم، والمشاكل، والصراعات، والاحتقانات، والتَّذَمُّر، والسخط تجاه حتَّى أبسط القضايا والأمور الَّتي يمكن حلها بكل بساطة، والبعض منها ليس هناك أي داعٍ أصلاً لأن تكون قضايا تتحوَّل إلى سياق تأزيم الوضع العام، ومحاولة شحن الواقع العام بكل جزئية، بكل مشكلة، وتشتيت ذهنية الناس عن القضايا الكبرى، عن الأمور المهمة الَّتي تحل لهم حتَّى قضاياهم الجزئية، وحتَّى التفاصيل، غرق في الجزئيات والتفاصيل، شحن بالأزمات، تعبئة بالتذمر والأحقاد والضغائن إلى درجة مذهلة جــدًّا، الإنسان يستغرب جــدًّا حالة تيه رهيب!
العدو الإسرائيلي يعمل على الاستثمار في كل ذلك، والعمل على كل ذلك:
- حتى ينسى الناس قضاياهم الكبرى وحلولها المهمة.
- حتى ينسى الناس قضاياهم المصيرية.
- حتى ينسى الناس الاتِّجاهات الصحيحة، الَّتي تصلح لهم واقعهم، تصلح لهم أعمالهم، تصلح لهم وضعياتهم، تحل لهم مشاكلهم.
تبقى الحالة حالة تعبئة بالتَّذَمُّر، والعقد، والسخط، في كل ما هب ودب من قضاياه، وجزء كبير أيضاً مختلق، وجزء يضخَّم، من باب تحويل القضية الصغيرة إلى قضية كبيرة، [الحبة إلى قُبَّة].
والاستثمار في كل شيء، لماذا؟ لبعثرة هذه الأُمَّة، حتَّى لا تبقى أي حالة من حالات التَّوَحُّد، التعاون، الروح الإيجابية في داخل شعبٍ معين، حتَّى يتنافر الناس، يكرهون بعضهم بعضاً، يسخطون على بعضهم البعض، تمتلئ الحالة في العلاقة فيما بينهم بحالة السخط، والعقد، والبغضاء، والكراهية، والتنافر، والتشاحن، ويشتدون على بعضهم البعض؛ بينما هم تجاه عدوهم، تجاه المخاطر الكبرى عليهم، لا يلتفتون إليها أصلاً؛ نفير عام على نزاع بين قبيلة وأخرى، مسارعة إلى الاقتتال، مسارعة إلى سفك الدماء وهدرها، مسارعة إلى الاستنفار على قضية معيَّنة، قضية جنائية، قضية محدودة يمكن معالجتها، يمكن حلها بدون ذلك، لكن هكذا وضعية غير طبيعية، غير صِحِّيَّة، غير سليمة، غير إيجابية، في الوضع الداخلي للأُمَّة؛ تبعثرها، تفككها، تمزقها، تبعثرها، وهذا لخدمة مَنْ؟ العدو الإسرائيلي، الذي يبقى هو في وضع مختلف، مركزاً على أهدافه، مركزاً على مخطَّطه، مركزاً على المسارات العملية الَّتي ينجز بها ذلك المخطَّط.
هذا جزء من المسارات، ليس كلها، جزء من المسارات الَّتي هي ما قبل طوفان الأقصى:
في سياق تصفية القضية الفلسطينية من جانب
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
أخر التطورات والمستجدات الأسبوعية
الخميس 17 ربيع الآخر 1447هـ 9 أكتوبر 2025م