من الأشياء المهمة التي ينبغي الالتفاتة إليها: أنَّ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كان يفكر في مستقبل الأمة؛ فهو بالتالي هو نبي الأمة إلى يوم القيامة، هو رحمةٌ للعالمين، وعبر ما تبقى من أجيال، وعبر ما بقي من فترة البشرية، يعني: لم يكن نبي عصره فحسب، ولا رسول زمنه فقط، هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- للبشرية، وإلى البشرية كافة، للناس كافة بشيرًا ونذيرًا منذ عصره وإلى قيام الساعة؛ وبالتالي نظرته إلى المستقبل هي نظرة مرتبطة- أيضًا– بطبيعة مسؤوليته ودوره، وبالتأكيد ذات صلة لما يأتيه من وحي الله ومن هدى الله -سبحانه وتعالى-, يعني: ليست نظرة شخصية، ولا ينطلق فيها من استشراف للمستقبل بدافع شخصي واهتمام شخصي، ومن واقع شخصي منفصل عن الوحي الإلهي. |لا|؛ لأن الله رب العالمين وأرحم الراحمين -جلَّ شأنه- هو لا يلحظ فقط- مثلًا- واقع البشـر في عصر النبي فحسب. |لا| إنَّ الله- الذي هو ربُّ العالمين- هو -جلَّ شأنه- سيشمل برعايته، ويشمل برحمته البشرية كلها إلى قيام الساعة، بحيث يتيح لهم فرصة الخلاص، ويتيح لهم ويهيئ لهم فرصة النجاة، بمعنى: أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لا تأتي رحمته مرتبطة بزمن معين، ورسول الله رحمة الله للعالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: الآية107]، هذه الرحمة للعالمين ليست مزمنةً لثلاثة وعشرين عامًا في عهد النبي محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن بعد ذلك تقفل هذه الرحمة، وتنتهي هذه الرحمة. |لا| رحمة تمتد إلى قيام الساعة، ما بقي للبشرية باقية، وما دام التكليف قائمًا في هذا الواقع في الحياة، ولكن هذه الرحمة لها امتداداتها، التي سنأتي إلى الحديث عنها، امتدادها كمشروع يمتد، تضمَّنه القرآن الكريم، وامتدادها من موقع القدوة والقيادة، بمثل ما سبق لنا في الحديث عن الإمام علي -عليه السلام- وعن الإمام الحسن، عن الإمام الحسين، عن أهل البيت -عليهم السلام- عن الصالحين والأخيار من أبناء الأمة.
فهذا الامتداد الذي هو امتداد لخط الهداية، للمشروع الإلهي، لبرنامج الإسلام المقدم للأمة، فيه ما يزوِّد هذه الأمة بالرؤية التي تبني عليها حياتها، وفيه ما يقدِّم لها التربية اللازمة التي تصلحها؛ لتكون بمستوى النهوض بمسؤوليتها، الإسلام مشروع عظيم، فيه تربية، وفيه تعليم، فيه حكمة، وفيه رشد، وفيه ما يساعد على الاستقامة على المستوى السلوكي والعملي، وفيه برنامج متكامل للحياة في كل اتجاهاتها، ليس فقط مجرد طقوس لا نعثر على هذا الإسلام إلَّا من خلالها، نعيش الإسلام في جوها فحسب في داخل المساجد، وانتهى كل شيء. |لا| برنامج متكامل، وهذا البرنامج يتجه إلى الإنسان فيصلحه، يزكيه.
جانب التزكية جانب أساسي جدًّا في القرآن الكريم، آيات كثيرة تتحدث عن هذا الموضوع، وقُدِّم كمهمة رئيسية في حركة رسول الله، وللقرآن نفسه: {وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: من الآية129]، بهذا التعبير القرآني وهو يعدد المهام الرئيسية لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- تجد كذلك في حركة الأنبياء السابقين، تجد في النصوص القرآنية المتعددة تركِّز على موضوع التزكية، ومسار حياة الإنسان في فلاحه يتوقف على هذا الجانب: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس: 9-10]، النفس البشرية فلاحها متوقف على مسألة التزكية؛ لكي تبقى الأمة مرتبطة بهذا المشروع في كل جوانبه: فيما يقدِّمه كرؤية، فيما يقدِّمه كتشريعات، فيما يقدِّمه من: (بصائر، وتوعية، ونور، وهداية شاملة)، فيما يقدِّمه- أيضًا– من تربية لهذا الإنسان، وتزكية لهذا الإنسان، يجب أن تبقى الأمة مرتبطة بهذا المشروع من واقع حياتها، لا تنفصل بشؤون حياتها في اتجاه، وتترك هذا المشروع بكله هناك في اتجاهٍ آخر؛ وإلَّا ابتعدت عنه تلقائيًا، وخسرت الارتباط به، وما يترتب على هذا الارتباط من: آثار إيجابية، ومن نتائج عظيمة في واقع الحياة، ومن استقامة في واقع الحياة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الرابعة بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-